سيرة بن غفير: “شارون الجديد” وزيراً للأمن الإسرائيليّ

مدة القراءة 7 د

“إنّه يومٌ أسوَد في تاريخ إسرائيل”. هذا التّعليق ليسَ لقناة الميادين أو المنار أو أيّ وسيلة إعلامٍ عربيّة أخرى. إنّها الجُملة التي اختارتها صحيفة “هآرتس” في تعليقها على نجاح زعيم حزب “القوّة اليهوديّة” إيتمار بن غفير في انتزاع 14 مقعداً في انتخابات الكنيست السادسة على التوالي، مطلع تشرين الثّاني المُنصرِم.

هو واحدٌ من جمع “المُهرّجين والكوميديّين” الذين وصلوا إلى السّلطة بعد خيبات الأمل التي أصيبَ بها النّاخبون في أنحاء مُتفرّقة مِنَ العالم بسبب فشل الدّيمقراطيّة الليبراليّة في التّعامل مع كثيرٍ من “القضايا الكُبرى”.

انهارَ الجدار الفاصل بين “الكوميديا وشاشة التلفاز” و”السّياسة”. صارَ النّاخبون يتواصلون مع القادة السّياسيين بالطّريقة نفسها التي يتواصلون بها مع نجوم الشّاشات من مُمثّلين ونجوم رياضة، فجاء دونالد ترامب في الولايات المُتحدة، والممثل فولوديمير زيلينسكي في أوكرانيا، وجيمي موراليس في غواتيمالا، وعمران خان في باكستان، وإيتمار بن غفير في إسرائيل.

وجَدَ نتانياهو في بن غفير جسراً إلزاميّاً للعبور نحو رئاسة الوزراء وانتزاع 61 مقعداً في الكنيست للنجاة من طوقِ المُحاكمات التي تُهدّد وجوده السّياسيّ. ووَجَد فيه أنصار “الكاهانيّة” الشّخص الأكثر تعبيراً عمّا في داخلهم

اجتمَع غُلوّ التطرّف والتهريج في شخصيّة فكانت إيتمار بن غفير، زعيم حزب “القوّة اليهوديّة” ومُرشّح زعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو لتسلّم وزارة الأمن الدّاخليّ في الكيان العبريّ، الذي وصفه الرّئيس الإسرائيليّ إسحاق هرتسوغ قائلاً: “العالم كلّه يخاف منه”.

بن غفير.. سيرة شارون تتجدّد

في السّابق ظنّ العرب أنّ آرييل شارون يمثّل قمّة الإجرام الصهيوني، جرّاء سيرته في عصابات الهاغاناه ومشاركته في مجزرة قبية في 1953، وتعذيب وقتل الأسرى المصريّين في 1967، وحصار بيروت ومجزرتَيْ صبرا وشاتيلا في 1982، واقتحامه المسجد الأقصى عام 2000، ومجزرة جنين في 2002 وصولاً إلى بناء جدار الفصل العنصريّ بين المدن الفلسطينية وتلك الإسرائيلة… حتّى ظهر إيتمار بن غفير.

أشعثُ، مُضحِكٌ، مطرودٌ من صفوف “الجيش الإسرائيلي” بسبب غُلوّه وسلوكه “الشّاذّ”. لا يترك ارتداء 3 أشياء أساسيّة تُعبّر عن شخصيّته:

1- ربطة العُنق تحت ياقة قميصه المُنحرِفة، والتي تدلّ على فكاهته وشعبويّته.

2- القلنسوة اليهوديّة فوقَ شعره غير المُسرّح، التي تدلّ على يمينيّته.

3- المُسدّس الحاضر دائماً على خاصرته، وقد رفعه يوماً في وجه أحد رجال الأمن الإسرائيليين الذين سيتولّى وزارتهم. العنف حاضر دائماً في دماغِ الرّجل الذي وَرثَ سياسة مؤسّس منظّمة “كاخ”، المُصنّفة منظّمة إرهابيّة في أميركا والاتحاد الأوروبيّ، مائير كاهانا، الذي يرى فيه “أيقونة”.

وجَدَ نتانياهو في بن غفير جسراً إلزاميّاً للعبور نحو رئاسة الوزراء وانتزاع 61 مقعداً في الكنيست للنجاة من طوقِ المُحاكمات التي تُهدّد وجوده السّياسيّ. ووَجَد فيه أنصار “الكاهانيّة” الشّخص الأكثر تعبيراً عمّا في داخلهم.

ترفضُه الولايات المُتحدة والاتحاد الأوروبيّ بسبب “كاهانيّته” التي دائماً ما ينفيها، لكنّ أقواله وأفعاله تُظهرُ العكس تماماً.

حتّى رئيس الوزراء السّابق اليمينيّ المُتطرّف الذي يرفع شعار العداء للعرب نفتالي بينيت رفضَ مُشاركته في ائتلافٍ واحدٍ بسبب رفع بن غفير صورةً لجزّار الحرَم الإبراهيمي باروخ غولدشتاين في مكتب. يقول بينيت: “رفضي التّرشّح مع بن غفير أمرٌ بديهيّ جدّاً. أنا مُندهشٌ من الحال التي وصلنا إليها. فهل صارَ علينا تقديم مُبرّرات لرفض التّرشّح مع شخصٍ بمواصفات بن غفير؟”.

يشرحُ موقف بينيت الكثير عن بن غفير. يحمل رئيس الوزراء السّابق إيديولوجية مُتطرّفة لا لَبسَ فيها. فهو مُناصر تاريخيّ لاعتبار “أرض إسرائيل الكبرى” دولةً “قوميّةً للشّعب اليهوديّ”، ويرفض منح الحقوق للعرب القاطنين ضمن حدود الـ48، ويميل دائماً نحو الرّدّ العسكريّ والأمنيّ لا السّياسيّ.

لم يتحمّل الجيش الإسرائيليّ، على الرغم من مُمارساته العنصريّة ضدّ العرب، وجود بن غفير ضمنَ صفوفه، فأعفاه لدى بلوغه سنّ الـ18 من الخدمة العسكريّة بسبب سجلّه الجِنائيّ وأفكاره “المُتطرّفة”

من هو إيتمار بن غفير؟

وُلِدَ في 1976 لأبوَيْن مُنحدِرَيْن من كردستان العراق. كانت والدته شوشانا عضواً في مُنظّمة “الإتسيل” التي شاركت في قتل وتهجير الفلسطينيين أيّام النّكبة. لم تكُن نشأة إيتمار في منزل أبويه دينيّة، لكنّ أُسرته لم تُعارضه يومَ قرّر “التّوبة والعودة إلى الرّب”، بحسب المفهوم اليهوديّ، بعدَ توقيع “اتفاقيّة أوسلو” بين السّلطة الفلسطينيّة والحكومة الإسرائيليّة.

مع بلوغه 16 عاماً، انضمّ إلى صفوف “كاخ” وانحازَ إلى آراء مائير كاهانا المُحرِّضة على العنصريّة ضدّ العرب، وروّج لمُقترحات إلغاء المواطنة لغير اليهود، وحظر الزّواج والعلاقات الجنسيّة بين اليهود وغيرهم من الطّوائف والأمم.

استمرّ في تأييد “كاخ” على الرّغم من حظر المُنظّمة سنة 1988 في الكيان العبريّ. وبقيَ مائير كاهانا مُنظّراً للمُتطرّفين الدّينيين الذين يعتبرون أنفسَهم شريحةً محرومة، وكان بن غفير واحداً منهم.

لم يتحمّل الجيش الإسرائيليّ، على الرغم من مُمارساته العنصريّة ضدّ العرب، وجود بن غفير ضمنَ صفوفه، فأعفاه لدى بلوغه سنّ الـ18 من الخدمة العسكريّة بسبب سجلّه الجِنائيّ وأفكاره “المُتطرّفة”. إذ وجدَ في الشّابّ المُتهوّر “خطراً حقيقيّاً”. أمّا هو فوصَفَ ذلك بأنّه “خسارة للجيش”.

واليوم صارَ المطرود من الجيش الإسرائيليّ مُرشّحاً لتولّي وزارة الأمن الدّاخليّ.

على الرّغم من المسيرة “الحافلة” بقِيَ شخصيّة سياسيّة على الهامش. ترشّح في عام 2019 بعد حظر ترشيح بن آري، ولم تصل قائمته إلى العتبة الانتخابيّة لدخول الكنيست، وكذلك في انتخابات آذار 2020

كيف دخل الكنيست؟

على الرّغم من المسيرة “الحافلة” بقِيَ شخصيّة سياسيّة على الهامش. ترشّح في عام 2019 بعد حظر ترشيح بن آري، ولم تصل قائمته إلى العتبة الانتخابيّة لدخول الكنيست، وكذلك في انتخابات آذار 2020.

بعد انتخابات سنة 2020، شهِدَت السّاحة السّياسيّة الإسرائيليّة مُتغيّرات نتَجَ عنها إعادة تشكيل المواقف. انسحَبَ حزب “البيت اليهوديّ” بقيادة نفتالي بينيت من تحالف “يمينا”، وانضمّ إلى ائتلافٍ واسع مع اليسار والوسط والقوى العربيّة لإسقاط حكومة نتانياهو. كان هذا التّحوُّل لمصلحة بن غفير وحليفه قائد “الاتحاد الوطنيّ” بتسلئيل سموتريش، اللذين انضمّا إلى نتانياهو، وساهم في “الصّعود التّاريخيّ” لبن غفير.

ساهمَ أيضاً في صعوده أنّه استغلّ مشاعر الضّعف لدى شريحة كبيرة من النّاخبين الإسرائيليين الذين شعروا “بالخوف” بعد الانتفاضة العربيّة في المناطق المُختلطة بين اليهود والعرب أثناء مواجهات غزّة في أيّار 2021. يومذاك فشلَت الشّرطة الإسرائيليّة في احتواء الاشتباكات، فوجدَ المُستوطنون بن غفير وأنصاره ينزلون إلى الأرض في وجه العرب المُنتفضين. وجدَ فيه المتطرّفون والشّبابُ الأرثوذكسيّ تمرّداً أكبر مِمّا كانوا يجدون لدى نفتالي بينيت وأييليت شاكيد.

سلوكٌ طائش ومُتطرّف

من أخطر الخطوات التي قامَ بها وكادت تُشعل مواجهةً واسعة سنة 2022، كان أن نظّم “مسيرة الأعلام” في رمضان الماضي، الذي استدعى أن يحظرَ رئيس الوزراء يومذاك نفتالي بينيت مرور المسيرة في منطقة باب العامود الفلسطينية بالقدس، بعد تدخّلات دوليّة وإقليميّة.

إقرأ أيضاً: الفلسطينيّون والمسجد الأقصى: كابوس بن غفير

تشير كلّ سلوكيّات بن غفير إلى أنّه يسعى إلى تحويل الخطاب المُتطرّف المُعادي للعرَب ومؤسّسات الدّولة إلى روتين يوميّ مألوفٍ. تؤكّد هذا الأمر إيديولوجيّته السّاعية إلى “تطهير إسرائيل من الأغيار”.

السؤال: هل ينجح نتانياهو بحفظ التوازنات السّياسيّة في الكيان العبريّ من تأثير طموحات بن غفير وطيشه الدّائم الذي باتَ مُسلّحاً بـ14 نائباً أم يجد “بي بي” نفسه مُجبراً على مُجاراتِه خوفاً من انهيار الائتلاف؟

الجواب في القدسِ وأحيائها والضّفّة الغربيّة ولدى عرب الدّاخل.

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…