يطلق الأميركيون اسم “الثلاثاء الكبير” على أحد أيّام الثلاثاء من شهرَي شباط وآذار في العام الذي يسبق الانتخابات الرئاسية. وهو يوم يشهد الانتخابات المفصلية داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري لاختيار مرشّح الحزب لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
في الاقتباس اللبناني للتجربة الأميركية اليومُ هو “الأربعاء الكبير” الذي سيحدّد مصير المرشّحَين من المحورَين وسيجيب على سؤال يبحث عن أجوبة: هل يستمرّ سليمان فرنجية وجهاد أزعور بالترشّح للمعركة الرئاسية أم يفتح هذا اليوم باب البحث عن خيار آخر؟
أخذ الاستحقاق الرئاسي شكل المواجهة الشيعية-المسيحية، فيما يعتزل الشتات السنّيّ النقاش والفعل، كما لو أنّه صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.
لا يتعلّق الأمر بالمجموعة الحليفة لـ”الممانعة”، فتلك قرارها لدى “الحزب”، وليس منتظراً منها التمايز حين يعلنها الحزب مواجهةً مفتوحة. بل السؤال عن موقف كتلة الاعتدال الوطني والمستقلّين والتغييريّين السُّنّة.
حتى الآن، يقتصر التأييد العلني لجهاد أزعور من السُّنّة على أربعة نواب (أشرف ريفي وفؤاد مخزومي وبلال الحشيمي ووضاح الصادق)، فيما يصطفّ مع سليمان فرنجية نواب الثنائي الشيعي وحلفاؤهم، ومعهم النائب كريم كبّارة. ويبقى في الوسط نواب “كتلة الاعتدال الوطني” وياسين ياسين وحليمة قعقور وإبراهيم منيمنة من كتلة التغييريين.
حساب الأرقام ليس الأهمّ، بل ما قيل من أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي تبلّغ من قدامى تيار المستقبل أنّهم ليسوا جزءاً من الاصطفافات، وهو ما يجعلهم أقرب إلى الورقة البيضاء، من دون استبعاد تهريب شيء من الأصوات لفرنجية، من باب القربى المناطقية.
حساب الأرقام ليس الأهمّ، بل ما قيل من أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي تبلّغ من قدامى تيار المستقبل أنّهم ليسوا جزءاً من الاصطفافات، وهو ما يجعلهم أقرب إلى الورقة البيضاء
غياب دار الفتوى
ثمّة دلالة أكبر لغياب دار الفتوى عن النقاش، وهو ما يعكس واقع الحيرة لدى الرأي العام السُّنّي. من جهة، يبدو أزعور الأقرب عاطفياً إلى الجمهور السنّي العريض، لسابقة كونه جزءاً لا يتجزّأ من فريق 14 آذار في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة 2005، وصموده معه في وجه الحصار المسلّح للسراي الحكومي، وصولاً إلى اجتياح بيروت في 7 أيار 2008.
لكن في الجهة الأخرى، ليس جمهور تيار المستقبل مرتاحاً لائتلاف القوّتين المسيحيّتين الرئيسيّتين، ولكلٍّ منهما حسابٌ مرّ مع الرئيس سعد الحريري.
ربّما لا يقتصر الأمر على الحريري، فالسُّنّة يشعرون أنّها معركة مسيحية لا تعنيهم، وربّما تجد قطاعات عريضة منهم أنّ نزع التوتّر مع الشيعة أراحهم في السنوات الماضية، ولا يجدون ما يشجّعهم على العودة إليه ما داموا سيحملون الوزر في حال الخسارة، ولن ينالهم شيء من المكاسب في حال الفوز. ففي الحالين لن يكون لهم وزن في السلطة وصنع القرار.
تُعزّز هذا الاتّجاهَ قناعةٌ بأنّ الائتلاف المسيحي في وجه الحزب ليس على قلبٍ واحد، بل إنّ العونيين تحديداً يستخدمونه مطيّة للعودة إلى حضن “الممانعة” بثمنٍ معتبرٍ يعيدهم إلى التحكّم بتشكيل الحكومات والتعيينات ومكاسب السلطة. وهم يجاهرون بأنّ هدفهم النهائي العودة إلى التفاهم مع الحزب ما إن يتخلّى عن ترشيح فرنجية. وإذّاك يمكن التساؤل عن جدوى الاصطفاف مع ميشال عون العائد من زيارة حميميّة لبشار الأسد.
لا يمكن للموقف السُّنّي أن يكون أكثر سلبية وبؤساً ممّا هو عليه اليوم. مفهومٌ أن يبقى الوئام السنّي- الشيعي مطلباً أساساً في كلّ حركة أو ديناميّة، لكن ليس مفهوماً أن يتخلّى السُّنّة عن مطلب بناء الدولة واستعادة الانتظام في اللعبة الديمقراطية.
إعدام الصوت الانتخابي
ما يجري على يد “الحزب” منذ انتهاء ولاية إميل لحّود الممدّدة عام 2007 حتى اليوم ليس إلّا إعداماً لقيمة الصوت الانتخابي، سواء داخل مجلس النواب أم على الصعيد الوطني العامّ.
أسقط الحزب إرادة الأكثرية النيابية بإغلاق مجلس النواب، وبمنع انتخاب رئيس بالأكثرية المطلقة، ثمّ ألغى نتائج الانتخابات النيابية بفرضه عُرف الثلث المعطّل في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية عام 2009، وما لبث أن أسقط الحكومة بالتحالف مع العونيين الذين يتبرّمون من نزعته السلطوية الآن. ثمّ فرض معادلة “ميشال عون أو الفراغ” بعد انتهاء ولاية ميشال سليمان.
في ظلّ حكم “الحزب” فقدَ الصوت معناه حتى تحوّلت جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلى مسرحيّات هزلية معروفة النتائج سلفاً، سواء انتهت بتطيير النصاب أو بانتخاب رئيس مفروض بعنوان التوافق، فتساوى في الهزل التصويت لميشال عون أو ميريام كلينك.
لنضع جانباً كلّ الملابسات الحاكمة لتشكيل الائتلاف المسيحي المتقاطع على التصويت لأزعور، ثمّة فرصة نادرة للوقوف في وجه تسلّط “الحزب” على العملية الانتخابية، واستعادة قيمة الصوت في الحياة السياسية.
إقرأ أيضاً: السُّنّة وانتخاب الرئيس: على الحياد.. أم على الهامش؟
للمرّة الأولى بعد “الطائف”، يعود اللبنانيون إلى عدّ النواب صوتاً صوتاً، ليس لأنّ هناك وهماً بأنّ بالإمكان أن يخسر “الحزب” بفارق الأصوات، بل لأنّ ثمّة فارقاً كبيراً بين أن يغطّي الحزب تسلّطه بتصويتٍ يلبّي الشكل الديمقراطي أو أن يُضطرّ إلى نسف التصويت. سيكون محرِجاً للحزب، مهما بلغت سطوته، أن يستخدم فائض قوّته وسلاحه لتعطيل انتخاب مرشّح يحظى بـ 65 صوتاً أو أكثر، وستصبح المعركة عندها بين الانتظام الديمقراطي وسطوة السلاح.
هذا هو المغزى من موقف وليد جنبلاط الرمزي بالتصويت لأزعور، مع أنّ الدروز ليسوا في موقع مختلف عن السُّنّة في إحراجات المواجهة وحساسيّاتها.
وفي حال كهذا لا يمكن للنواب السُّنّة أن يكونوا خارج الحساب.
لمتابعة الكاتب على تويتر: OAlladan@