إخوان اليوم: مرشدون يتصارعون.. وقادة مترفون.. وشباب ينتحرون

مدة القراءة 7 د

ما إنْ أعلنت جماعة “الإخوان المسلمين” في لندن وفاة القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، حتى سارعت جماعة الإخوان في إسطنبول إلى إعلان رئيسها محمود حسين قائماً بأعمال المرشد. فقامت جبهة لندن بالمقابل بتعيين مرشد جديد!.. وبالطبع لم يعترف كلّ منهم بالآخر، ولا بمن معه.

فوضى الإرشاد

بعد إلقاء القبض على المرشد العامّ لجماعة الإخوان محمد بديع عام 2013 تولّى محمود عزّت منصب القائم بأعمال المرشد، وبعد القبض على محمود عزّت عام 2020 تولّى إبراهيم منير في لندن منصب القائم بأعمال المرشد، فقامت جماعة الإخوان في إسطنبول بتعيين قائم آخر بأعمال المرشد هو مصطفى طلبة. وبعد وفاة إبراهيم منير عام 2022 أصبح لدى الجماعة عدّة مرشدين.. المرشد العام محمد بديع الذي يقضي عقوبات داخل السجون المصرية، والقائم بأعمال المرشد في إسطنبول محمود حسين، والقائم بأعمال المرشد في لندن محيي الدين الزايط، والقائم السرّي بأعمال المرشد في تيار التغيير الإخواني “الكماليّين”.

بعد إلقاء القبض على المرشد العامّ لجماعة الإخوان محمد بديع عام 2013 تولّى محمود عزّت منصب القائم بأعمال المرشد، وبعد القبض على محمود عزّت عام 2020 تولّى إبراهيم منير في لندن منصب القائم بأعمال المرشد

يزعم مرشد إسطنبول أنّه القائم بأعمال المرشد بناءً على كوْنه عضو مكتب الإرشاد الوحيد خارج السجن، والأحقّ بالمنصب طبقاً للائحة الجماعة، ويزعم مرشد لندن الجديد أنّه كان نائب مرشد لندن الراحل إبراهيم منير والأحقّ بخلافته، وأمّا تيّار التغيير في الخارج، الذي يعتنق منهج العنف والعمل المسلّح، فلا يكترث لمرشدَيْ إسطنبول ولندن ولا حتى مرشد القاهرة، لكنّه يعمل وحده بإرشاد سرّي.

يفاقم من حالة الفوضى أنّ مرشد لندن هو مرشد مؤقّت، ولا يوافق عليه عدد كبير من إخوان بريطانيا، ومن الوارد جدّاً أن يكون الزايط هو المرشد اللندنيّ لمدّة قصيرة، وأن يكون هناك مرشد آخر يتمّ الاتّفاق عليه لاحقاً.

يتنافس كلّ من محمد البحيري ومحمد الجزار على منصب مرشد لندن المقبل، وكلاهما تمّ الحكم عليه في قضية تنظيم سيّد قطب عام 1965. ويقول البعض في الجماعة إنّ محمد البحيري هو المرشد السرّيّ للجماعة منذ سنوات.

وهكذا بات في القاهرة مرشدٌ ، وآخر في إسطنبول، وثالث في لندن، ورابع في إسطنبول من التيار الكماليّ المنشقّ، وخامس سرّيّ يُحتمل أن يصبح مرشداً لبريطانيا، بعد انقضاء مرحلة مرشد لندن المؤقّت!

فوضى تنظيمية هائلة لم يعد ممكناً معها القول بأنّ هناك جماعة واحدة، أو تنظيماً واحداً، ويا لها من انقسامات وصراعات في جماعة لطالما كان أساس غرورها واستعلائها قوّة التنظيم، والسمع والطاعة.

برحيل إبراهيم منير خسرت جماعة الإخوان أكبر جسورها مع الأجهزة الدولية، حتى بالمقارنة مع يوسف ندا وعصام الحداد، إذْ لا يوجد أحد له صلات بعواصم الغرب ومؤسّساته مثل إبراهيم منير

التصدّع الكبير

في نهاية عام 2021 ظهر إلى العلن أكبر انقسام في تاريخ الجماعة، حين قام إخوان إسطنبول بعزل إخوان لندن، وقام إخوان لندن بعزل إخوان إسطنبول. لكنّ محمود حسين الأمين العام للجماعة ورئيس جبهة إسطنبول لم يعلن تولّيه منصب القائم بأعمال المرشد إلا بعد وفاة إبراهيم منير، على الرغم من أنّه فصل منير من عضويّة الجماعة، وكان يمكنه وقتئذٍ إعلان نفسه قائماً بأعمال المرشد.

اختار محمود حسين تكليف مصطفى طلبة بمنصب القائم بأعمال المرشد في مواجهة منير، ولمّا أعلنت لندن وفاة منير، لم يعد طلبة قائماً بأعمال المرشد، وأصبح محمود حسين القائم الجديد.

هكذا تولّى إبراهيم منير ومصطفى طلبة ومحمود حسين ومحيي الدين الزايط بالتوازي وبالتداخل منصب المرشد، وتولّى محمد البحيري ومرشد الكماليّين بالتوازي وبالتداخل منصب المرشد السرّيّ!

 

أبناء التلمساني

ينقسم إخوان لندن بين تيّارين، أحدهما ذو أفكار قطبيّة ويدعم محمد البحيري أو محمد الجزار، أو الإبقاء على محيي الدين الزايط، وثانيهما يريد الإطاحة بالقطبيّين وفرض سيطرة تلاميذ المرشد الثالث عمر التلمساني على الجماعة، ويطرح اسم حلمي الجزار لمنصب مرشد لندن.

ينتمي حلمي الجزار ومحيي الدين الزايط إلى جيل عبد المنعم أبو الفتوح الذين يُعتبرون أبرز تلاميذ عمر التلمساني، ويزعمون أنّهم أكثر انفتاحاً من الدوائر الأكثر تطرّفاً داخل الجماعة. لكنّ حلمي الجزار لا يرحّب بتولّي الزايط منصب مرشد لندن، والزايط لا يدعم تسلّمه المنصب بعد نهاية المرحلة الانتقالية.

هكذا أصبح بدوره الجيل الذي ينتسب إلى التلمساني متصارعاً ومفكّكاً، وجزءاً من فوضى الصراع داخل الجماعة.

مرشد لندن الجديد هو شخص محدود جدّاً، وكادر بدائي تتوقّف إمكاناته عند تنفيذ المهامّ الموكلة إليه. وقد سبق له أنْ وجّه إهانة كبرى للجيش المصري وقادته في أثناء حفل لتكريم الأمّهات عقده حزب الحرّية والعدالة المنحلّ

مرشد لندن المؤقّت

برحيل إبراهيم منير خسرت جماعة الإخوان أكبر جسورها مع الأجهزة الدولية، حتى بالمقارنة مع يوسف ندا وعصام الحداد، إذْ لا يوجد أحد له صلات بعواصم الغرب ومؤسّساته مثل إبراهيم منير، وسوف ينعكس ذلك بالضرورة على التنظيم الدولي للجماعة.

مرشد لندن الجديد هو شخص محدود جدّاً، وكادر بدائي تتوقّف إمكاناته عند تنفيذ المهامّ الموكلة إليه. وقد سبق له أنْ وجّه إهانة كبرى للجيش المصري وقادته في أثناء حفل لتكريم الأمّهات عقده حزب الحرّية والعدالة المنحلّ، وكان “الزايط” وقتذاك عضواً في مجلس شورى الجماعة.

يزعم مرشد إسطنبول أنّه القائم بأعمال المرشد بناءً على كوْنه عضو مكتب الإرشاد الوحيد خارج السجن، والأحقّ بالمنصب طبقاً للائحة الجماعة، ويزعم مرشد لندن الجديد أنّه كان نائب مرشد لندن الراحل إبراهيم منير والأحقّ بخلافته

ألقى مرشد لندن الجديد قصيدة في ذلك الحفل، في أثناء حكم الإخوان في مصر، وصفَ فيها قادة الجيش بالقراصنة واللصوص وقت السلم، ونسب إليهم الجُبن والفرار وقت الحرب، ووجَّه إهانة كبيرة لقائد الجيش.

في ذلك الحفل وقف مرشد لندن، وبكلّ ما يملك من ثقل ظلّ، قائلاً: “في السِّلم تراهم قرصاناً، في الحرب خزايا فُرَّاراً.. ما قيمة جيشٍ من أُسدٍ، إنْ كان يقودهم الفارُ”.

إنّ عمل مرشد لندن الجديد مع المرشد السابق إبراهيم منير، ثمّ إعلان نفسه مرشداً من بعده، إنّما يؤكّدان كذب ما أعلنوه من توجُّه سياسي جديد لإخوان لندن، وعزمهم ترك الصراع على السلطة، إذْ أصبح أحد أكثر قادتهم جهلاً وتطرّفاً مرشداً في لندن!

سيّارات وإحباط

اتّهامات الفساد بين جبهات الإخوان لا تنتهي، واتّهامات إخوان لندن لإخوان إسطنبول بالتنعّم بحياة رغدة وامتلاك سيّارات فارهة وشركات خاصة من سرقة أموال الجماعة لا نهاية لها. في عام 2019 اتّهم عضو في مجلس شورى الجماعة قادة الجبهتَيْن في لندن وإسطنبول بالفساد المالي، وإنفاق التبرّعات على أنفسهم وعائلاتهم.

وقد وصف أحد أعضاء تيار التغيير (الكماليّين) إعلان محمود حسين نفسه قائماً بأعمال المرشد، بالانقلاب على الجماعة بعد رحيل إبراهيم منير، وذلك لاستكمال السيطرة على “العزبة” وأموال التنظيم واستثماراته.

إقرأ أيضاً: سيرة بن غفير: “شارون الجديد” وزيراً للأمن الإسرائيليّ

قبل أيام نشر موقع “العربية نت” خبر انتحار شاب إخواني في إسطنبول ألقى نفسه من الطابق السابع. وحسب الموقع تمثّل هذه الحادثة حالة الانتحار الرابعة بين شباب الإخوان من جرّاء اليأس والإحباط، والمسافة الهائلة بين حياة القادة وحياة التسوّل والجوع التي يعيشها شباب الجماعة في تركيا.

إنّ العنوان العامّ للجماعة الآن هو التصدُّع الكبير: مرشدون يتصارعون، وقادة مترفون وشباب ينتحرون.. وفي قولةٍ واحدةٍ: الجماعة ضدّ الجماعة.

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…