الإنتخابات التركية : “الصوت وبس”.. مرحلة المواجهة!

مدة القراءة 7 د

من يخسر الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية المقرّرة في 14 أيار المقبل سيجد نفسه خارج الساحة السياسية لسنوات، وهو قد يخسر باكراً أيضاً الانتخابات المحلية المرتقبة بعد 8 أشهر.

التصفيات التي ستشهدها أحزاب عدّة على مستوى القيادات والكوادر وفرص البقاء في المشهد، ستكون بالجملة. وتشابك الاصطفافات وتداخل التحالفات بين أقصى اليمين وأقصى اليسار بلا تمييز بين توجّه وفكر وعقيدة، لا يهدفان إلا إلى شيء واحد هذه المرّة: الفوز مهما كان الثمن.

إمّا نحن وإمّا هم

المعركة معركة كسر عظم، وسينتج عنها مشهدان لا ثالث لهما:

– بقاء حزب العدالة والتنمية وزعيمه الرئيس رجب طيب إردوغان على رأس السلطة.

– أو إزاحتهما عن الحكم مهما كان الثمن بالنسبة لقوى المعارضة.

من يخسر الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية المقرّرة في 14 أيار المقبل سيجد نفسه خارج الساحة السياسية لسنوات، وهو قد يخسر باكراً أيضاً الانتخابات المحلية المرتقبة بعد 8 أشهر

للمرّة الأولى في التاريخ السياسي التركي نرى هذا الحجم من الشحن والتعبئة حيث تتراجع الحملات الانتخابية والبرامج والشعارات والتواصل مع المقترع، لصالح محاصرة الناخب بخيار واحد: إمّا نحن أو هم.

لذا لا بدّ من التساؤل:

– متى كان حزب العدالة، الموجود في السلطة منذ 21 عاماً، يفاوض أحزاباً صغيرة هامشية مثل “حزب الرفاه من جديد”، وهي لا تملك سوى عشرات ألوف من الأصوات… ويحاول إقناعها بالوقوف إلى جانبه؟

– متى كان اليمين القومي التركي المعارض بقيادة ميرال أكشينار، الموجود داخل ائتلاف “الطاولة السداسية”، يقول إنّ التواصل بين حليفيه، حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية، القوي في مناطق الأغلبية الكردية، لا يعنيه ما دام الأخير خارج الطاولة وبعيداً عنها؟

لماذا تزايدت حظوظ “الشعب” المعارض؟

تشير الأرقام إلى أنّ عدد المنتسبين إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم هو أكثر من 11 مليون و300 ألف مواطن، مقابل حوالي 3 ملايين منتسب إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض. العدالة ما زال الحزب الأول والأقوى شعبياً على الأرض. ومع ذلك تقول غالبية استطلاعات الرأي إنّ حظوظ الطرفين في الفوز متقاربة. وذلك للأسباب الآتية:

– القرار الشعبي أهمّ من العامل الحزبي في الانتخابات التركية هذه المرّة.

– هناك حالة سياسية لم تشهدها تركيا في العقود الأخيرة: ولادة تحالفات حزبية قد تقرّب أقصى اليمين من أقصى اليسار حول طاولة التقاسم والتحاصص البرلماني والحكومي، وربّما الرئاسي، للفوز وإزاحة الطرف الآخر.

– هناك 36 حزباً تشارك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حسب الهيئة العليا للانتخابات. الرقم كبير طبعاً، لكنّ لعبة الكرّ والفرّ الجديدة أهمّ وأكبر من المشاركات الحزبية هذه المرّة.

– المعركة الانتخابية عدديّة ويؤثّر في نتائجها كلّ صوت مساند أو معارض. وهذا ما يدفع البعض إلى التواصل مع “هدا – بار”، وهي حركة سياسية يقال إنّها امتداد فكري وعقائدي لحزب الله الكردي، وتحمِّلها قيادات ووسائل إعلام معارضة مسؤولية عشرات من عمليات الخطف والتصفيات الجسدية في التسعينيات في مناطق جنوب شرق تركيا. الهدف هو الحصول على أصوات هذه المجموعات.

– حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كيليشدار أوغلو يندفعان إلى منح “حزب الشعوب الديمقراطية “، المؤثّر في قرار الناخب الكردي في المدن التركية ويملك حوالي 10 في المئة من مجموع الأصوات، فرصة الإمساك بمفتاح اللعبة وورقة حسم المعركة، وإرضائه قبل الذهاب إلى الصناديق. والدافع هو ربّما البحث عن الفوز السريع والسهل والمضمون، كما يرى الزعيم اليساري الأتاتوركيّ. حتى لو كان الثمن الذي يدفعه يقلق حزب الخير وزعيمته ميرال أكشينار الشريك المؤثّر في “الطاولة السداسية”.

للمرّة الأولى في التاريخ السياسي التركي نرى هذا الحجم من الشحن والتعبئة حيث تتراجع الحملات الانتخابية والبرامج والشعارات والتواصل مع المقترع، لصالح محاصرة الناخب بخيار واحد: إمّا نحن أو هم

فرص الفوز المتعادلة

يحاول حزب العدالة تسجيل اختراقات في التعامل مع ارتدادات كارثة الزلزال وامتصاص ردود الفعل السلبية في صفوف مئات ألوف المواطنين في المناطق المنكوبة. وهو يحاول تسريع خطط الإعمار الجديدة واستخراج الغاز من البحر الأسود وتوزيعه وتحقيق تقدّم سياسي مهمّ في الملف السوري من خلال قمّة موسكو الرباعية التي سيحضرها ممثّل عن النظام في دمشق.

بالمقابل تعمل المعارضة على الفوز من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية والهيمنة على الأكثرية البرلمانية، ليس انطلاقاً من البرامج والخطط التي تعِد الناخب بها، بل بالمراهنة على تزايد عدد المطالبين بالتغيير وتوسيع رقعة التحالفات داخل “الطاولة السداسية” وخارجها. وما يمنح حزب العدالة الفرصة لإضعاف أوراق التكتّل المعارض، هو رهانه على احتمال الانقسامات والشرذمة السريعة التي ستحدث في صفوف المعارضة، حتى لو نجحت في الوصول إلى السلطة، بسبب تعدّد الأصوات والأفكار والطروحات والمطالب، وهو محقّ هنا في ما يقول.

لحظة كتابة هذه المادّة كان عدد المرشّحين للانتخابات الرئاسية يرتفع ويتزايد بشكل ملحوظ. حظوظهم في الفوز من رابع المستحيلات. لكنّ الهدف هو التأثير في النتيجة وعرقلة حسمها من الجولة الأولى. الحالة نفسها تنطبق على مسار الانتخابات البرلمانية حيث يتزايد عدد التكتّلات الحزبية التي تريد أوّلاً عرض عضلاتها أمام الصناديق لمعرفة حجمها السياسي الحقيقي، وثانياً الحصول على فرص المساومة وعقد الصفقات السياسية، إذا ما ذهبت الأمور إلى مواجهة الإياب في معركة الرئاسة، حيث سيكون لكلّ صوت أهميّته وقيمته.

تضع غالبية استطلاعات الرأي جناحَي الحكم والمعارضة على مسافة واحدة من حيث الأصوات وفرص الفوز. وما يحسم النتيجة هو عدم ارتكاب أخطاء سياسية فادحة في صفوف الطرفين واللهاث وراء توسيع رقعة التحالفات ومعرفة الموقف النهائي لحزب الشعوب الديمقراطية ونوع المقايضات والصفقات التي يريد إلزام كيليشدار أوغلو بها. إنجازات حزب العدالة في الأسابيع المقبلة لامتصاص ارتدادات كارثة الزلزال وطمأنة الملايين في المدن المنكوبة، قد تحسّن من وضعه وتبدّل في النتائج. فهل يكون له ما يريد؟

لم يدخل كمال كيليشدار أوغلو في مبارزة مباشرة حتى اليوم مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. كان يترك حزبه يفعل ذلك أو يدعم مرشّحين كما حدث عام 2014 مع إكمل الدين إحسان أوغلو، وعام 2018 مع محرم إينجا في الانتخابات الرئاسية. نتائج انتخابات ما بعد شهرين ستكون قاسية عليهما معاً. وهي قد تترك أحدهما أمام خيار مغادرة الحلبة والانسحاب من المشهد. إلا إذا وقعت المفاجأة وفاز الأول بالرئاسة والثاني بالأغلبية البرلمانية، وعندها سنبدأ النقاش حول موعد الانتخابات المبكرة الجديدة في تركيا.

عوامل انتخابيّة مؤثّرة

يفصلنا أقلّ من شهرين عن صباح التوجّه إلى الصناديق.

الأسر التركية الصغيرة منقسمة: 4 أشخاص منقسمون إلى 4 توجّهات وميول، إذا ما بقيت الأمور على حالها حتى اليوم الموعود. كلّ واحد يدافع عن موقفه ويتمسّك به على الرغم من صعوبة إقناع الآخر أو التأثير عليه.

إقرأ أيضاً: اتّفاقيّة التجارة التركيّة الإماراتيّة: التوقيت والدلالات

ديمقراطيتنا في المنزل محترمة، لكنّ الأمر ينطبق على عائلات تركية كثيرة في وضعية مشابهة أمام مشهد سياسي وحزبي صادم ومعقّد وتؤثّر فيه عوامل كثيرة:

– السنّ والبيئة المحيطة.

– الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

– التكوين الشخصي والدراسة.

– الممارسات الحزبية والقرارات السياسية.

– التشوّش الذهني الذي يسود ويتحكّم ويرفع نسبة المتردّدين التي عادت لتصل إلى 20 في المئة من مجموع الأصوات في الآونة الأخيرة.

*كاتب تركي

لمتابعة الكاتب على تويتر: profsamirsalha@

مواضيع ذات صلة

عودة “روكي”: جنون أميركا في ظلّ ترامب

كان هناك وقتٌ، في الزمان غير البعيد، حيث الانتخابات الأميركية كانت تُحكم بالمبادئ: كانت هناك برامج انتخابية، قيم، واحترام للمنصب. ثمّ جاءت سنة 2024، وقرّرت…

قوافل النّازحين… وفكرة “السّلام” المُلتبس

منذ 17 أيلول الماضي يوم شرعت إسرائيل في حربها ضدّ الحزب عبر تفجير أجهزة البيجرز والتوكي ووكي، بدأ النزوح الداخلي من جنوب لبنان وضاحية بيروت…

الكويت: تأكيد الهوية الوطنية لأهلها فقط..

على الرغم من الضجيج في المنطقة وأصداء أصوات الانتخابات الأميركية وما سبقها وتلاها، لا صوت يعلو في الكويت على صوت “تعديل التركيبة السكاّنية”، من خلال…

السّودان: إيران وروسيا تريدان قواعد عسكريّة

يغطّي غبار القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان صور المأساة المروّعة التي تعصف بالسودان، أكبر دولة عربية من حيث المساحة. فقد اضطرّ حتى الآن خُمس السكان،…