تُحاصِرُ إيران إسرائيل عبر حدود لبنان وسوريا وقطاع غزّة، فتردّ تل أبيب بحصارها انطلاقاً من جارتها أذربيجان وأخيراً تركمانستان. تتحرّك طهران بحرّيّة عبر حدود يبلغ طولها 190 كلم، فتردّ تل أبيب بالحركة قربَ حدودها على امتداد 1,800 كلم.
هي معركة الحصار المُتبادَل والتسابق على تخطّي “العتبات”. إذ صارَت إسرائيل عندَ عتبة الدّاخل الإيرانيّ من جهتيْن: تركمانستان وأذربيجان. أمّا إيران فهي عندَ عتبة القنبلة النّوويّة، كما تتّهمها تل أبيب.
وصلَت إسرائيل إلى تركمانستان، تلكَ البلاد المُنغلقة على نفسها منذ انهيار الاتحاد السّوفيتيّ السّابق. حطّ وزير الخارجيّة الإسرائيليّ إيلي كوهين قبل أيّامٍ رحاله في العاصمة التركمانيّة عشق آباد، التي تبعد أقلّ من 20 كلم فقط عن الحدود مع إيران.
لم ترد إسرائيل تعزيز علاقاتها الدّبلوماسيّة مع تركمانستان، فسجلُّ البلاد حافلٌ بانتهاكات حقوق الإنسان، وتشبه حالها إلى حدٍّ كبيرٍ حالة الانغلاق التّامّ الذي تعيشه كوريا الشّماليّة
افتتح كوهين سفارةً دائمة لبلادهِ في عشق آباد، يوم الأربعاء الماضي، بعدما كانَ السّفير الإسرائيليّ يقيمُ في فندقٍ منذ بدء العلاقات بين البلديْن مطلع تسعينيّات القرن الماضي عقبَ اعتراف تل أبيب باستقلال تركمانستان عن الاتحاد السّوفيتيّ.
رفضٌ ثمّ قبول
منذ 1991 لم تكُن تركمانستان تُوافق على افتتاح سفارةٍ إسرائيليّة دائمة على أراضيها. في 2013، أبلغَ وزير الخارجيّة رشيد ميريدوف رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتانياهو أثناء لقائهما على هامش الجمعيّة العامّة للأمم المُتحدة في مدينة نيويورك الأميركيّة رفضَ بلاده العلاقات الدبلوماسيّة وعلّقَ قائلاً: “الإسرائيليّون لا يهتمّون بتعزيز العلاقات، بل يريدون نقلَ جواسيس لمراقبة طهران”.
تبدّل الموقف في عشق آباد، وباتت بلاد فارس على “مرمى حجرٍ” من إسرائيل وعيونها. لا يُبالغ المرء إذا قال إنّه من فندقٍ من عشق آباد يستطيع أن يرى ماذا في داخل إيران.
من قلبِ العاصمة التُركمانيّة، كانَ وزير الخارجيّة الإسرائيليّ يُغرّد عبر تويتر قائلاً: “أتيت لأفتتح سفارة إسرائيلية على بُعد 17 كيلومتراً من الحدود مع إيران، ولعقد سلسلة من الاجتماعات مع الرئيس ومسؤولين آخرين”.
أمّا نظيره التركمانيّ، الذي كانَ مُعارضاً للخطوة في 2013، فكان يقول للصحافيين إنّ “افتتاح السفارة مثال ساطع جدّاً على صداقتنا”.
نقطة انطلاق لضرب إيران؟
لم ترد إسرائيل تعزيز علاقاتها الدّبلوماسيّة مع تركمانستان، فسجلُّ البلاد حافلٌ بانتهاكات حقوق الإنسان، وتشبه حالها إلى حدٍّ كبيرٍ حالة الانغلاق التّامّ الذي تعيشه كوريا الشّماليّة.
تتوجّسُ إيران من الحركة الإسرائيليّة في آسيا الوسطى وبحر قزوين. ربّما كان الهجوم الذي استهدَف سفارة أذربيجان في طهران، في كانون الثّاني الماضي، إحدى الرّسائل الإيرانيّة إلى باكو
لكنّ الحكومة الإسرائيليّة بقيادة بنيامين نتانياهو وجَدَت في الإصرار على افتتاح سفارتها هُناك صيداً ثميناً لا يُمكن لها أن تتركه يفلت من يدها لعدّة أسباب:
– الأوّل: تشتركُ تُركمانستان مع جارتها إيران بحدود طويلة تمتدّ على أكثر من 1,100 كلم. تجدُ تل أبيب في هذه الحدود الواسعة وسيلةً مُغريةً لتعزيز نشاطها الأمنيّ داخل إيران، واستهداف برنامجها النوويّ.
– الثّاني: تسعى تل أبيب إلى تعزيز وجودها في منطقة “بحر قزوين”. كانت إيران اتّهمَت إسرائيل في أوقاتٍ سابقةٍ بشنّ عمليّات أمنيّة ضدّ منشآت نوويّة وعسكريّة في الدّاخل الإيرانيّ انطلاقاً من “بحر قزوين”، الذي توجد فيه أعين إسرائيل وأيديها عبر علاقاتها مع أذربيجان.
– الثّالث: يُشكّل وجود إسرائيل في تركمانستان وأذربيجان المُجاورتَيْن لإيران حلّاً استراتيجيّاً لمُعضلة الوصول إلى داخل إيران، خصوصاً أنّ المجال الجوّيّ العسكريّ في الشّرق الأوسط من الأردن إلى السّعوديّة أو عبر العراق مُقفلٌ أمام تل أبيب، وزادَ ذلك عقِبَ توقيع الاتفاق بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران برعاية الصّين قبل أسابيع، وتحسّن العلاقات الإيرانيّة – الإماراتيّة.
– الرّابع: استغلّت تل أبيب الخلافات بين طهران وعشق آباد على الموارد الطّبيعيّة في بحر قزوين. وتشير الحركة الإسرائيليّة الأخيرة المتمثّلة في افتتاح سفارةٍ في تركمانستان إلى أنّ تل أبيب تسعى إلى إنشاء تحالفٍ في منطقة آسيا الوسطى لمُحاصرة طهران في مجالها الحيويّ.
في السّابق توتّرت علاقات طهران وعشق آباد بسبب وقف صادرات الغاز من تركمانستان، فلجأت الحكومة الإيرانية إلى التحكيم الدولي.
أشارتَ زيارة وزير الخارجيّة الإسرائيليّ إيلي كوهين للعاصمة الأذربيجانيّة باكو قبل يومٍ من افتتاح السّفارة في تركمانستان إلى هذه النيّة. هُناك كانَ كوهين يلتقي رئيس البِلاد إلهام حيدر عليّيف ليُهنّئه بافتتاح أوّل سفارةٍ إسرائيليّة في دولةٍ ذات أغلبيّة شيعيّة تركمانية.
– الخامس: يسعى نتانياهو عبر افتتاح سفارتيْن في بلديْن إسلاميَّيْن، تركمانستان وأذربيجان، إلى تعويض فشله حتّى السّاعة في تطبيع العلاقات مع السّعوديّة التي تتمسّك بشروطها المُنبثقة من روحيّة المُبادرة العربيّة للسّلام التي صدَرت من القمّة العربيّة في بيروت سنة 2002.
إقرأ أيضاً: نتانياهو.. يحلم بالسعوديّة!!
تتوجّسُ إيران من الحركة الإسرائيليّة في آسيا الوسطى وبحر قزوين. ربّما كان الهجوم الذي استهدَف سفارة أذربيجان في طهران، في كانون الثّاني الماضي، إحدى الرّسائل الإيرانيّة إلى باكو.
لكنّ وصول إسرائيل إلى تركمانستان يضيف 1,100 كلم إلى حدود إيران مع أذربيجان التي تبلغ 765 كلم. هذا يعني أنّه صارَ أمام تل أبيب وأجهزتها العسكريّة أو الأمنيّة أكثر من 1,800 كلم لتخترقَ الدّاخل الإيرانيّ.
يشير هذا الواقع إلى أنّ الوضع في مياه بحر قزوين لم يعد كما كان في السّابق. وباتت إسرائيل عندَ عتبة طهران التي باتت هي أيضاً عندَ عتبة القنبلة النّوويّة… فمن يقتحم العتبة أوّلاً؟
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@