الخيل والإعلام: السعوديّة “تسابق العالم”

تتحرّك السعودية بسرعة كبيرة، فما إن تغيب عن المملكة بعض الوقت، حتى تعود لتجد الكثير من الجديد والمثير.

في بداية عام 2020 زرتُ الرياض لحضور النسخة الأولى من منتدى الإعلام السعودي، وبعدما باعدت الجائحة بيننا، عدتُ لحضور النسخة الثانية 2023. كان الصديق محمد الحارثي ومعه الفريق المتميّز موفّقين في عملهم تنظيماً ومضموناً.

ثمّة ظاهرة مخيفة هي ظاهرة “الشيخ غوغل” حيث يأخذ الناس دينهم من الإنترنت، وحسبما تأتي نتائج البحث على غوغل تكون العقيدة ويتشكّل الإيمان

الإعلام في زمن اللايقين

التقيتُ في المنتدى نخبة من الإعلاميين والصحافيين، وكان بعض الأدباء والمفكّرين والنقّاد يضيئون جنبات المنتدى في الحوارات الجانبية، وأمسيات العشاء الثريّة.

كان الهاجس الأكبر لحوارات الإعلام في منتداه هو الخوف من التحدّيات التي تواجه الصحافة، وطغيان وسائل التواصل، وسطوة المجهول على مساحة كبيرة من الإنترنت.

وكان من بين ما قلتُ في الجلسة التي شاركت فيها أنّنا نواجه حالة ترهّل كبرى في عالم الإنترنت، ذلك التوسّع اللانهائي، وهو التوسّع غير المنضبط علمياً أو قيميّاً، بل وغير المُدار إنسانياً، بعد زحام ظاهرة الذباب الإلكتروني والحسابات الآليّة.

لقد أدّى ذلك إلى اتّساع مساحة العلوم الزائفة، وطغيان الأخبار المفبركة بعدما أصبح لدينا ما يمكن تسميته “اقتصاد الشائعات” الذي يعمل فيه أولئك الذين يتحصّلون قوت يومهم من خلق وترويج الأكاذيب، باعتبار ذلك وظيفة جيّدة.

يُضاف إلى ذلك “جنون الترند” الذي عصف بالجميع، ورهاب “اللايكات” الذي جعل من الإنسان مجرّد آلة حسابية يراجع كلّ ساعة آراء الآخرين في ما كتب أو نشر.

الدين والسياسة

ثمّة ظاهرة مخيفة هي ظاهرة “الشيخ غوغل” حيث يأخذ الناس دينهم من الإنترنت، وحسبما تأتي نتائج البحث على غوغل تكون العقيدة ويتشكّل الإيمان.

لقد أصبح الدين موضع تهديد من أولئك الذين يقبضون بأيديهم على مفاتيح عابثة، فتتفجّر أنهار الدم بين أيديهم ومن خلفهم.

النظريّة الديمقراطية هي الأخرى مهدّدة في ظلّ سطوة الإنترنت، فماكينات الشائعات والأكاذيب التي تقوم بها الأحزاب ضدّ بعضها البعض لديها شرعية المنافسة، وعندها خيارات عديدة لشركات ربحية تعمل في صناعة الباطل بعقود مليونيّة.

تتحرّك السعودية بسرعة كبيرة، فما إن تغيب عن المملكة بعض الوقت، حتى تعود لتجد الكثير من الجديد والمثير

أصبح الدين كما أصبحت السياسة في خطر. تضاف إلى ذلك مخاطر التقدّم اللامسؤول في حقل الذكاء الصناعي، وما بات يُنشر عن إمكانية محاكاة الصوت والصورة، وإمكانية كتابة النصوص، وتأليف الكتب، ثمّ إدارة الحروب.

أكبر خطر يهدّد مستقبل العالم، ليس السلاح النووي، ولا حتى تهديد الفيروسات أو تدهور المناخ، بل الذكاء الصناعي الذي هو الخطر الأكبر في العالم المعاصر.

ترمي بشرر

كان الحديث في الأدب أفضل حالاً من الحديث في الصحافة، ذلك أنّ الخيال الأدبي يخلق عالماً موازياً، ويفتح الباب لنقاشات أكثر متعة وتشويقاً.

في منتدى الإعلام السعودي بالرياض التقيتُ الأديب السعودي الكبير عبده خال، صاحب الرواية الشهيرة “ترمي بشرر”، وهو الحائز جائزة البوكر العالمية للرواية العربية.

ذهبت مع الأستاذ عبده خال في جولة داخل “مول غرناطة” قبالة “هيلتون الرياض”. كان بهو المول يعجّ بالزائرين. إنّه يوم التأسيس، وهو إجازة رسمية، وفي البلاد احتفالات متعدّدة.

بعد قليل من الحركة داخل البهو، كانت فرقة فنيّة سعودية تعزف، بينما الجمهور السعودي والعربي يشاهد ويصوّر. قال لي الأستاذ عبده خال: “قبل سنوات كان هذا المشهد في عداد المستحيل. ما حدث في عهد الملك سلمان ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان ثورة ثقافية حقيقية تجاوزت الخيال”.

في ردهات ذلك المول كانت عائلات سعودية تصافح الأديب الكبير، والتقط عدد منهم الصور معه، وكان ذلك مدهشاً ورائعاً، ذلك أنّه ليس نجم إعلام أو فنّ أو رياضة، بل هو كاتب وأديب. وحين يتمتّع الكاتب بشهرة جماهيرية، فهذا يعني وجود حيويّة في المجتمع تستحقّ التقدير.

أكبر خطر يهدّد مستقبل العالم، ليس السلاح النووي، ولا حتى تهديد الفيروسات أو تدهور المناخ، بل الذكاء الصناعي الذي هو الخطر الأكبر في العالم المعاصر

كأس السعوديّة 2023

في المساء ذهبت إلى نادي سباقات الخيل، حيث كان حفل الاستقبال الرائع الذي أُقيم استعداداً لأكبر مسابقة فروسية في العالم: كأس السعودية 2023.

في الحفل سعدتُ بلقاء الأمير بندر بن خالد الفيصل، رئيس مجلس إدارة نادي الفروسية، كما سعدت بلقاء الأميرة نورة الفيصل مستشارة رئيس مجلس إدارة نادي سباقات الخيل.

كان النقاش على مدى ساعتَيْ الحفل في الخيل والكأس، وقيمة الجوائز التي تجاوزت 35 مليون دولار. تحدّث البعض عن الجوانب الفنيّة للسباق العالمي، الذي يتضمّن 16 شوطاً، يشارك فيه 243 جواداً من 16 دولة. وتحدّث آخرون عن الطائرات التي تنقل الخيل من 6 دول، وعن تاريخ الخيل الأكثر شهرة، وعن اسمه، ومسقط رأسه، واسم والديه، وسيرته الذاتية، واحتمالات فوزه.

كان هناك حديث آخر عن جهود الأميرة نورة الفيصل في دعم مجتمع تصميم الأزياء السعودي، ورعاية معرض 100 براند سعودي، وثار نقاش بين البعض عن أزياء الفروسية، وكلّ ما يتعلّق بها.

كانت الثقافة حاضرة من خلال القرية الثقافية، والمكوّنات التراثية.

إقرأ أيضاً: وَهْم أنّ “الوضع تحت السيطرة”!

في الطائرة وأنا في طريقي إلى القاهرة، كان الجالس إلى جواري يشاهد سباق الخيل على هاتفه الجوّال، فقلت له: “ما هو الجديد؟ لقد حضرت حفل الاستقبال، لكنّني لم أتمكّن من حضور لحظة الفوز الكبرى بالعشرين مليون دولار”.

لقد شاهدت لاحقاً الصور التي نشرتها الصحف حول تكريم وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان للفائز الياباني الذي حصد المركز الأوّل في كأس السعودية.

كان شعار ذلك السباق العالمي للخيل طَموحاً ومعبّراً عن الروح الجديدة في المملكة: “نسابق العالم”.

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

لمتابعة الكاتب على تويتر: Almoslemani@