عام 2005 صدّق العراقيون أنّ الانتخابات ستنقذهم من كابوس الاحتلال. فاتهم أنّ انتخابات تُجرى في ظلّ الاحتلال هي انتخابات غير شرعية. ذهب الاحتلال بجيوشه عام 2011، غير أنّ الصيغة ظلّت كما هي. الأحزاب التي وهبها المحتلّ السلطة تفوز بالانتخابات لأنّه ليس هناك مَن ينافسها. فهي التي تملك المال والسلطة والسلاح. في حين تمّت إعادة تأهيل الطوائف والعشائر بحيث لم يعد هناك إطار وطني يمكن العودة إليه مرجعية لحوار، أو لم يعد ضرورياً. بل صار المنتصرون بقوّة الغزو الأميركي على ثقة بأنّ وجودهم في السلطة لن يزول، وأنّهم سيحكمون العراق إلى ما لا نهاية بالوسيلة الديمقراطية التي اخترعها الأميركيون من أجلهم، أي الانتخابات.
استبداد ديمقراطيّ
منذ 2005 حتى الآن لم يتغيّر شيء. الوجوه نفسها. نوري المالكي، هادي العامري، عمّار الحكيم، مقتدى الصدر وهوامشهم من السُّنّة والأكراد. لعبة صارت مملّة بقدر ما هي مقيتة.
فهل قُدّر للعراق الديمقراطي أن يكون مجالاً لسلطة استبدادية جديدة؟
لا بدّ أن يكون هناك تفكير جمعيّ لدى المجتمع العراقي الذي يراقب مجلس النواب وهو يصوّت على قانون انتخابات يعود بالعراق إلى عام 2005. ذلك يؤكّد أنّ الأحزاب انتصرت على الشعب يوم قرّر مقتدى الصدر الانسحاب من مجلس النواب وبيع أصوات الشعب بطريقة مبتذلة.
منذ 2005 حتى الآن لم يتغيّر شيء. الوجوه نفسها. نوري المالكي، هادي العامري، عمّار الحكيم، مقتدى الصدر وهوامشهم من السُّنّة والأكراد. لعبة صارت مملّة بقدر ما هي مقيتة
عام 2021 توهّم العراقيون أنّهم أنجزوا شيئاً ما على طريق وحدة إرادتهم الوطنية. لقد هزموا من طريق الانتخابات الأحزاب الشيعية الموالية لإيران التي احتكرت السلطة عبر السنوات الماضية وكان فسادها عنواناً لعراقها الجديد الذي انحطّت فيه القيم والمبادئ الوطنية وصار البعض ينافس البعض الآخر في إعلان ولائه للوليّ الفقيه. كاد ذلك الوهم أن يكون حقيقة حين تحوّل أتباع إيران إلى أقليّة في مجلس النواب لولا أنّ مقتدى الصدر قرّر أن يجهض إرادة الشعب ويخلص إلى ولائه المذهبي الضيّق خاضعاً لِما يُرضي إيران ويحافظ على مصالحها في دولة ستكون سيادتها بعيدة المنال.
إجهاض الحلم الشعبيّ
ما أنجزته انتفاضة 2019 حين تمّ تغيير قانون الانتخابات من نتائج صادمة، محاها مقتدى الصدر من غير أن يُلزم نفسه بتقديم أسباب مقنعة للشعب الذي سيبقى حائراً وهو يجترّ ذكريات هزيمته غير المبرَّرة. ومن أجل أن لا يتكرّر ما حدث عام 2021، فقد قرّرت الأحزاب المهيمنة على السلطة أن تعيد العمل بقانون الانتخابات القديم، وهو ما نجحت في القيام به من خلال مجلس النواب الذي بات ملعباً للممارسات الطائفية المكشوفة.
وهكذا عاد كلّ شيء إلى مكانه الذي صمّمه الأميركيون من أجل ديمقراطية عراقية خاصة تتيح لأتباع إيران الحكم إلى ما لا نهاية. وهو ما أقرّ به أخيراً زلماي خليل زاده، الذي كان مشرفاً على أعمال المعارضة العراقية قبل الغزو. لقد اعترف زاده أنّ إيران فرضت على الولايات المتحدة وجهة نظرها المتعلّقة بمَن يقود السلطة في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين. يومها قرّرت إيران أن تحرم عراقيّي الداخل من المساهمة في الحكم الذي سيكون حكراً على أتباعها ومَن يلتفّ حولهم. ذلك ما وافقت عليه الولايات المتحدة من أجل أن لا تخسر إيران حليفتها في الحرب. وكان واضحاً أنّ الولايات المتحدة قد فتحت الحدود العراقية أمام الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني لتكمل اتفاقها مع الجانب الإيراني.
بانسحاب الصدر وأتباعه من مجلس النواب وتسليمه إلى أتباع إيران، عاد العراق محميّة إيرانية
اليأس من التغيير
هكذا يعود العراقيون إلى الوراء عشرين سنة. لم يمرّ الزمن، وكلّ ما مرّوا به من كوارث إنسانية لم يشكّل درساً على مستوى فهم ما يحدث لهم. لقد حفرت الطائفية خرائطها على الأرض وفي الأنفس، وصار الفاسدون يخطّطون للدولة مساراتها الأخلاقية، واختلطت المرويّات الدينية بالعادات اليومية، وتمّ تطبيع الهيمنة الإيرانية بحيث صارت الحكومة تصرف رواتب لمتقاعدين إيرانيين، إضافة إلى الشهداء والسجناء والأسرى السابقين.
إقرأ أيضاً: معجزة العراقيّ أن يموت وحيداً
بانسحاب الصدر وأتباعه من مجلس النواب وتسليمه إلى أتباع إيران، عاد العراق محميّة إيرانية. أمّا مع العودة إلى قانون الانتخابات القديم فإنّ اليأس من التغيير سيكون علامة السنوات المقبلة. حرّاس النظام الطائفي سيمعنون في سرقاتهم في ظلّ غياب تامّ لسلطة القضاء التي لم تكن مستقلّة في ظلّ نظام وضع السلطات الثلاث داخل جعبة التصنيف الطائفي.
سيبقى العراقيون في السنوات اللاحقة يتلفّتون بحثاً عن حلّ لن يأتي ما داموا بعيدين عن الاهتداء إلى الطريق الذي يقودهم إلى إرادة وطنية توحّدهم في مواجهة المشروع الأميركي ــ الإيراني.
*كاتب عراقي