هي المرّة الثانية التي تتسبّب بها شركة “توترز” (Toters) المتخصّصة بخدمة الديليفري، بمشكلة تخضّ الرأي العامّ اللبناني وتحدث جلبة… فألله يستر من “التالتة”.
– في المرّة الأولى تسبّبت نكتة عن “توترز” بإدخال الـStand-up comedian نور حجّار إلى السجن، بعد “غمز ولمز” بأنّ أغلب العاملين في تلك الشركة باتوا من بين عناصر الجيش اللبناني، للإشارة بشكل ساخر (لكن هادف طبعاً) إلى عمق الأزمة التي تضرب لبنان وتصيب مؤسّساته بعدما اضطرّت موظّفي الدولة إلى القيام بأكثر من وظيفة من أجل الاستمرار… حتّى لو ديليفري للمنازل.
في حادثة نور حجّار، كانت “توترز” تتقمّص دور “الجيش” ضمن الثلاثية “الخشبية” (المعاكِس) الشهيرة: شعب وجيش ومقاومة.
– في المرّة الثانية، رفعت “توترز” سقف التحدّي عالياً جدّاً، فتقمّصت دور “المقاومة”. بل ذهبت بعيداً إلى حيث لم تجرؤ المقاومة نفسها، تلك المقاومة التي ما انفكّت تشبعنا “مهتّات” منذ سنوات برفع الأصابع، وبالحديث عن معادلات هندسية.
الحقيقة ستبقى مخفيّة، لكن نستطيع تأكيد واقعة، يصعب إنكارها أو تلافيها، تقول إنّ التخبّط “ضارب أطنابه”، إلى حدّ أنّنا ما عُدنا نعرف إن كانت المقاومة “ديليفري”، أو “الديليفري” مقاومة!
هزّت “توترز” جبروت “الشيطان الأكبر”، ولقّنت بلاد العمّ سام درساً في الديليفري وفنون توصيل الرسائل الأمنية بعد المأكولات والعصائر وعلب السجائر والبيبسي كولا، فأرسلت إلى “قلعة” الأميركيين وأكبر سفاراتهم في الشرق الأوسط، “ذئباً منفرداً”، “انغماسيّاً” متخصّصاً بديليفري سندويشات الشاورما، فأطلق نيرانه “رشقي وصليات” من سلاح حربيّ من صنف كلاشنيكوف، باتجاه بوابة السفارة من دون أيّ نيّة مبيّتة لديه لإصابة أحد (ماسك واجب حمّودي).
سيناريوهات “شاورما”
انقسم اللبنانيون إلى 3 فرق:
– سَخِرَ البعض من هذه “التخريجة”. فقالوا إنّه “فيلم محروق” أرادت الأجهزة الأمنيّة من خلاله الحفاظ على ما بقي من ماء وجهها (على الرغم من أنّها مقطوعة)، فوجّهت التُهمة لعامل الديليفري الذي استطاع أن يخترق بسلاحه الحربي حصناً من حصون الأميركيين، ثمّ اختار الزاوية المناسبة من أجل إصابة البوّابة من دون أن يُكشف أمره، ثمّ تقهقر من المكان على متن درّاجته النارية واضعاً سلاحه في شنطة الديليفري… ويا دار ما دخلك شرّ (مطلق).
– أمّا بعضهم الآخر فمال إلى تصديق السردية نفسها، التي قدّمتها السلطات اللبنانية، باعتبار أنّ “فرع المعلومات” مشهود له بحِرَفيّته ومهنيّته العالية وقدرته على كشف أكبر جريمة تقع في البلاد في غضون 48 ساعة…. وهذا ربّما ما حفّزهم على تصديقها باعتبار أنّ الفعل لو كان مدبّراً سياسياً لما تحرّك الفرع من أصله، وما كان اعتقل أحداً أو توصّل إلى أيّ شيء في تلك الحادثة.
– رأي ثالث فضّل نظريّة “الكوكتيل”. فخلط المعطيَين وخرج بنظرية ثالثة هجينة تجمع النظريّتين السابقتين، وتقول إنّ ما قام به “انغماسي الديليفري” كان مقصوداً ومفتعلاً ومُدبّراً، وإلقاء القبض عليه كان بدوره مُدبّراً أيضاً، باعتبار أنّ عملاً كهذا سيتسبّب حتماً بإحراج كبير للدولة اللبنانية وأجهزتها (على أساس صيتها “سكوتلاند يارد” وطلوع) أمام السلطات الأميركية التي تنفق على تلك الأجهزة أوراقاً خضراً (ورق عنب) وبدت مهتمّة جداً بمعرفة ملابسات ما حصل في ذاك اليوم المشؤوم، خصوصاً أنّ للأميركيين ذكريات أليمة مع حوادث تتعلّق ببعثاتهم الدبلوماسية في بيروت.
لكن بمعزل عن الصواب أو الخطأ، فإنّ كلّ نظرية من تلك النظريات الثلاث تحمل في طيّاتها أبعاداً كارثية قد يصعب هضمها، حتى مع Seven-up أو Maalox.
إن كان الاعتداء على السفارة الأميركية رسالة سياسية – أمنيّة تخصّ “التعنّت” الأميركي بملفّ الرئاسة ومطالب اللجنة الخماسية (كما قيل)، فإنّ الكارثة أن يتحوّل استحقاق دستوريّ لبنانيّ محض إلى لعبة من صنف توجيه الرسائل الأمنيّة عبر السفارات، ويشير الاعتداء بحدّ ذاته إلى حجم العجز الذي يغرق فيه “المُرسل”.
إقرأ أيضاً: من الأمن العامّ إلى السفارة الأميركيّة… هكذا “انتقم” “حمّودي” الغاضب!
أمّا إن كانت الحادثة عرضية بالفعل مثلما قالت الأجهزة الأمنيّة، فتلك مصيبة أعظم، بل طامة بكلّ ما للكلمة من معنى، تشي بحجم الدرَك الأمني والفوضى المستشرية ومدى ما وصلت إليه البلاد من فلتان وتسيّب يسمحان لعامل “دولوفوري” (أي كلام يعني) بأن يحمل سلاحه الحربي ويقطع به كيلومترات بدافع الثأر من رجل أمنٍ قال في وجهه ذات يوم من ذاك العام: “يلا من هان ولييه”… فيطلق النار على سفارة دولة أجنبية (يعني صار الصغير فينا بيقوّص على سفارة أميركا!).
لكن بالمحصّلة، وفي خلاصة كلّ ما حصل، فإنّ الحقيقة ستبقى مخفيّة، لكن نستطيع تأكيد واقعة، يصعب إنكارها أو تلافيها، تقول إنّ التخبّط “ضارب أطنابه”، إلى حدّ أنّنا ما عُدنا نعرف إن كانت المقاومة “ديليفري”، أو “الديليفري” مقاومة!
فهِمت أو ما فهِمت… مشكلتك!
لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@