.. لا أحد من الساسة في لبنان يتمنّى الابتعاد واعتزال السياسة بقدر وليد جنبلاط، كما لا أحد مثل وليد جنبلاط ملتزم بالسياسة وتعاطيها لدرجة الإدمان. هو التاريخ والجغرافيا والقلق على الجماعة ما يُبقي وليد جنبلاط في السياسة، فلا يبارحها ولا تبارحه.
.. في عام 2004 تمنّى وليد جنبلاط لو كان زبّالاً في نيويورك لا زعيماً سياسياً في لبنان، فإذا به في عام 2005 يصعد في ساحة الحرّية خطيباً بمليون لبناني، واصفاً بشار الأسد بما لم يصفه به أحد من قبله، مكرّساً زعامته لثورة الأرز ونبضها.
لا أحد من الساسة في لبنان يتمنّى الابتعاد واعتزال السياسة بقدر وليد جنبلاط، كما لا أحد مثل وليد جنبلاط ملتزم بالسياسة وتعاطيها لدرجة الإدمان
.. استقالة وليد جنبلاط من الحزب التقدّمي أمس ليست حدثاً منفصلاً عن كلّ الأحداث التي تجري من حولنا. كعادته يُطلق موقفاً صادماً يشبه حركة طبيب الأسنان على خدّ المريض قبل أن يغرز بفمه حقنة البنج.
تتزامن هذه الاستقالة مع ثلاث وقائع:
1- عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجامعة العربية والحديث المفتعل عن عودة السين سين
2- استحقاق رئاسة الجمهورية.
3- استكمال توريث نجله تيمور الزعامة الجنبلاطية بكلّ مؤسّساتها نيابياً، حزبياً، ومذهبياً.
إنّه التغيير
يدرك وليد جنبلاط أكثر من غيره أنّ لبنان كما العالم مقبل على تحوّلات كبرى، وقد تكون ثورة 17 تشرين لم تحقّق أهدافها المعلنة، لكنّ جدار المنظومة السياسية ببعده الشامل لا الضيّق، كما يصفه الكثيرون، تعرّض للاهتزاز بشدّة. لم يقع، وهذا ما أثبتته على الأقلّ الانتخابات النيابية الأخيرة، لكنّه تصدّع وبات آيلاً للسقوط في أيّة لحظة.
استقالة وليد جنبلاط من الحزب التقدّمي أمس ليست حدثاً منفصلاً عن كلّ الأحداث التي تجري من حولنا. كعادته يُطلق موقفاً صادماً يشبه حركة طبيب الأسنان على خدّ المريض قبل أن يغرز بفمه حقنة البنج
يسعى وليد جنبلاط إلى إنجاز عملية نقل الملكية الزعاماتية بعدما أنهى في الأشهر السابقة نقل الملكية العقارية إلى نجله تيمور، واليوم جاء دور الحزب بعدما سبق له أن هيّأ الأرضيّة عبر تسليم الشباب في الحزب مراكز القرار والقيادة من أمانة السر إلى أمانة الإعلام، وانتهاءً بالمراكز الحزبية في كلّ البلدات الشوفيّة. قدّم أبو تيمور جيل تيمور تمهيداً لزعامة تيمور.
هل يعتزل؟
بالعودة إلى السؤال المفتاح: هل يعتزل وليد جنبلاط؟
في عام 2015 قال: “كان لديّ مشروع للتقاعد ما زبط معي. كنت أريد الذهاب لمهمّتي التي صرّحت عنها، وهي أن أكون زبّالاً في نيويورك، لكنّني أصبحت الزبّال الأوّل في لبنان”.
زبالة لبنان لم يتمّ رفعها حتى الآن، فكيف يعتزل الزبّال الأوّل؟!
هو وليد جنبلاط الذي لا يشبهه أحد غير وليد جنبلاط. أحد مشايخ طائفة الموحّدين الدروز في جلسة ببلدة “شانيه” إحدى قرى الجرد الجميل، قال: “قدر آل جنبلاط دائماً هو الاغتيال، ولا يمكن إسقاطهم إلا بالاغتيال”.
إقرأ أيضاً: عن طبخة “المقلوبة”.. كفى الله المؤمنين القتال
فهل يريد وليد جنبلاط تغيير هذا القدر عبر الاعتزال؟!
قبل عام من اليوم في مرج السمقانية المطلّة على المختارة وقف وليد جنبلاط بناسه وأهله خطيباً: “إذا كان العمر قد شارف على شتائِه، إلا أنّ المسيرةَ مستمرّة، مسيرةَ الأجداد، مسيرةَ كبيرنا كمال جنبلاط، فسِرْ يا تيمور، ومن حولِك أهلُ العرفان، والحزب، والوطنيون والعرب في الداخلِ والخارج، سرْ في عمليّةِ التحدّي في إعلاءِ شأنِ المختارة، وتراثِها العربي والفلسطيني، وسرْ في عمليّة حماية مصالحةِ الجبل، سرْ ونحنُ معك وداليا وأصلان، ولا خوفَ على المستقبلِ، فالرجالُ رجال، والمبادئُ مبادئ”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@