لي صديق مولّع بالحزب الديموقراطي في بلاد “العم سام”، وينضوي تحت لوائه، يدعى حسن القطش. هو أميركي وليس ألمانياً، من أصول لبنانية، وعمره من عمر سيارة الـ”مارسيدس 200 – قطش” التي احتُكرت في عمل سيارات الأجرة إبان الحرب الأهلية اللبنانية، وبعدها بسنوات قليلة.
و”القطش” اسم حركي اختاره حسن لزوم التنكيت و”المراغة” و”الكماخة” على مواقع التواصل الاجتماعي. قبل الانتخابات الرئاسية الفائتة التي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كنت أتّكل على قرب القطش من الحدث (الحدث الأميركي وليس منطقة الحدث في ضاحية بيروت) واجتهاده في نبش الخفايا الأميركية، أستشرف منه آخر استطلاعات الرأي والتحليلات التي كانت تشير في مجملها إلى فوز كاسح سيسجّله “الحمار” الأزرق (هيلاري كلينتون) بحق “الفيل” الأحمر، أي الرئيس ترامب المقبل من عالم التجارة والأعمال والغارق بالفضائح الجنسية والعنصرية البيضاء.
أذكر قبل أربع سنوات كيف تابعت “اليوم الانتخابي الكبير” على شاشة التلفزة، وترقّبت هزيمة مفترضة لترامب أمام كلينتون، لكنّ ذلك لم يحصل. يوم الانتخابات كنت على تواصل تام مع صديقي القطش طوال الوقت، بواسطة تطبيق “شو في ما في” (واتساب) نتابع سوياً دقائق فرز الأصوات في الولايات كافة وحتى ساعات الصباح الأولى. يومها، ومع فرز آخر 5 ولايات، بدأ القطش ينقطع عن السمع لثوانٍ، ثم لدقائق قبل أن يغيب كلياً، وما عدت سمعت خبراً منه إلى حين تسلّم ترامب مقاليد الحكم بعد نحو شهرين، فيما أنا رحت أراقب كيف اللون الأحمر يزداد حُمرة على الخارطة الأميركية المعروضة على شاشة قناة CNN الأميركية، وسط ذهول ودهشة المعلّقين.
حماستي لفوز كلينتون في حينه، كانت نابعة من مواقفها المعلنة والمتّسمة بالحدّية تجاه إيران وميليشياتها في المنطقة، التي لم تبقِ “حجراً على حجر” لا في سوريا ولا في العراق ولا في اليمن ولا حتى في لبنان، والتي اجتاحت 4 عواصم عربية، وتباهت في ذلك بلسان قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي قضى في مطار واحدة منها قبل أشهر.
يوم الانتخابات كنت على تواصل تام مع صديقي القطش طوال الوقت، بواسطة تطبيق “شو في ما في” (واتساب) نتابع سوياً دقائق فرز الأصوات في الولايات كافة وحتى ساعات الصباح الأولى. يومها، ومع فرز آخر 5 ولايات، بدأ القطش ينقطع عن السمع لثوانٍ، ثم لدقائق قبل أن يغيب كلياً، وما عدت سمعت خبراً منه إلى حين تسلّم ترامب مقاليد الحكم بعد نحو شهرين
لم أكن معنياً بتطلّعات القطش والناخب الأميركي، ولا بحساباته الداخلية. لمَ أهتم لأمر الضرائب التي يدفعها صديقي ولا لبرنامج “أوباما كير” (هوو كير أصلاً؟) ولا لفرص العمل، أو قضية اللاجئين وحائط الفصل مع المهاجرين المكسيكيين، ولا لكره المسلمين…. فكلّ هذا لم يكن يعنيني. جلّ اهتماماتي أنني كنت أريد رئيساً أميركياً يقول: “لا” لإيران المتغطرسة في المنطقة… فجاء “أبو عمر ترامب” الذي أعاد المياه إلى مجاريها مع دول الخليج ومزّق الاتفاق النووي الذي أرساه أبو حسين أوباما المنفتح على إيران، وغاض الطرف عن ممارسات ميليشياتها من قتل وترهيب وتهريب… أكان أسلحة أو بضائع أو ممنوعات.
اليوم، وللأسباب نفسها ننتظر إعادة انتخاب من يقول “لأ”، ننتظر انتخاب “أبي عمر”، بوجه ابن بيضون (بايدن) الذي يبدو، في شكل ما، أقلّ حماسة لمواجهة إيران من الرئيس الحالي، وهو الأمر المعاكس الذي ما تراهن عليه طهران أيضاً.
إقرأ أيضاً: بسيطة يا أبو صالح!
أما صديقي “القطش”، فأعاد تحميل تطبيق “واتساب” مجدّداً تحضيراً لليوم الكبير، لكن هذه المرة بمزيد من الحساب للكلمات الموزونة والحذرة، خوفاً من جرصة أخرى جديدة.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب المجهول/المعلوم الزميل عماد الشدياق