يبدو أنّ شهر شباط سيكون حارّاً سياسياً وقضائياً، على الرغم من المنخفضات الجوّية الكثيرة التي سيشهدها، والثلوج التي سيأتي بها. إذ تتوقّع مصادر قضائية ذات صلة أن يعلن المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار قراره الظنّي في قضية تفجير المرفأ، وأن يُصدر بعد 16 شباط، تاريخ انتهاء آخر الاستدعاءات وبعدها صدور مذكّرات توقيف بحقّ الأشخاص الذين سبق أن ادّعى عليهم الأسبوع الماضي، وهو ما سينقل البلد إلى فصل جديد من فصول المواجهة القانونية والطائفية. فهل من ديباجة قانونية تفضي إلى تنحّيه قبل ذلك؟ أم تكون المواجهة مفتوحة على أكثر من سيناريو سياسي وقضائي وأمنيّ؟
يرفض رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود حتى اليوم عقد اجتماع لمجلس القضاء الأعلى، لأنّه يعتبر أنّ غالبية أعضائه من القضاة أقرب إلى المدّعي العامّ التمييزي غسان عويدات. لم تعد القصّةُ اجتماعَ مجلسٍ عصيٍّ على الانعقاد، فاجتماعه يعني توسّع رقعة الانشقاق في صفوف القضاء ورفض عبّود بشكل مطلق أيّ صيغة توقف عمل البيطار.
تؤكّد معلومات موثوقة لـ”أساس” أنّ الأسبوع المقبل سيشهد تبادل ادّعاءات بين المحقّق العدلي ومدّعي عامّ التمييز. سيُصدر البيطار مذكّرات توقيف بحقّ الأشخاص الذين ادّعى عليهم، ومن بينهم مدّعي عامّ التمييز
تجاوز القانون بأشواط بعيدة
من الوجهة القانونية تعتبر مصادر قضائية أنّ إصدار البيطار قراره الظنّيّ مخالف للقانون، لكن ليس من المتوقّع أن تبلغ قرارات البيطار هذا القدر من التجاوزات. بحكم القانون يتوجّب على المحقّق العدلي حين ينهي تحقيقاته إرسال المطالعة إلى محكمة التمييز للاطّلاع على حيثيّاتها. ولأنّه سبق أن ادّعى على رئيس المحكمة القاضي غسان عويدات وآخرين، فهل يمكن ساعتئذ أن يوقّع محامي عام التمييز القاضي صبوح سليمان طلب تحويل القضاة المدّعى عليهم والواردة أسماؤهم في القرار إلى القضاء؟
حين تتسلّم المحكمة المطالعة فهذا يعني أنّها اعترفت بصحّة عمل البيطار، وهذا غير وارد. أمّا في حال لم يرسل البيطار قراره إلى محكمة التمييز فحينئذٍ يكون قد بلغ قدراً من المخالفة خطيراً جدّاً لتجاوزه أصول القانون بأشواط بعيدة جدّاً. إذ لا يمكنه أن يصدر قراره الظنّي قبل الاستماع إلى المطلوب الاستماع إليهم، وقد حدّد جلسات لذلك مطلع الشهر المقبل.
ينطبق ما سلف من أصول قانونية في حال كان التحقيق الجاري حتى فصوله الأخيرة قضائياً بحتاً ولا تتدخّل فيه عوامل سياسية داخلية وخارجية. لكن في حالة تحقيق المرفأ وعودة البيطار إلى استئناف تحقيقاته بعد كلّ تلك الفترة وما بُنِي على تلك العودة، فقد تحوّلت القضيّة إلى قضية سياسية من الدرجة الأولى.
تؤكّد معلومات موثوقة لـ”أساس” أنّ الأسبوع المقبل سيشهد تبادل ادّعاءات بين المحقّق العدلي ومدّعي عامّ التمييز. سيُصدر البيطار مذكّرات توقيف بحقّ الأشخاص الذين ادّعى عليهم، ومن بينهم مدّعي عامّ التمييز، فيما سيردّ عويدات بإصدار مذكّرة توقيف بحقّ البيطار وسيطلب من الأجهزة الأمنيّة التي تأتمر بأوامره تنفيذ المذكّرة.
يرفض رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود حتى اليوم عقد اجتماع لمجلس القضاء الأعلى، لأنّه يعتبر أنّ غالبية أعضائه من القضاة أقرب إلى المدّعي العامّ التمييزي غسان عويدات
عبّود يدخل المواجهة
يسلك المسار القضائي وفق هذه التطوّرات مزيداً من التعقيد طالما أن لا أفق لأيّ تسوية منتظرة، خاصة وأنّ مجلس القضاء الأعلى فشل في التوصّل إلى تسوية، فيما يُستبعد أن يرفع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود توصية لوزير العدل هنري خوري بعزل البيطار. وهذا ما سيؤسّس عليه المحقّق العدلي ليعتبر أنّ وضعه قانونيّ يخوّله مواصلة عمله مزوَّداً بجرعة دعم سياسية تمثّلت في الموقف الذي صدر عن البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد، حين شدّد على ضرورة مواصة التحقيقات في قضية المرفأ.
لا تستبعد المصادر نفسها أن يُصدر البيطار قراره الظنّي في القضية، ويحوّلها إلى النيابة العامّة التمييزية لإجراء مطالعة في الأساس. وإذا ردّها عويدات، وهذا متوقّع، سيدّعي عليه البيطار بجرم “إعاقة العدالة”، وسينقل الملف إلى المجلس العدلي الذي يرأسه القاضي سهيل عبود، فتكتمل بذلك فصول المواجهة.
بصدور القرار الظنّي المرتقب والمتوقّع يكون دور البيطار قد انتهى وينسحب من المشهد القانوني والإعلامي ويتحوّل الملفّ إلى المجلس العدلي صاحب القرارات المبرمة التي لا تحتمل الردّ. ويُتوقّع أن يأتي القرار الظنّي على عدّة مراحل، بالاستناد إلى مجريات ما حدث والشكوك في وجود جهات تدفع باتجاه مزيد من التأزّم. وحينئذٍ تُطوى مرحلة التحقيق ونذهب إلى مرحلة بالغة الحساسية. فهل القاضي البيطار مستعدّ لهذه المرحلة؟ ولماذا لم يصدر القرار الظنّي من قبل؟ وهل سيصدره اليوم تحت الضغط؟
لم تعد القضيّة سهلة، وفي لحظة الضغط الأميركي للإفراج عن الموقوفين من دون قرار ظنّي يمكن استنتاج وجود منحىً خطير ومجهول النتائج.
من جهته، يبدو سهيل عبود “ضايع” في ما يمكن أن يتّخذ من خطوات، فيما وزير العدل يتجنّب اتّخاذ أيّ قرار بردّ المحقّق العدلي أو عزله تحت ضغط حسابات سياسية وطائفية، ويعتبر أنّه لو كان اجتماع مجلس القضاء مكتمل النصاب من قبل لأمكن تعيين قاضٍ رديف، لكنّ المجلس فوّت الفرصة ولم يعد ممكناً الخروج بحلّ في وزارة العدل.
أمّا القاضي غسان عويدات فسيُكمل خطوات كفّ يد البيطار، وهو يُعدّ لمزيد من الخطوات القانونية في هذا الإطار.
إقرأ أيضاً: “زلزال” العدليّة”: سقوط “استدعاءات شباط”
الحنين إلى “سالكة وآمنة”
مصادر قضائية معنية بملف التحقيقات حذرت في حديث لأساس من وجود فئة في لبنان إشتاقت إلى صوت شريف الأخوي، وذكريات “سالكة وآمنة”. واستغربت المصادر من “عدم تعليق أي جهة قانونية أو سياسية على الإجراءات التي اتخذها المحقق العدلي وعما إذا كانت قانونية أو غير قانونية، وكيف أنّه لم يتم التعاطي مع ما حصل بمسؤولية وجدية، بينما الكل حوّل الأنظار نحو ما فعله مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات رغم أنه خلص البلد من آتون كبير من خلال الإجراءات التي اتّخذها”. وتعليقاً على توجّه البيطار لإصدار القرار الظني، سألت المصادر: “كيف له أن يصدر قراراه بينما يده مكفوفة عن التحقيق؟ وما السبيل الى ذلك؟”. وتابعت السؤال: “ألا توجد أي جهة تدرك حجم المخالفات التي يرتكبها، وهول تحاوزه القانون والدستور وقرارات مجلس الدفاع الأعلى؟ وأليس هناك من يجب أن يبحث في حجم الأخطاء القانونية التي يرتكبها؟”. وحول ما ينوي القاضي عويدات فعله قالت المصادر: “لم يعد للقاضي عويدات ما يفعله. سبق أن سحب الفتيل وجنب البلاد الدم في الشارع، لكن لا نيات لأي طرف لحل الموضوع والأشخاص الذين يرغبون في سماع صوت المرحوم الأخوي كثر”. وتابعت المصادر: “القصة ليست في المكان الذي يمارس فيه القاضي عمله. وهو يحقّ له ممارسته من المكان الذي يختاره، لكن يد البيطار مكفوفة. لم يعد قاضياً إلا بنظر فئة ترغب في جر البلد الى مشكلة، ولا أحد يلتفت الى هذه النقطة. إلتزمت القوى السياسية الصمت وكلهم بلعوا ألسانتهم، رجال القانون ورجال الدين وأهل السياسة ولا يقدرون عواقب ما وصل اليه الأمر”. وشدّدت المصادر على أنّ الخطوات التي قام بها البيطار “ليست قانونية. فلا أحد يتحدث بالقانون ولا أحد يريد مقاربة الملف من الوجهة القانونية بل دخلنا في آتون السياسة وتنفيذ أجندة تقسيم لا يعي أحدٌ خطورتها”. وحول احتمال عقد اجتماع مجلس القضاء الأعلى قالت المصادر إنّه “لا نية على ما يبدو لدى رئيس المجلس لالتئامه ولا حل في الأفق. وكل طرف يبحث عن الحل الذي يتناسب ومصالحه وموقعه”. وعما اذا كان المدعى العام التمييزي ينوي القيام بخطوات إضافية قالت المصادر إن عويدات سحب فتيل التفجير من الشارع لكنه غير قادر على معالجة كل مصائب البلد وليست قدرته. الحل مع من إذاً؟ تجيب المصادر: “القضاء أصبح واجهة لخلاف كبير في البلد قد يكون خلاف محاور أو أي تسمية أخرى لكن… الله يستر”.
الأسبوع المقبل سيكون حافلاً وحارّاً.