الفلسطينيّون والمسجد الأقصى: كابوس بن غفير

مدة القراءة 6 د

يقف الفلسطينيون على أعتاب مرحلة سياسية جديدة تظهر معالمها في اتفاق بنيامين نتانياهو مع المتطرّف إيتمار بن غفير على تشكيل الحكومة الجديدة، مقدّماً له منصباً غير مسبوق: وزير الأمن القومي، بعدما جرى تغيير اسم وزارة الأمن الداخلي والشرطة للمرّة الأولى إلى وزارة الأمن القومي.

مَن رئيس وزراء إسرائيل؟

بموجب اتفاق نتانياهو وبن غفير، سيتولّى الأخير منصبه الأمني مع صلاحيات واسعة، تشمل السيطرة على قوات حرس الحدود المنتشرة في الضفّة الغربية، والتي من أهمّ مهامّها المشاركة في فضّ التوتّرات فيها وإخلاء البؤر الاستيطانية اللذان كانا من مهمّات الجيش الإسرائيلي. ووفقاً للاتفاق بين نتانياهو وبن غفير سيتمّ إنشاء “الحرس الوطني” على نطاق واسع، وسيحصل بن غفير على صلاحيّات مطلقة على قوات “هسايرت هيروكا” المسؤولة عن إنفاذ القانون في ما يتعلّق بالاستيلاء على ما تعتبره إسرائيل “أراضي الدولة”،  ومن بينها النقب.

بموجب اتفاق نتانياهو وبن غفير، سيتولّى الأخير منصب وزير الأمن القومي، مع صلاحيات واسعة، تشمل السيطرة على قوات حرس الحدود المنتشرة في الضفّة الغربية

تتوزّع حاليّاً صلاحيّات السيطرة على تلك القوات على:

– “ذراع الإنفاذ” التابع للسلطة على الطبيعة والمتنزّهات التابعة بدورها لوزارة البيئة.

 – السلطات التنفيذية لِما يسمّى “سلطة الأراضي” التي تعارض البناء غير القانوني، ولا سيّما من قبل البدو الفلسطينيين في النقب.

اتّهم بيني غانتس وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي (الدفاع) نتانياهو بالسماح لبن غفير بتشيكل جيش خاص في الضفة الغربية، معتبراً أنّ “سلوك نتانياهو اعتراف بأنّ رئيس الوزراء الحقيقي سيكون بن غفير”.

اقتلوه: أنا القانون

بعد بضع ساعات على هذا الاتفاق، وُثّقت حادثة إقدام جندي إسرائيلي من لواء “جفعاتي” على ضرب ناشط يساريّ في الخليل، فيما زميله يشرح أمام الكاميرا أنّ “بن غفير سيقيم نظاماً في هذا المكان: أكتلوه (أقتلوه). أنا الذي أضع القانون هنا”.

حسب المراقبين الفلسطينيين، فقد حقّق بن غفير كلّ ما سعى إليه. وسيعمل على تغيير الوقائع في الضفة الغربية:

– الترخيص لبناء مستوطنات جديدة.

– منح الجنود الإسرائيليين تصريحاً غير محدّد لاستخدام القوّة ضدّ الفلسطينيين.

ولم يتردّد المتطرّف إيتامار بن غفير في الحديث عن أنّه سيعمل على تغيير ما وصفه بـ “السياسات العنصرية” ضدّ المستوطنين في الحرم القدسيّ، والسماح للمستوطنين بالصلاة بحرّيّة في الأقصى.

من جهتها حذّرت السلطة الفلسطينية على لسان وزارة الخارجية من مساعي بن غفير إلى تغيير “الوضع القائم” في الأقصى، وقالت: “الاتفاقيات التي وقّعها نتانياهو مع بن غفير تعطي الأخير صلاحيّات واسعة لممارسة سياسته ومواقفه الاستعمارية العنصرية ضدّ المسجد الأقصى المبارك، وإحداث تغييرات جذرية واسعة النطاق على الواقع التاريخي والقانوني القائم”. ولفتت إلى “مفاهيم ورؤى تدعو إلى تحويل طابع الصراع من سياسي إلى ديني” يحملها اليمين واليمين المتطرّف اللذان نجحا في انتخابات الكنيست. وأكّدت أنّ أيّ تغييرات في واقع المسجد يُعتبر “تهديداً مباشراً بتفجير المنطقة برمّتها”. وتحشد جماعات “الهيكل” لتنفيذ اقتحامات جماعية واسعة للمسجد في عيد “الحنوكاه” (الأنوار) الذي يحتفل به اليهود في 18 كانون الأول لمدّة ثمانية أيام.

حرب دينيّة

في الجانب الإسرائيلي، رأى مسؤولون سابقون شغلوا مناصب رفيعة في المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيلية أنّ تعيين إيتمار بن غفير وزيراً للأمن الداخلي، بعد تغيير اسم هذه الوزارة إلى “وزارة الأمن القومي”، قد يؤدّي إلى “إشعال المنطقة”، و”تفاقم الوضع” في المسجد الأقصى. ووصف رئيس معهد السياسات والاستراتيجية اللواء في الاحتياط عاموس غلعاد تعيين بن غفير مسؤولاً عن قوات “حرس الحدود” العاملة في الضفة المحتلّة بأنّه “وصفة” لإحداث “كوارث”، ولإشعال الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية، وذلك بسبب تعامل بن غفير مع “جبل الهيكل” في الحرم القدسيّ. وحذّر غلعاد من نشوب حرب دينية بسبب قنبلة الحرم القدسي، الذي ينوي بن غفير إشعال فتيلها، مشدّداً على أنّه سيكون لذلك “تأثير دراماتيكي” على العلاقات مع الأردن.

وفقاً للاتفاق سيتمّ إنشاء “الحرس الوطني” على نطاق واسع، وسيحصل بن غفير على صلاحيّات مطلقة على قوات “هسايرت هيروكا” المسؤولة عن إنفاذ القانون في ما يتعلّق بالاستيلاء على ما تعتبره إسرائيل “أراضي الدولة”

من جانبه، رفض النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار يير، فكرة منح وزير في الحكومة صلاحية توجيه أوامر عمليّاتيّة لقوات “حرس الحدود” العاملة في الضفّة الغربية المحتلّة، وقال إنّه “عندما يتلقّى حرس الحدود أمراً بالعمل في يهودا والسامرة، خلافاً للحاجة إلى تفعيل القوّة التي يقرّرها القائد العسكري للمنطقة أو رئيس أركان الجيش، فستنشأ فوضى أمنيّة”، معتبراً أنّ “إخضاع القوات العملياتية لشخصية سياسية لا لرتبة عسكرية سيجعلها تعمل وفقاً للاعتبارات الشخصية أو السياسية”.

إرهاب التلال

في إطار موازٍ، طالب المتطرّف سموتريتش بإجراء عملية مكمّلة لنجاح بن غفير من خلال نقل الإدارة المدنية إلى مسؤوليّته كوزير مستقبلي للمالية. ولا يدور الحديث هنا عن زيادة صلاحيّات، بل محاولة السيطرة على هدف بعيد المدى لقيادة المستوطنين: السيطرة على المخزونات الموجودة، ورسم الخرائط، وتوسيع النشاط الاستيطاني، مقابل تقييد البناء الفلسطيني في الضفّة الغربية.

حاليّاً تتولّى وزارة الدفاع المسؤولية الكاملة عن الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، فهي المكلّفة بمنح تصاريح عمل للفلسطينيين وإصدار رخص بناء للفلسطينيين والمستوطنين في المنطقة “ج” التي تُقدّر بنحو 60 في المئة من مساحة الضفّة.

إلى ذلك قالت حركة “السلام الآن” اليسارية الإسرائيلية: “نحن ننتقل من سياسة الضمّ الزاحف والتراخي في تطبيق القانون في الضفة الغربية، إلى الضمّ التوربينيّ والدعم الكامل لإرهاب التلال”. ويُقصَد بـ”إرهاب التلال” هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية وإقامة البؤر الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية الخاصة وسط تراخي الجيش الإسرائيلي في فرض القانون على المستوطنين، كما تقول المؤسّسات الحقوقية الإسرائيلية.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تعترف بعد 40 عاماً: تفجير صور “فدائي” وليس “انفجار غاز”

حسب صحيفة “هآرتس” العبرية فإنّ أولويّة التحالف الذي عقده نتانياهو مع اليمين المتطرّف في حكومته الأولى ستكون القيام بتغيير منظومة القضاء من أساسها كي ينجو من دخول السجن. ولتحقيق هذا الهدف، تبقى كلّ الوسائل مباحة، ومنها الانضمام إلى العنصريين والتنازل عن صلاحيات حاسمة مع خطر واضح: تدهور الوضع الأمني في الضفة.

*كاتبة فلسطينية

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…