يُعدّ إطلاق حركة حماس عشرات الصواريخ من جنوب لبنان، بضوء أخضر من طهران، تزامناً مع صواريخ من غزّة ومن حدود الجولان في سوريا، تحوّلاً استراتيجياً قد يؤسّس لقواعد اشتباك جديدة. خصوصاً مع الردّ الهزيل من حكومة بنيامين نتانياهو الذي وصفه وزير الجيش السابق أفيغدور ليبرمان لـ”النكتة” حين علّق قائلاً: “العنوان كان على الحائط”. واعتبر أنّ بنيامين نتانياهو جرّ “إسرائيل”، خلال ثلاثة أشهر، إلى وضع مستحيل، قائلاً إنّ “إسرائيل لم تشهد مثل هذا الانهيار من الداخل، والعزلة من الخارج، على الإطلاق”.
هكذا نسفت الأحداث الأخيرة التبجّح الإسرائيلي بأنّ في استطاعة تل أبيب فتح معركة مع عدّة جبهات في آن واحد، بعد مناورات عديدة تحاكي “حرباً على عدّة جبهات” خلال الأعوام الناضية.
في النتيجة لم يعد بإمكان إسرائيل تحديد قواعد الاشتباك في الساحتين الشمالية والجنوبية، في مقابل حرص إيراني على “ترابط الساحات” وتوحيدها.
تتّجه كلّ العيون نحو المسجد الأقصى، الذي صبّت الاعتداءات الأخيرة عليه الزيت على النار. وحذّر المستوى الأمني في إسرائيل من أنّ الأوضاع في المنطقة ما زالت قابلة للانفجار، خاصة مع حلول العشر الأواخر من شهر رمضان
الرأي العام الإسرائيلي بدأ يميل إلى أنّ “الضعف الداخلي” هو ما شجّع إيران على الهجوم من 3 جبهات على إسرائيل. لهذا السبب لم يردع التصعيد الأمني الخطير خروج مئات الآلاف في شوارع تل أبيب، للأسبوع الـ14 على التوالي، للتظاهر ضدّ حكومة نتانياهو ومحاولة “الانقلاب القضائي”.
“الانقلاب القضائي” هو المتّهم إسرائيلياً بأنّه السبب الرئيسي وراء رشقة الصواريخ المقبلة من لبنان، وقبلها عملية مجدو. فقد أشار المحلّل العسكري يوسي يهوشواع إلى أنّ “التصعيد الحالي تمّ توقّعه مسبقاً بدقّة بالغة، وإبلاغ القيادة السياسية به، وخلاصته أنّ إيران والحزب وحركة حماس رصدوا الضعف والهشاشة الإسرائيليَّين في أعقاب الأزمة الداخلية التي تعصف بإسرائيل”.
ولفتت صحيفة “معاريف” إلى أنّ جميع المعطيات التي يتشكّل منها التوتّر الأمني الأخير وُضعت على طاولة نتانياهو، ومثّلت إنذاراً استراتيجياً بلوره وزير الأمن يوآف غالانت بدعم من أجهزة الاستخبارات بعد التفجير في مجدو.
الربط بين ما يجري في المسجد الأقصى من اقتحامات المستوطنين بحجّة ذبح القرابين في عيد الفصح اليهودي، وضرب المصلّين والمعتكفين في المسجد الأقصى، وبين القصف من لبنان وغزّة وسوريا، هو ما تريده حركة حماس والحزب وإيران، في إطار ما أصبح يتردّد أخيراً من كلام عن “استراتيجية وحدة الساحات”. وقد نجحوا في إحراج تل أبيب والإمساك بها وهي في حالة ضعف وإرباك.
“اغتيال صيد ثمين”
إسرائيل فقدت قوّة الردع وسط صراعاتها الداخلية، وباتت بحاجة إلى تشديد ضرباتها اتجاه أعدائها تجنّباً لاهتزاز صورتها القويّة.
بحسب الخبير بالشأن الإسرائيلي، أكرم عطا الله: “عاشت إسرائيل على قوّة الردع وليس على الحروب فقط، ولن تسمح بأن تفقدها لأنّ ذلك يعني إعطاء الدوافع لأعدائها وتزايد احتمالات تعرُّضها لعمليات دائمة، وهو ما لم تكن تسمح به على الرغم من الأزمة الداخلية، وهذا إجماع يتجاوز كلّ الخلافات والتصدّعات الحاصلة حتى لو وصل الأمر إلى حرب إقليمية”.
على ما يبدو، تخطّط تل أبيب لتنفيذ “اغتيال لصيد ثمين”، في إطار سعيها إلى إعادة الردع المتآكل. فقد أعلن وزير الزراعة الإسرائيليّ، آفي ديتختر، وهو الذي شغل منصب رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، أنّ قائد حركة حماس في غزّة يحيى السنوار هو أحد أهداف التصفية التي قد تقوم إسرائيل بتنفيذها.
بالإضافة إلى السنوار، فقد طرح المستوى الأمني في إسرائيل اسماً ثانياً في قائمة الاغتيالات، وهو صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس، الذي تتّهمه إسرائيل بالتخطيط لعدّة عملياتٍ أوجعت إسرائيل، وبُمواصلة عمله المُكثّف لإحكام سيطرة “حماس” على الضفّة الغربيّة. وبتقدير تل أبيب، يُقيم العاروري علاقاتٍ وطيدةٍ مع الحزب، ويعمل على خطّ تركيا-لبنان.
لم يعد بإمكان إسرائيل تحديد قواعد الاشتباك في الساحتين الشمالية والجنوبية، في مقابل حرص إيراني على “ترابط الساحات” وتوحيدها
تعقيباً على ذلك، قال أحد جنرالات جيش الاحتلال للتلفزيون العبريّ إنّ العاروري اجتاز جميع الخطوط الحمر، وإنّه يتحتَّم على الحكومة الإسرائيليّة العودة إلى الاغتيالات المُمركزة، لأنّ العاروري، بحسب كلامه، يُشكِّل تهديداً استراتيجياً خطيراً يجِب إرساله إلى السماء، أيْ قتله، على حدّ وصفه.
الخوف الإسرائيلي من الحرب
من جهتها، نبّهت القناة العبرية الرسمية إلى أنّ خشية إسرائيل من ردّة فعل الحزب على أيّ هجوم واسع داخل لبنان في أعقاب إطلاق الصواريخ، سيشجّع حركة حماس في لبنان على استخدام “قدراتها العسكرية” مجدّداً في استهداف العمق الإسرائيلي في المستقبل.
ونقل موقع “أكسيوس” الأميركي أنّ وزراء حكومة نتانياهو لدى مناقشتهم سبل الردّ على رشقة الصواريخ التي أُطلقت من لبنان، خلصوا إلى أنّ إسرائيل “لا مصلحة لها بالانجرار لصراع إقليمي”. ونقل الموقع عن مسؤولَين بوزارة الجيش قولهما إنّ “إسرائيل ركّزت ضرباتها في قطاع غزة ولبنان على أهداف لحركة حماس في محاولة لتجنّب صراع أوسع مع الحزب”.
واعتبر الخبير العسكري، العميد دانييل هجري، أنّ العمليات وإن كانت متعدّدة الجبهات، إلا أنّها “أحادية التنظيم”، في إشارة إلى الحزب من دون أن يسمّيه.
إقرأ أيضاً: الصراع على القدس بين التحرير والتهويد
في هذا الوقت تتّجه كلّ العيون نحو المسجد الأقصى، الذي صبّت الاعتداءات الأخيرة عليه الزيت على النار. وحذّر المستوى الأمني في إسرائيل من أنّ الأوضاع في المنطقة ما زالت قابلة للانفجار، خاصة مع حلول العشر الأواخر من شهر رمضان.
وقد أوصت الشرطة الإسرائيلية بعدم دخول المستوطنين المسجد الأقصى، وعدم السماح لليهود بالصعود إلى جبل الهيكل خلال العشر الأواخر من رمضان، التي تتزامن مع اليوم السادس من عيد “الفصح اليهودي”. وتأتي هذه التوصية خلافاً لموقف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي يعارض “إغلاق الحرم القدسي في وجه اليهود”، قائلاً إنّ “الإغلاق سيهدّد مصلّي حائط المبكى (ساحة البراق) في اليوم السابع من عيد الفصح، وسيكون استسلاماً للإرهاب”.