استبشرت قوى الممانعة وبدّدت القليل من خوفها وارتعاشها مع عودة التواصل بين المملكة العربية السعودية وسوريا في 12 نيسان الجاري، بعد عقد من الهجران نتيجة المذبحة السورية.
يعادل توجّس “الممانعة” ارتياحها جرّاء التقارب السعودي – الإيراني في نهاية 7 سنوات من صراع محتدم، تخلّله انقطاع التواصل بسبب عدوانية سلوك إيران السياسي وتقويضه سيادة الدول.
خافت “الممانعة” على نفسها ورأسها وأذرعها من اتفاق بكين، الذي لم يعلم به حزب الله ولا رغب بسماع أخباره التي تحدّثت مباشرة عن نشاط إيران خارج حدودها، وعن أذرعها العربية، وفي طليعتها حزب الله المسؤول الأوّل عن الانتفاخ الثوري الإيراني، ومدرّب الحركات الإيرانية العبثية في المنطقة العربية.
استبشرت قوى الممانعة وبدّدت القليل من خوفها وارتعاشها مع عودة التواصل بين المملكة العربية السعودية وسوريا في 12 نيسان الجاري، بعد عقد من الهجران نتيجة المذبحة السورية
تخاف الأذرع من تحوُّلها قرابين مقابل سعي إيران إلى اكتساب شرعية رسمية ومؤسّساتية مع العالم العربي، تليها شراكات وإعفاؤها من العقوبات، بعد تهذيبها وتخلّيها عن عبور حدودها. وأبرز دليل على ذلك الخوف والامتعاض ما حصل في جنوب لبنان أخيراً: إطلاق مفرقعات الكاتيوشا في اتجاه فلسطين المحتلّة ابتهاجاً وحماسةً بإسماعيل هنيّة.
سقوط السين – سين
اعتبر المحور المقاوم إعادة الوصال مع سوريا انتصاراً له ولنظام الأسد، مراهناً على عودة معادلة “سين – سين” التي كانت ركيزتها:
– حضور أميركي قويّ.
– وجود فرنسيّ فاعل أكثر.
– شراهة إيرانية للسيطرة متنامية.
– وجود روسي تاريخي في سوريا.
– توافق عربي على هذا الستاتيكو.
أمّا اليوم فلا شيء سوى:
– انحسار أميركي مقصود.
– جموح فرنسي تجاري عبثيّ وغير مبارك.
– انشغال روسي بالحرب في أوكرانيا.
– إيران محاصرة دولياً، وأنهكتها العقوبات وفجعها النووي إلى حدّ نزفها داخلياً وسط نقمة مجتمعية وثورة داخليّتين على نظامها.
– سوريا انقلبت أحوالها، وأمسى قرارها خارج قبضة نظامها، وفي يد أصحاب النفوذ الواقعي المنقسم بين طهران وواشنطن، مروراً بأنقرة وموسكو وباريس.
سين سعوديّة واحدة
انتهت الـ”سين – سين” في لبنان. سقط جوهرها المؤسّس بانقلاب إيراني بين عامَي 2005 و2012. لن تعود مجدّداً. السين السعودية الأولى تغيّرت وتفوّقت، فباتت دولة كبرى ومقرّرة، وفقدت السين السورية الثانية مقوّماتها كلّها، فلم يعد نظامها محوريّاً. يقود هذا إلى معادلة جديدة لم يعد فيها لنظام دمشق وصاية على القرار اللبناني ولا مقدرة على دوزنة أزمته.
تتبع المملكة العربية السعودية سياسة واقعية. تعتمد على الطاقات وتستثمر في جميع الفرص للوصول إلى الحلّ العادل والسلمي، باحترام كبير للقوانين والمواثيق والقرارات الدولية والدساتير الوطنية
برهنت المملكة العربية السعودية أنّها الثابتة بخطواتها والمتقدّمة بخططها. إنّها الساعية الأولى إلى إنجاز الاتّفاقات والتسويات الاستراتيجية وتصفير المشكلات. وهي المحفّزة على سلوك نهج مختلف في تنظيم الحياة السياسية العربية بناء على معادلات الأمن واحترام السيادة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية.
تبدّل العالم وتغيّرت الدول العربية. أضحت للمنطقة العربية، بوجود المملكة العربية السعودية، أفضلية وأحقّية في الجلوس إلى طاولة المفاوضات الدولية كشريك أساسي بندّيّة سياسية وبلا تبعية.
تعمل المملكة العربية السعودية على خلق نموذج عملي ونوعيّ لقواعد انتظام سياسي جديد. يشير هذا إلى جوّ من الحلحلة الاستثنائية يطال معظم ملفّات المنطقة العربية، بدءاً بالخليج واليمن والعراق وسوريا، وما بينهما لبنان بملفّه الشائك واستحقاقاته الدستورية الملحّة، وأهمّها انتخاب رئيس الجمهورية.
تتبع المملكة العربية السعودية سياسة واقعية. تعتمد على الطاقات وتستثمر في جميع الفرص للوصول إلى الحلّ العادل والسلمي، باحترام كبير للقوانين والمواثيق والقرارات الدولية والدساتير الوطنية. تطبّق قيادتها الحالية مبدأ الانفتاح والتقارب والتفاهم الدبلوماسي المنتج والشجاع، لمصلحتها أوّلاً ومصلحة الدول العربية والمنطقة ثانياً.
سوريا.. أيّ سوريا؟
تضع نصب عينيها مخطّط 2030. يُعتبر هذا المشروع الهويّة والمصير، والمدماك المؤسّس لانطلاقة معاصرة نحو المستقبل الواعد، استناداً إلى تاريخها الأصيل. ويحتاج هذا المشروع إلى توليفة ضخمة من المكوّنات والموارد، وتعمل المملكة على تأمينها، وأهمّها:
– الاستقرار السياسي والأمنيّ والعسكري الإقليمي والعربي مع دول الجوار.
– التشبيك العالمي الناجح على مستوى علاقات المملكة الدولية.
– تصفير المشاكل السياسية.
تحتاج المملكة العربية السعودية في رؤيتها هذه إلى عموم الفضاءات العالمية والدولية، وإلى جغرافية المنطقة العربية، ومن ضمنها سوريا.
لكن عن أيّ سوريا نتحدّث؟ طبعاً سوريا الجديدة المفيدة للمنطقة العربية بالشروط والرؤية السعودية والسين السعودية فقط. فما هي هذه السين الجديدة؟
تواصلت المملكة العربية السعودية مع سوريا بشجاعة منطلقة من قواعد سياسية واقعية تعتبر النظام السوري كغيره من القوى والجماعات، وباعتباره جزءاً من الحلّ الواقعي السلمي والسليم
أتت السعودية إلى سوريا بحرص شديد وإحساس عالٍ بالمسؤولية، لأنّها مرجعية أساسية عربية وإقليمية، ولأنّ لديها فكراً ريادياً تكتيكياً ضامناً للمنطقة ذا دوافع محدّدة، فارضة شروطها في إمكانية الحلّ والمساعدة، وأهمّها:
– تجفيف المشاكل وتخفيف حدّة التوتّرات في المنطقة العربية.
– إضعاف الدور الإيراني وحصره بالعلاقات الطبيعية غير الضارّة للدول.
– التفاعل الصحّي مع المتغيّرات الدولية والإقليمية والعربية.
– إعادة تحصين وترتيب البيت العربي.
– التوصّل إلى اتفاق سياسي في سوريا تحت مظلّة القرار الدولي 2254.
– إجراء تعديل دستوري واسع في سوريا.
– مفاوضات حقيقية مع المعارضة وإشراكها بالحكم.
– تشكيل هيئة انتقالية وإجراء انتخابات.
– إطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين.
– إعادة اللاجئين والنازحين.
– مكافحة صناعة الكبتاغون، ومنع تهريبه إلى الدول العربية.
– ضبط الحدود السورية – الأردنية، وانسحاب القوات الإيرانية من سوريا.
– التوقّف عن توقيع الاتفاقيات الاستراتيجية (العقارية والاقتصادية) مع إيران.
إقرأ أيضاً: إسرائيل تُحاصر إيران بحدود 1800 كلم
لا تُعتبر عودة السعودية إلى سوريا سهلة. هناك امتحان صعب لنظامها، وحرص شديد على عروبة سوريا وأهميّة شعبها.
لا تطلب السعودية سوى الالتزام وتطبيق القرارات الدولية، والالتزام بالمعايير المسؤولة الضرورية للمرحلة الانتقالية. تواصلت المملكة العربية السعودية مع سوريا بشجاعة منطلقة من قواعد سياسية واقعية تعتبر النظام السوري كغيره من القوى والجماعات، وباعتباره جزءاً من الحلّ الواقعي السلمي والسليم.