حين تجتمع نساء الحيّ عند أمّ زهير، أعرف أنّ ثمّة مصيبة ستَحُلّ قريباً، وأنّهنّ يلتقين ليتباحثن في سبل “لمّ” الفضيحة أو طمطمتها.
قبل أسبوع دَخَلْتُ المنزل، فوجدت جارتنا افتكار تتجاذب أطراف الحديث وسفاسفه مع أمّ زهير. فوجئت المسكينة بدخولي، فصمتت بعدما كانت تتمتم وتوتوت (دي دي دي) كلمات غير مفهومة، لكنّني ميّزت اسم زوجها، خليل، بين سيل الكلمات التي تخرج من فيها مثل طلقات الرصاص “رشقي”.
بعدما أدبرت، سألت أمّ زهير: “شو قصّتها افتكار؟”، فسخّفت كالعادة من أهميّة الموضوع وقالت: “ما شي مهمّ… متزاعلة مع زوجها وعم تفضفض”.
بعدها بأيام، وقعت الواقعة. إذ تبيّن أنّ خليل ينوي أن يتزوّج عليها بامرأة رعبوبة تعرّف إليها في أحد كازينوهات “البينغو”.
لم تكن افتكار تأخذ الموضوع على محمل الجدّ بداية، وكانت تظنّها نزوة خمسينيّة. كانت تظنّ الأمر مجرّد تهديد باعتبار أنّها متطلّبة وكثيرة الشكوى ولتلاتة (تعرف نفسها). لكنّها اكتشفت أنّ خليل لا يمزح. وكان قد فاتحها علناً بهذا الموضوع قبل أن يحرد ويخرج من المنزل لأيّام، ثمّ تسنّى لها أن تمسك به شارداً بالحيّ.
باسيل هو الآخر يرفض منطق “الضرّة”، ويريد أن يتربّع وحيداً في “قلب السيّد”
هناك وقعت مشادّة كلامية بينهما أمام أعين المارّة “ويلّي ما اشترى صار يتفرّج”: نشر غسيل وعتاب وجدل زوجي عقيم لم ينتهِ إلاّ بتدخّل أهل الخير لتفريقهما قبل “شدّ الشعر”.
ارتفعت الأصوات في الحيّ وصارت تصرخ افتكار بملء صوتها: “أنا يلّي عملتك. أنا يلّي وقفت حدّك… نسيتني؟ إن شاء الله بتشحد القرش وما بتشوف يوم حلو بحياتك يا خليل…”.
حاول خليل كمّ فيها، لكنّ فحش افتكار كان أقوى من قدرته على إسكاتها. قال لها: “بلا جرصة. إذا بدّك تفتحي ملفّات؟ بخبّر أنا شو عملِت وإنت شو عاملة”. تدخّل أولادهما لفضّ المشكل، فرفضت افتكار وقالت لهم: “إنتو ما تدّخّلوا. خلّيكم على جنب”.
طبطب أهل الحيّ للطرفين وفضّوا المشكلة، ثمّ انصرف كلُّ منهما في طريقه، لكن حتى اللحظة لم يُعرف ماذا سيحلّ بزواجهما. إذ يُقال أنّ افتكار قصدت رجل دين ليشير عليها بما تفعل بعد تلك الطامة.
صحيح أنّ افتكار ترفض منطق “الضرّة”، وتريد أن تتربّع منفردة في قلب خليل ولهذا لجأت هي الأخرى إلى أسلوب التهديد، فطلبت بداية الطلاق. لكنّ خليل “حربوق”، يعرف أنّ أهلها لا يتحمّلونها بسبب صفاتها العاطلة، وأن ليس لها سواه، ويبدو أنّ افتكار ستخضع في نهاية المطاف بطريقة أو بأخرى، وتصمت حرصاً على عدم تشريدها في الشارع.
قصة خليل وافتكار تشبه حال الوزير جبران باسيل مع “حزب الله”، خصوصاً بعدما أيقن باسيل بأنّ “الضرّة” باتت على عتبة الباب وتهمّ بالدخول.
باسيل هو الآخر يرفض منطق “الضرّة”، ويريد أن يتربّع وحيداً في “قلب السيّد”. ولهذا حاول اعتماد منطق “الصراخ” بداية والتهديد بطلب الطلاق من “مار مخايل”، لكن يبدو أنّه قد ينكفىء بعد التفكّر مرّتين.
كان الحزب (أو خليل) يحاول كمّ فيه باسيل، ويدعوه إلى التبصّر والتروّي. فأبى باسيل الذي يحاكي بسلوكه سلوك افتكار، وأصرّ أن تخرج “الفضيحة” إلى العلن. ولمّا أدرك أنّ الزواج بات واقعاً واقعاً لا محال، وأعلنه الحزب، عاد باسيل إلى الصراخ، لكنّه في الوقت نفسه طلب من مناصريه عدم الردّ على مواقع التواصل الاجتماعي وأن “يبقوا على جنب” (تماماً مثلما طلبت افتكار من أولادها).
إقرأ أيضاً: ميقاتي للحاجّ رياض: “طب إطباع دولار”!
يبحث باسيل اليوم عن الحلول، وهو الآخر لجأ إلى رجلِ دينٍ (بكركي) ليشير عليه، علّه يخرج بواسطته بـ”فتوى” تصدّ حماسة خليل (أو الحزب) عن الزواج من “فتاة البينغو”، كما أنّه يراهن على تبدّل أحوال الحزب الإقليمية، فلا يعود “القرش يكرج في يده” بعد التقارب السعودي – الإيراني… فينكفىء ويلجأ إلى أنصاف الحلول.
قصة خليل وافتكار، كما واقعة باسيل والحزب، “كوميديا سوداء” تحاكي علاقة زوجية معقّدة يصعب أن تنتهي بخواتيم سعيدة مرضية للطرفين. إنّها “مشكل زوجي” يشبه إلى حدّ بعيد مطلع أغنية نانسي عجرم التي أطلقتها إلى عالم النجومية وتحاكي قصّة فراقٍ صعبٍ بل ربّما مستحيل: “أخَصمَك آه… أسيبك لاه”.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب
لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@