يواجه حزب الله في هذه المرحلة تحدّيات جديدة داخلية وخارجية تدفعه إلى اعتماد خارطة طريق جديدة وغير معلنة للحفاظ على مكاسبه الاستراتيجية التي حقّقها طوال السنوات الأربعين من تاريخ تأسيسه حتى اليوم. وهو يريد الاحتفاظ بكلّ أوراقه القويّة بلا تخلّيه عن ثوابته الأساسية، لكن باعتماده المرونة والبراغماتية وعدم الصدام مع الخطوط الحمر التي واجهها في السنوات الأخيرة. ولذلك يحرص الحزب إياه اليوم على الانفتاح والحوار مع جميع الأطراف الداخلية والإمساك بالعصا من الوسط، ولا يرفض الجلوس إلى طاولة حوار مشتركة حتى مع من ناصبوه العداء وهاجموه بقوة خلال المرحلة الأخيرة (القوات اللبنانية، وحزب الكتائب، وبعض المجموعات السيادية والتغييرية).
يواجه حزب الله في هذه المرحلة تحدّيات جديدة داخلية وخارجية تدفعه إلى اعتماد خارطة طريق جديدة وغير معلنة للحفاظ على مكاسبه الاستراتيجية التي حقّقها طوال السنوات الأربعين من تاريخ تأسيسه حتى اليوم
التوافق والمشاركة
كانت موافقة حزب الله على المشاركة في العشاء، الذي كانت ستقيمه السفارة السويسرية قبل حوالي أسبوعين بحضور ممثّل القوات اللبنانية والنواب التغييريين وشخصيات أخرى على خلاف معه، خطوة ذكية منه لتأكيد أنّه حاضر للحوار والنقاش مع الجميع. وكان أعلن استعداده للحوار الذي كان سيدعو إليه الرئيس نبيه برّي وجرى إلغاؤه بعد رفض القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر المشاركة فيه.
من يتابع ما يجري في مكاتب حزب الله في الضاحية الجنوبية (مقرّ كتلة الوفاء للمقاومة، المجلس السياسي، المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، مقرّ لجنة التنسيق، مقرّ وحدة العلاقات الإعلامية)، إضافة إلى المقرّات غير المعلنة حيث يستقبل أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله زوّاره، يلحظ الحركة المكثّفة من الزوّار السياسيين والدبلوماسيين والحزبيين والأمنيين والإعلاميين والشخصيات الأكاديمية، الذين يسألون عن مواقف الحزب ورؤيته للمرحلة المقبلة ومواقفه من الانتخابات الرئاسية والتطوّرات في الداخل والخارج.
يضاف إلى ذلك الحركة الكثيفة التي يقوم بها مسؤولو الحزب تجاه مختلف الأطراف والجهات من مرجعيات دينية وقوى سياسية، والمشاركة في الحوارات واللقاءات، وذلك لتعزيز التواصل والحوار مع الجميع، مع الحرص على الهدوء في الخطاب الإعلامي وإبقاء خطوط الحوار مع الجميع لتهدئة الأجواء المتشنّجة، ولا سيّما في الأيام الأخيرة التي سبقت وتلت انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون.
حلفاء ولا أعداء
ماهي القاعدة الأساسية التي يعتمدها الحزب في هذه المرحلة؟
الحزب اليوم مطمئنّ للتغيّرات الداخلية والخارجية. فهو تجاوز الكثير من المطبّات التي عانى منها في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من انتهاء عهد حليفه القويّ العماد ميشال عون، فهو يعتمد اليوم استراتيجية أساسية كي يكون الأقوى في المرحلة المقبلة
في المعركة الرئاسية ما يزال الحزب يعتمد قاعدة إبقاء كلّ الخيارات مفتوحة، بحيث لا يحسم القرار النهائي بتبنّي أيّ مرشّح قبل وضوح الرؤية داخلياً وخارجياً. فهو حريص على حليفَيْه الرئيسين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وأيّ قرار سيتّخذه مستقبلاً سيكون من خلال التنسيق معهما وبالتوافق بينهما. لكنّه في الوقت نفسه يحتفظ بالأوراق الأخرى ولا يفرّط بها ولا يعلن أيّ موقف رافض لأيّ شخصية توافقية، مع اعتماد قاعدة أساسية: رفض مرشّح التحدّي والدعوة إلى توافق داخلي.
وما يزال الحزب يعتمد في رؤيته وأدائه الداخليَّين القواعد التالية:
أوّلاً: حماية التحالف الاستراتيجي مع حركة أمل والرئيس نبيه بري، ورفض الانجرار وراء الاقتتال الشيعي الداخلي مهما كانت التباينات أو الخلافات التفصيلية.
ثانياً: حماية الوحدة الإسلامية ورفض أيّ سجال أو صراع مذهبي، والعمل على لملمة أيّ مشكلة سياسية أو أمنيّة حتى لو كان ذلك على حسابه، كما حصل في أكثر من محطة، مع تعزيز العلاقات مع كلّ الأطراف الإسلامية، سواء كانت رسمية أو حزبية، والابتعاد عن أيّ سجال يؤدّي إلى التوتّر، وخصوصاً بشأن اتفاق الطائف أو تغيير النظام أو تعديله.
ثالثاً: حماية الوحدة الوطنية ورفض أيّ صراع إسلامي-مسيحي أو شيعي-مسيحي، وإعادة التواصل مع المرجعيات الدينية المسيحية، ولا سيّما البطريركية المارونية، وتعزيز التواصل مع كلّ الفاعليّات المسيحية في مختلف المناطق اللبنانية، وعدم القطيعة مع أحد والحرص على الاستماع لكلّ الهواجس والمخاوف بهدوء.
استراتيجية السلاح
هذه هي القواعد الأساسية التي يعتمدها الحزب حاليّاً، وهمّه الأساسي حماية الاستقرار الداخلي وتجاوز الأزمات الداخلية مع حماية استراتيجيته الأساسية: سلاح المقاومة ودوره الإقليمي، مع الاستعداد للحوار مستقبلاً في الاستراتيجية الدفاعية عندما يحين الوقت المناسب.
إقرأ أيضاً:
الحزب اليوم مطمئنّ للتغيّرات الداخلية والخارجية. فهو تجاوز الكثير من المطبّات التي عانى منها في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من انتهاء عهد حليفه القويّ العماد ميشال عون، فهو يعتمد اليوم استراتيجية أساسية كي يكون الأقوى في المرحلة المقبلة وشريكاً أساسياً في صوغها بكلّ تفاصيلها. وهو يمتلك الأوراق القوية التي يقدر على الاستفادة منها لتحقيق أهدافه، وحاضر للتسويات والتوافقات الداخلية عندما يحين وقتها.