مطالب الحزب البسيطة: الخروج من المجتمع الدوليّ

مدة القراءة 5 د

يشيع حزب الله على نطاق واسع أنّ البديل عن التسوية هو الانفجار. مفوّهوه جميعهم يهوّلون بذلك من على منابرهم. إمّا أن يكون البلد على مثلهم أو مثالهم، وإمّا فالعكس يعني التحدّي. العاقل لا يفكّر حتماً مرّتين في المفاضلة بين التسوية والانفجار. هذا إذا كانت التسوية تسوية والانفجار انفجاراً.

الانفجار أو الإذعان

في الحديث عن الانفجار يتداولون أنّ حزب الله ممنوع عليه التفجير. وثمّة من يقول من المعارضين إنّ الضغط عليه، لمنعه من التفجير، مفعوله وقتيّ. فآجلاً أو عاجلاً سيلجأ إلى التفجير إذا لم تُلبَّ مطالبه أو مطالب من يقفون خلفه.

يريدون أن نقتنع أنّ مطالب حزب الله بسيطة. فهو لا يريد من اللبنانيين سوى التنصّل من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومن قرارات الشرعية الدولية 1559 و1680 و1701. الحرب الذي يحلم، استطراداً، يحلم بالتنصّل من الطلب العربي الذي لا ثاني له، لدعم لبنان وإعادته إلى حضن العرب، أي إلى سكّة الحلّ المالي والاقتصادي: “الخروج من الأمن القومي العربي”، أي الانسحاب من اليمن وسوريا والعراق.

يشيع حزب الله على نطاق واسع أنّ البديل عن التسوية هو الانفجار. مفوّهوه جميعهم يهوّلون بذلك من على منابرهم

يتناسى حزب الله، الذي يهدّد العالم بحرب مع إسرائيل، أنّ العراق، الذي يجلس على ثروة نفطية هائلة ومثبتة ومستمرّة في التدفّق النقدي، هزّت الولايات المتحدة له عصا الترهيب حين اكتشفت أنّ دولاراته “تنزّ” و”تنشّ” إلى إيران. فكيف بلبنان حيث يلعب الحزب دور “فوج التدخّل الإيراني السريع” في مختلف بقاع العالم، من الخليج وصولاً إلى أفريقا وأميركا اللاتينية مروراً بأوروبا.

“مستنقع الشرق”

هناك مطالب أوسع يريد حزب الله إقناع اللبنانيين بها: التوجّه شرقاً، أي نحو الصين وإيران، للنهوض شرعيّاً وشعبيّاً وقانونيّاً، باعتبار أنّ الغرب يريد بنا شرّاً. وكأنّ الغرب والعالم كلّه شغله الشاغل لبنان المنسيّ منذ نحو 3 سنوات.

في مخيّلة حزب الله لم يعد للبنان من وجود إلا لأنّ الحزب سيطر عليه. وهو في هذا يلاقي مخيّلة طالبان أفغانستان والقاعدة.

هذا خطاب مستعاد من أرشيف السبعينيات العروبي والماركسي عن الغرب. وهناك شطر كبير منّا لم يغادر هذا الوعي ويقطع معه، بل ما يزال يهذي به.

يريد حزب الله من اللبنانيين التملّص من صلة بلدهم التاريخية بالعرب وبالمجتمع الدولي والقرارات الدولية، وأن تتفضّل بقايا البقايا من الدولة اللبنانية بالاعتراض على كلّ القرارات الأممية. وهذا له بعده الوضّاح في ذهنية من يطلب هذا الطلب. فأن يتحوّل من عمل جاهداً لإقرار هذا الكمّ من القرارات الدولية إلى رافض لها، يعني أنّ اللبنانيين يعلنون جهاراً نهاراً كفرهم بالمجتمع الدولي جملة وتفصيلاً ويأسهم منه.

الخروج على المجتمع الدولي

هكذا يصل اللبنانيون جميعاً إلى الموضع الذي كان حزب الله فيه حين يعلن أنّه لا يهتمّ لقرارات مجلس الأمن ولا تؤثّر الأمم المتحدة على سياساته وأدائه.

على المستوى الشعبي يريد حزب الله أن يخرج شطر كبير من اللبنانيين ويعلن تنزيه الحزب عينه من أيّ تلاعب بأمن البلد. وإذا لم يستجب اللبنانيون لمطلبه هذا فإنّ “هناك” من سيتلاعب بأمن البلد من دون مواربة ولا تلطيف. ذلك أنّ الذي منعه حتى اليوم عن ذاك ليس إلا ضغطاً دولياً شاملاً. وهو يجهد اليوم للتحرّر من تبعات هذا الضغط.

ما يعرضه الحزب ويطلبه هو الخروج عن الشرعية الدولية ليتأكّد أنّ لبنان صار بلداً منسيّاً… لكنّه لا يرى الصورة الأكبر: من العراق إلى سوريا واليمن

بالمعنى القانوني يريد حزب الله أن يعترف اللبنانيون بأنّ كلّ شيء مسيّس وموجّه ضدّه
حزب التسوية مع نفسه

لكنّ تجربة اللبنانيين مع حزب الله تثبت لهم أنّه يفعل بخلاف ما يقول. ألم يداوم سنوات على الإعلان أنّ سلاحه لن يُستعمل في الداخل؟ إذاّ ما الذي يفعله هذا السلاح منذ 2004؟

ويُقال إنّ التسوية ناضجة ولم يعد ينقصها إلا وضع اللمسات الأخيرة. التسوية معلنة من جانب واحد يرى أنّ كلّ ما هو دولي يشبه اتفاق 17 أيار الذي جاء الترسيم البحري ليقول: “ليت رئيس الجمهورية بشير الجميّل وبعده شقيقه فعلا ما كان يجب فعله”.

هذا الفريق نفسه هو المتضرّر وطالب بـ”العدالة” و”الحقيقة”. ومن سخريات القدر أنّ ثمّة كتّاباً ومفكّرين ذوي شأن وباع طويلين وعريضين باتوا يتندّرون على مطلب العدالة والحقيقة. وهذا يُخفي في طيّاته إيماناً عميقاً بأنّ البلد لا يستحقّ العدالة ولا الحقيقة. لهذا ربّما تجري مياه هذه التسوية في غفلة عنهم.

الثابت أنّ اللبناني الوحيد العالم بمندرجات هذه التسوية هو الأمين العام لحزب الله. لكن مع من يريد أن يعقدها؟ الأرجح مع نفسه ليمنّ على اللبنانيين بسلمهم الأهلي، ويقول لهم إنّه تنازل لهم عن الكثير: الكفّ عن التلاعب بأمنهم، مقابل أن يذعن اللبنانيون لمطالبه كلّها من دون نقاش: الخروج من المجتمعَين العربي والدولي.

ذات يوم تداعى بعض الصحافيين والسياسيين وقرّروا أنّ الزمن المقبل في لبنان هو زمن فاشي بامتياز، وما عليهم سوى الرحيل عنه لأنّه دخل مرحلة تكميم الأفواه والأنفاس. وكان أن انبرى أحدهم منبّهاً: “إذا كان معارضو الحكم الفاشي جميعاً سيخرجون من البلد، فلماذا سيلجأ الحكم إلى العنف والجور؟”.

إقرأ أيضاً: المسيحيّون ينتظرون باسيل.. فهل يجرؤ؟

واليوم ثمّة قول مشابه: “إذا كان حزب الله يطلب من اللبنانيين جميعاً الإذعان لِما يمليه عليهم، فلماذا ما يزال مصرّاً على تهديدهم في مصائرهم؟”.

ما يعرضه الحزب ويطلبه هو الخروج عن الشرعية الدولية ليتأكّد أنّ لبنان صار بلداً منسيّاً… لكنّه لا يرى الصورة الأكبر: من العراق إلى سوريا واليمن. كلّها مشاريع “فنزويلا”. والغرب لن يزعج فنزويلا جديدة، في مركز عمليات “فوج التدخل الإيراني السريع”.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…