ليس من المنطق بمكان القول إنّ سُنّة لبنان بخير. لا يستوي التوصيف على قوس قزح. لبنان الدولة والكيان ليس بخير، فكيف للسُّنّة أن يكونوا بخير، وهم الذين وُصفوا بأهل الدولة ومؤسّساتها.
ليس من المنطق أيضاً الحديث أنّ السُّنّة ليسوا بخير وإغفال أوضاع باقي الطوائف والمجموعات اللبنانية، وكأنّها تعيش أفضل أيّامها ولياليها الملاح في هذا الزمن.
لبنان ليس بخير، وبالتالي الشعب اللبناني بكلّ طوائفه ومذاهبه ليس بخير. تحقيق فريق سياسي مهما كبر أو صغُر لبعض المكاسب الصغيرة، ليس بالضرورة مؤشّر خير بالنسبة إلى الطائفة التي ينتمي إليها هذا الفريق. وتقهقر وانكسار فريق سياسي لا يعنيان بالضرورة أيضاً تقهقر وانكسار الطائفة التي ينتمي إليها هذا الفريق. على قاعدة المساواة بين اللبنانيين من حيث الواقع، يمكن القول من دون تردّد إنّ السُّنّة في لبنان تقدّموا على باقي الطوائف والمذاهب في الخروج من نفق جهنّم الذي توجد فيه الطوائف وكلّ لبنان.
السُّنّة من دون زعيم، الأمر صحيح. لكنّ للموارنة زعيمين يتقدّمان الجميع على الأقلّ. الأوّل سمير جعجع، والثاني جبران باسيل
السُّنّة سبقوا الجميع
حقّق السُّنّة ثلاثة أمورمنذ حراك 17 تشرين 2019 حتى تاريخ كتابة هذا المقال:
1- خرجوا من دون صعوبة وبهدوء من عباءة الزعامات التقليدية. خروج لا يمكن وصفه بالثورة على “الزعاماتيّة” كما لا يمكن إسقاط صفة التغيير عنه. أثبت الزعماء التقليديون عند السُّنّة تعايشهم مع الواقع وليس الغربة عنه. اعتكفوا وانكفأوا عن خوض الاستحقاق الانتخابي عام 2022 مفسحين المجال لحراك سياسي داخل الطائفة السُّنّية يعبّر عن نفسه من دون وصاية أو ارتهان. جاءت النتائج وفقاً لهذا المعيار، فلم يهيمن ولم يسيطر أحد. توزّع الناس كما يشاؤون على أسماء مستقلّة كما حصل في طرابلس حيث كلّ لائحة حظيت بمقعد سنّيّ، فيما اجتمعوا، وتحديداً في بيروت، على هدف واحد، وهو كثافة المشاركة في التصويت منعاً لهيمنة أطراف غريبة على قرار عاصمتهم.
2- أثبتوا قدرة على إدارة الحياة السياسية والعامّة داخل مؤسّساتهم الدينية والمجتمعية. أُجريت انتخابات المفتين في خمس مناطق مختلفة، وسط تنافس شديد، من دون أن يُسجَّل أيّ إشكال أو خصام، لا بل هنّأ الخاسر الرابح، وشدّ على يده داعياً له بالتوفيق. انسحب الحال على المؤسّسات المدنية السُنّيّة الكبرى، فجدّدت جمعية المقاصد مجلس إدارتها وعُيِّن مدير عامّ جديد لدار الأيتام الإسلامية ومؤسّسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية، وها هم يستعدّون في 23 شباط لإجراء انتخابات اتّحاد العائلات البيروتية الذي يضمّ 94 عائلة بيروتية تمثّل ما يقارب 350 ألف شخص.
3- أكّد السُّنّة، بما لا يحتمل اللَبس أو التشكيك، أنّ مرجعيّتهم الوطنية كانت وستبقى دار الفتوى بقيادة مفتي الجمهورية اللبنانية. وبدا ذلك واضحاً في الاجتماع النيابي الموسّع للنواب السنّة الذي عُقد برئاسة المفتي عبد اللطيف دريان في دار الفتوى بتاريخ 24/9/2022.
سُنّة لبنان مقارنة بباقي الطوائف والمذاهب بألف خير. بدقّة أكثر، لقد سدّدوا كامل الفواتير المستحقّة عليهم. وقد يقول البعض إنّهم مفلسون، لكن من المؤكّد أن لا دَيْنَ مستحقّ عليهم في الوطنية والسياسة والاقتصاد
ماذا فعل زعماؤكم؟!
السُّنّة من دون زعيم، الأمر صحيح. لكنّ للموارنة زعيمين يتقدّمان الجميع على الأقلّ. الأوّل سمير جعجع، والثاني جبران باسيل. فماذا حقّقت هذه الزعامات للمواطنين من الموارنة؟ وللشيعة مرجعيّتان وسلاح ودولة إقليمية كبرى تدعمهم. هل وفّر ذلك لهم المدرسة والمستشفى والدواء والرغيف؟ وللدروز زعيم ليس قبله أو بعده زعيم. هل مكّنهم ذلك من توفير الكهرباء لمنازلهم وقراهم والتدفئة في فصل الشتاء ولياليه الباردة.
سُنّة لبنان ليسوا بحاجة إلى رجل مثل حسن نصر الله ونبيه برّي، ولا لرجل مثل سمير جعجع أو جبران باسيل أو وليد جنبلاط، مع احترامنا للجميع. سُنّة لبنان بحاجة إلى الدولة والمؤسّسات التي تلتزم القوانين.
على خلفيّة هذه الوقائع، يصبح حديث الكثيرين من السياسيين والإعلاميين والإعلاميّات عن واقع السُّنّة وضرورة معالجته وكأنّه حالة مرضية من باب فعل الكتابة للكتابة، لأنّها كتابة بالمنظار عن بُعد.
سُنّة لبنان أدرى بشؤونهم، فصديقة صديق أحد رجالات السُّنّة لا تمنحها هذه الصداقة الخبرة للنظر في أمور السُّنّة، وتناول محلّل سياسي أو سياسي العشاء مع أحد رجالات السُّنّة لا يمنحه إجازة في تشخيص أوضاع السُّنّة وشجونهم.
إقرأ أيضاً: من يستهدف الموارنة في مناصبهم الكبرى؟
سُنّة لبنان في ظلّ تحلّل الدول والمذاهب بألف خير. بدقّة أكثر، لقد سدّدوا كامل الفواتير المستحقّة عليهم. وقد يقول البعض إنّهم مفلسون، لكن من المؤكّد أن لا دَيْنَ مستحقّ عليهم في الوطنية والسياسة والاقتصاد.
بناء على ما تقدّم واجب علينا أن نطمئن الجميع من الشركاء في الوطن إلى أنّ سُنّة لبنان بخير، لكنّ المهمّ أن تطمئنونا عنكم وعن أوضاعكم وفواتيركم المستحقّة.
*كتب الزميل عباده اللدن في رثاء توفيق حوري: “أنا من جيل الثمانينات. لم أقابل توفيق حوري مرة واحدة. لم أر? صورته إلا اليوم. ليس ذنبي. أين لي أن أراه؟ الرجل لم يترشح لمقعد نيابي؛ لم يحضر حفلاً للوجاهة؛ لم يجلس في الصف الأول في المسجد؛ لم يُصدر بياناً؛ لم يزر؛ لم يستقبل.
جيلي كله لا يعرف توفيق الحوري، لكنه يعرف الجامعة التي علمت أبناء الطبقة الوسطى حين كان التعليم الجامعي مستحيلاً لمن هم إلى الغرب من خطوط التماس. جيلي يعرف وقف البر والإحسان، ويعرف كلية الإمام الأوزاعي، ويعرف بقية الخير في بيروت. هذا صنف من الرجال تختص به بيروت من بين مدن الدنيا؛ رجالٌ لا تلهيهم الوجاهة، ولا تعرف صورتهم إلا حين يقابلون وجه ربهم. تبحث عن صورتهم فتجد بيروت الجميلة الصابرة، وتبحث عن بيروت فتجدهم.
كم أحبك يا حاج توفيق!”.