أطلقت دار “سوذبيز” الشهيرة مزادا خيرياً علنياً على الإنترنت حمل عنوان “إلى بيروت مع الحب”، من خلال برنامج “impact lebanon” لدعم المتضررين من انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، سيشارك فيه نخبة من مصمّمي الأزياء والمجوهرات والتحف.
مشروع المزاد تبلور بفضل مصمّمة المجوهرات نور عصام فارس التي ساهمت في طرح مبادرة أطلق عليها اسم “الإبداع للبنان” وتهدف إلى وصل الداخل اللبناني بالطاقات الاغترابية لغايات تتعلق بالدعم والمساعدة على التخلص من آثار الانفجار.
يبدأ المزاد من 7 كانون الأوّل الجاري ويستمرّ حتّى 15 منه، وستُعرض فيه 50 قطعة فريدة من المجوهرات والصور الفوتوغرافية والتصاميم الثمينة العائدة لأهم الماركات العالمية مثل برادا وديور، كما يشهد مشاركة لافتة من مصمّم الأزياء اللبناني إيلي صعب والمصمم التونسي الراحل عز الدين عليا.
مشروع المزاد تبلور بفضل مصمّمة المجوهرات نور عصام فارس التي ساهمت في طرح مبادرة أطلق عليها اسم “الإبداع للبنان” وتهدف إلى وصل الداخل اللبناني بالطاقات الاغترابية لغايات تتعلق بالدعم والمساعدة على التخلص من آثار الانفجار
لا تعود أهمية هذا المزاد إلى ما يمكن أن يؤمنه من أموال يمكنها أن تساهم في التخفيف من الآثار المدمرة التي خلفها انفجار المرفأ، بل في العنوان الذي أصرّ المنظمون على إسباغه على بيروت في مثل هذه اللحظة الكارثية.
يستقبل المزاد “بيروت” بمفردة لطالما حكمت تاريخ العلاقة معها وهي مفردة “الحبّ”. لقد غابت هذه الكلمة ومعانيها عن كل التعاطي الرسمي والسياسي والدولي مع بيروت المنكوبة بكنايتها عن لبنان المنكوب، وصار التعاطي مع البلد والمؤتمرات التي تقام لدعمه تكرس الطابع الإغاثي.
ينزع التفكير الإغاثي عن بيروت وعن البلد ككل الخصوصية والأهمية التي تجعله آيلاً للحبّ ويستبدله بآلية الشفقة، والفرق شاسع بين العنوانين لا بل يمكن التأكيد على التناقض التام بينهما.
الحبّ يدافع عن قيمة المدينة ويتعامل منها انطلاقاً من فكرة تقول إنّ خسارة فكرتها وما تمثله، لا يشكّل مجرد كارثة محلية خاصّة، عابرة وغير مؤثرة على حركة العالم وانتظام سير الأمور فيه، بل يعتبر أنّ بيروت، بتاريخها ومعانيها، إنّما تعتبر مدينة مؤسسة لفكرة المدينة وروحها على امتداد خريطة العالم بأسره.
يعني ذلك أنّ خرابها سيصيب الحياة المدينية ككلّ بخلل لا يمكن إصلاحة.
اختفت فكرة المساعدة والإغاثة عن العنوان الرئيسي وبقيت كأثر جانبي. خريطة عمل المزاد تعلن أن حبّ بيروت سينتج عنه أثر جانبي وهو مساعدة أهلها المتضرّرين، وهكذا يحافظ العنوان على كرامة المتضرّرين ويؤسّس لعلاقة مختلفة معهم ومع المدينة.
بيروت، بتاريخها ومعانيها، إنّما تعتبر مدينة مؤسسة لفكرة المدينة وروحها على امتداد خريطة العالم بأسره
ومن ناحية أخرى تضيء عالمية المبادرة والمشاركة العالمية فيها على واقع تم انتزاعه من بيروت بشكل خاص ومن البلد ككل. بيروت منذ فترة باتت وكأنّها أسيرة المحليات الضيقة، وبدا الانفجار الذي أودى بمرفئها وكأنه قضى على الجسر الذي كان يربطها بالعالم، فباتت مسوّرة بالخراب والحطام والعزلة، ولم تعد قادرة على الخروج من أسر هذا الواقع ولا التعبير عن فكرة مغايرة لخطابه.
إقرأ أيضاً: لبنان: نتنفس أولاً، ثم نرى
يعيد العنوان الدلالي الكبير لهذا المزاد التأكيد على عالمية بيروت، ويسعى قبل كل شيء إلى إعادة تكريس عالميتها بوصفها جزءا أساسيا من عالمية العالم. القطع الثمينة والماركات العالمية المعروضة للبيع في المزاد، لأجلها، تضمر جملةً من المعاني التي تعلي من قيمة بيروت، فلا أحد يهدر دماء جوهرة إلا في سبيل المصدر الذي يمنح الجوهرة قيمتها.
نظرة الحبّ تحيي عالمية بيروت بوصفها المدينة التي تسمح لكل ما هو جميل ونادر وأنيق بأن يلمع، وهكذا يمكن أن نفهم ونثمّن قيمة هذا المزاد بأنّ الفنانين والمشاركين فيه يدافعون عن هذه المدينة – الفكرة قبل كل شيء آخر، ويكرّسون صورة نهائية لها بوصفها المجال الذي يمنح فنَّهم لمعانَه وتألقه، وأنّ هذه المدينة الصغيرة المنكوبة ليست سوى ذهب الزمان، وأنّها بالحبّ تُقاس بالجواهر التي تليق بها، وليس بالأموال الإغاثية.