تتسمّر أم زهير أمام شاشة التلفزيون منذ السابع من الشهر الجاري. على مدى الأيام الـ17 الماضية لم تترك من يدها جهاز الـRemote control المثبّت على قناة “الجزيرة” القطرية، التي تعتبرها أفضل من يغطّي الحرب في غزة.
لا تطبخ، لا تكنس، ولا تقوم بترتيب المنزل. تعتبر أنّ موعد الرحيل يقترب يوماً بعد يوم… فتقول: “لشو وجع القلب؟”.
تحسم أم زهير أنّ الحرب في لبنان واقعة لا محال، وعلى هذا المنوال تقوم بحزم أمتعتها في شنطة Handbag صغيرة في الصباح ثم تُفرغها كل يوم في آخر الليل.
تصدع رأسي حول ضرورة التموين، وشراء السكر والأرز والطحين، وملء أجرار الغاز خوفاً من “القَطعَة”، وتلح عليّ ألا أقصد شركة “موصللي” لأنها قريبة من السفارة الإيرانية. تقول لي: إذهب إلى الشركة المقابلة للبحر “ع الأوزاعي”.
تقول أيضاً: احرص يا أبا زهير على ملء خزان الوقود في سيارتك، “خليها ع الـFull”، فلربّما اضطررنا للذهاب بعيداً صوب جبيل أو طرابلس أو عكار (ترفض خيار البترون على الرغم من حبها الليموناضة وتقول: “عند باسيل ما بروح”).
“السيّد ماسك حالو”
بخلاف عادتها، تحرص أم زهير على انتقاء المصطلحات حينما تتطرق في حديثها إلى الحزب الذي عادت لتسميه “مقاومة” بعدما كان في نظرها لسنوات طويلة وحتى عملية “حماس” المباغتة في حزام غزة: “ميليشيا”.
تحسم أم زهير أنّ الحرب في لبنان واقعة لا محال، وعلى هذا المنوال تقوم بحزم أمتعتها في شنطة Handbag صغيرة في الصباح ثم تُفرغها كل يوم في آخر الليل
تقول إن الحزب هذه المرة لم يبادر إلى توريطنا بالحرب، “السيد ماسك حالو وصائم عن الكلام… بس يا ويلهم إذا نطق”.
استطاعت حركة “حماس” أن تصالح أم زهير وأترابها من بين أهل بيروت مع الحزب. ومن يدري؟ ربّما تصالحها أيضاً مع إيران إن طالت المعركة أكثر من ذلك وتكللت بنصر “حماس”. تعتبر أم زهير المسكينة أنّ الحزب ومن خلفه (إيران) يقفان إلى جانب الشعب الفلسطيني الأعزل، بينما ترى أنّ العرب عجزوا على الرغم من علاقاتهم القوية مع الغرب (وبعضهم مع إسرائيل) عن إدخال المساعدات الإنسانية “ولو بالمَونة” أو “بكسر العين”… ولولا المصلحة الأميركية وحرص ابن بيضون (تقصد الرئيس الأميركي جو بايدن) لما دخلت المساعدات يوم السبت.
تقول أيضاً إنّ “إسرائيل وقحة. تريد منا التطبيع ببلاش ولا تقدم أي شي في المقابل… حتى لو كان شاحنة مساعدات ممّا تيسّر من الحليب والمياه والأدوية”.
تبدو أم زهير محقّة حينما تثير هذه النقطة، التي أعجز عن مجادلتها بها حينما “تفتح باجوقها” ضدي من خلال هكذا سردية وهكذا منطق.
أقول لها: “يا أم زهير أنتِ مأخوذة بالعواطف الجياشة والسياسة مش هيك”.
تردّ: “أوقفوا العدوان على الغزة قبل الحديث في السياسة”… فأظن لبرهة أنّني الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أو رئيس الولايات المتحدة جو بايدن.
لا صوت يعلو…
أخبرها بأنّ لغة الحرب لن تفضي إلى حلّ وأن لا بد للبحث عن سبل أخرى أكثر سلمية والتمسّك بحل الدولتين، فتتّهمني بأنني “بوق أمبريالي متصهين”، أو بممارسة فعل الثرثرة العربية العاجزة… ثم تعود في ذاكرتها إلى “المظلومية” وكذلك إلى دور “تيار المستقبل” والشيخ سعد الحريري في تثبيت معادلة “الاعتدال” لدى الطائفة السنية لسنوات، وكذلك شعارات من صنف “لبنان أولاً” ومفاهيم العيش المشترك و”حب الحياة”… ثم تختم حديثها بتهمة: “إنتو وصلتونا لهون!”.
أسألها: “من نحن؟ ولماذا الحديث في جمع المذكر السالم طالما أننا بمفردنا في الغرفة؟”.
فتصمت، و”تتمتم” كلمات غير مفهومة تشبه طلاسم التنجيم المغربي، ثم تقول لي: “إيه روح عند شارل جبور والقوات تبعولك”.
إقرأ أيضاً: هل يتكرّر سيناريو الـ “1701” في غزّة؟
أصمت. أستغفر الله وأقرأ المعوّذتين، ثم أتضرع إلى الله طالباً من الباري ربّي بأن يُبعد كأس “الحرب الاهلية” التي تُخيّم فوق رؤوسنا اليوم، وأن تمرّ هذه المحنة على خير فتنتهي الحرب بأقلّ أضرار ممكنة، وتكون نيران الصواريخ الإسرائيلية الغاشمة برداً وسلاماً على أهل غزة.
إنه زمن الصمت وليس زمن الكلام. فالكلام اليوم “نافلة” ولا يستطيع أحد أن يقنع أحداً بأيّ رأي آخر… ألم يقُل حبيب الملايين جمال عبد الناصر ذات يوم: “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”؟
أم زهير وأترابها اليوم خلفاء عبد الناصر… أمّا غداً فالله أعلم!
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب
لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@