طلال المرعبي: فلنطبّق الطائف أولاً.. المس به يهدّد السلم الأهلي

مدة القراءة 9 د

33 سنة على إقرار اتفاق الطائف. شُنّت حروب وصيغت مؤامرات لإسقاطه. تساقط البعض من المتآمرين، والبعض الآخر بدأ بالتراجع معلناً تمسّكه به مباشرة أو بالواسطة. إلا ان اتفاق الطائف بقي هو الحلّ. الخشبة الوحيدة التي يمكن لنا كلبنانيّين التعلّق بها للنجاة بوطننا وسط هذه الأمواج العاتية. لافتاً كان المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان عندما أعلن الاسبوع الفائت التمسّك باتفاق الطائف وبوجوب تنفيذه، ناسخاً بذلك كل دعواته السابقة لتغيير النظام، ومتراجعاً عنها.

“تطبيق الطائف” ليس مطلباً بل هو حاجة وطنية ووصفة وحيدة كي يبقى لنا وطن اسمه لبنان.

من هنا يفتح “أساس” ملف “تطبيق الطائف” في الذكرى الـ33 على إقراره، وذلك من خلال سلسلة مقالات وحوارات مع شهود على ولادته، وحرّاس على تطبيقه. حوار اليوم مع أحد الشهود على الحوارات وكواليس الاتفاق، النائب السابق طلال المرعبي. 

 

“المس بالطائف مسٌ بالسلم الأهلي”. بهذه الكلمات يختصر النائب السابق طلال المرعبي كل ما قيل ويُقال عن اتفاق الطائف في الذكرى 33 لإقراره.

عضو “لجنة العتالة” البرلمانية التي صاغت التعديلات الدستورية بناء على ما اتُفق عليه بين النواب في الطائف، يقول لـ”أساس”: “الطائف جاء بعد 200 أو 300 ألف قتيل واقتتال جرف البلد. ونحنُ كنّا أمام أمرين: إما أن نتفق وإما أن نعودَ إلى لبنان بلا اتفاق، ويخرب البلد نهائياً. لذلك كل واحد منّا ومن كل الفرقاء قدّم تنازلات من هنا وهناك. والاتفاق يحفظ الجميع. وبكل صراحة الجميع وافق على الطائف، كل الطوائف وكل المسؤولين وكل المرجعيات السياسية والدينية”.

“تطبيق الطائف” ليس مطلباً بل هو حاجة وطنية ووصفة وحيدة كي يبقى لنا وطن اسمه لبنان

الدور السعودي

يدافع النائب المرعبي عن لبنانية الاتفاق فيقول: “الاتفاق لبناني وجاء بناءً على توافق اللبنانيين بكل طوائفهم ومذاهبهم. المملكة العربية السعودية لعبت دوراً أساسياً لأنها دعتنا إلى الطائف. هناك من يتحامل عليها، وأنا شاهد من شهود الاتفاق. دور المملكة كان المحافظة على لبنان وعلى وحدته وسلامة أراضيه، وحرصها على أن يتفق اللبنانيون. الضغوط التي مورست في الطائف كانت فقط تحت شعار: لا نريدكم أن تختلفوا ويجب أن لا تخرجوا من هنا مختلفين لأنكم إذا اختلفتم سيخرب البلد”.

ويتابع النائب المرعبي لـ”أساس”: “المملكة العربية السعودية كانت الحافظ، حاولت بكل جهدها ألا نخرج مختلفين وبذلت كل الجهود المطلوبة، وفعلاً حصل تشاور بينها وبين كل الدول العربية، وكل ما قامت به المملكة هو خدمة للبنان من دون أي مقابل. المشكلة اليوم أنّ وجوهاً جديدة وطبقة سياسية جديدة، مع احترامي لها، لا تعرف هذه الأمور. يتطلّعون الى الأمور بمنظار يختلف عمّا حصل، ويعتبرون أن السعودية لها أهداف خاصة. ما هي أهداف السعودية؟ أهدافها المحافظة على لبنان. أنا أحد الأشخاص المقرّبين من المملكة وعلى تواصل معها من أجل المصلحة اللبنانية. لم يطلبوا منّي شيئاً في كل الاستحقاقات. كنت حرّاً بأن أقوم بما أريد. عمقنا عمق عربي وعمق خليجي بشكل خاصّ، لقد وقفت دول الخليج الى جانبنا في الأوقات الصعبة. لم يتركوا لبنان في أحلك الظروف ولن يتركوا لبنان مطلقاً”.

 

لم نقبل برئيس حكومة “رهينة” أحد

ينفي النائب المرعبي ما يُقال عن تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية في الطائف: “اختاروني في مؤتمر الطائف لأكون عضواً في لجنة صياغة الدّستور، وكانت تضم من كل طائفة مجموعة من النواب. كنت أنا وجميل كبّي ونزيه البزري ممثّلين للسُنّة. عملنا على تعديلات دستوريّة تتعلّق بصلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات رئيس الحكومة، ونقل السلطة الإجرائية إلى مجلس الوزراء. الحرب الأهلية قبل الطائف قامت بسبب أنّ الطوائف الإسلامية اعتبرت نفسها مغبونة. اتفقنا على هذه التعديلات، لكن مع المحافظة على صلاحيات رئيس الجمهورية. وأُعطيَ أحياناً أكثر ممّا كان يملك، وما يقوله البعض من أنّ هناك صلاحيات نُزعت منه ليس صحيحاً”.

يتابع: “اتفقنا جميعاً على آليّة اختيار رئيس الحكومة. بدايةً، قُدِّمَت اقتراحات، أوّلها أن يُكلّف رئيسُ الجمهورية رئيسَ حكومة، وخلال شهرين إذا لم يُشكّل حكومة يعتذر ويُكلَّف شخص آخر. وقفنا ضدّ هذا الاقتراح، لأنّه يمكن أن يمتنع رئيس الجمهورية عن توقيع التشكيلة الحكوميّة، وهذا حصل فيما بعد، إذ كانت تمرّ فترة أشهر كلّما رفع رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية تشكيلة يرفضها، فيماطل هذا الأخير إلى أن يُبدّلها رئيس الحكومة. بعد ذلك، طُرِحَت فترة ثلاثة أشهر، فقلت لهم إنّ الأمر ليس مساومة. المبدأ مرفوض. رئيس جمهورية يُنتخب لمُدّة 6 سنوات ويبقى فوق المُحاسبة، ورئيس مجلس النواب يُنتخب لمدّة 4 سنوات ويبقى بعيداً عن “الإزاحة”، لماذا يكون رئيس الحكومة رهينة؟ واقترح أيضاً إنّه في حال لم يُشكّل الرّئيس المُكلّف الحكومة خلال شهرين أو ثلاثة يُطرح الموضوع على مجلس النواب الذي يختار رئيس حكومة جديداً بالاقتراع السرّي. وأيضاً رفضتُ هذا الاقتراح. وكنتُ على تنسيقٍ كامل مع “الشيخ” رفيق الحريري الذي كان مواكباً لاجتماعات الطائف.

 

يحذّر المرعبي من الدعوات الى تعديل الاتفاق: “اتفاق الطائف لم يُنفّذ بشكل كامل، وتنفيذه كان سيّئاً، وما يُسمّى بالترويكا التي وجدت في الـ92 كان خطأ لأنّنا في نظام أساسه فصل السلطات

وضع رئيس الحكومة

كان “الشيخ رفيق” حاضراً مع وزير الخارجية السعوديّ الرّاحل الأمير سعود الفيصل. وبعد جدالٍ طويل قلت لأعضاء اللجنة إنّ على رئيس الحكومة أن يكونَ حرّاً وغير مُقيّد بالوقت أو الظّروف، ومن مصلحة رئيس الحكومة أن يُسرِع بتشكيل الحكومة وليس أن “يحفظَ” التكليف في جيبه. وكان رأيي في الطّائف، ولا يزال، أنّه ينبغي عدم محاسبة رئيس الحكومة، إذ إنّه قد يتعرّض لأسباب سياسيّة لطرح الثّقة به أو بحكومته أو بأيّ وزير منها بعد أسبوع أو ساعات من نيلها الثّقة. لم يعد بالإمكان التهاون بهذا الموضوع. كل رئيس عنده صلاحياته، وكما حافظنا على صلاحيات ومكانة رئيس الجمهورية وصلاحيات ومكانة رئيس مجلس النواب، علينا المحافظة على صلاحيات ومكانة رئيس مجلس الوزراء. في النّهاية اتفقَ الجميع على أن لا يكون رئيس الحكومة مقيّداً بمدّة محدّدة لإنهاء عملية التأليف. طبعاً كان الدفاع عن هذا الطرح في حينها من خلال التأكيد أنّ رئيس الحكومة لن يضع التكليف بجيبه ويذهب “يكزدر”، فالرجل من مصلحته أن يشكّل الحكومة”.

يتّهم المرعبي بعض الساسة اليوم بجهلهم اتفاق الطائف: “الذين يتحدّثون اليوم لا يعرفون ما هو اتفاق الطائف ولا كيف تمّت صياغته وتوقيعه. للأسف أنا أقول هذا الكلام لأنه ينبغي أن يُقال. ماذا يريدون أن يغيّروا فيه؟ كل دول العالم كانت شاهدة على هذا الاتفاق، واجتمع الشرق والغرب والأميركيّون والسّوريّون على قبوله. كلّ العالم كان موجوداً في اتفاق الطائف، ولذلك أخذت صيغته قوّة واعتُبر الحل الوحيد”.

التكليف والتأليف

ويكمل: “وقّعنا اتفاق الطائف لنقل الدولة من سياسة المحاصصة والمحسوبيات والمزارع الى دولة المؤسسات من خلال تحديد صلاحيات كل رئيس. لكن للأسف كثير من النّقاط لم يُنفّذ. ومن الأمور التي تحتاج إلى توضيح أنّ مجلس النّوّاب لا يستطيع أن يسحب التّكليف من رئيس الوزراء. هناك فرق بين التسمية والانتخاب، هم سمّوه واختاروه ليكون رئيساً للحكومة ولن تكون لهم أيّ صلاحية تجاهه بعد أن يصدر مرسوم تكليفه تشكيل الحكومة. لم يعد بإمكان أحد أن يفعل شيئاً إلا رئيس الحكومة نفسه في حال اختار أن يعتذر تماماً كما فعل الرّئيس سعد الحريري. وحسناً فعل لأنه لا يجوز أن يبقى رئيس حكومة أشهراً دون تشكيل حكومة. وأيضاً لا يجوز أن يُحصر بوقت معيّن. أمّا مسألة الاستشارات النّيابيّة فهي واضحة. هناك 6 حالات تُعتبر فيها الحكومة مستقيلة حسب الدّستور، وعند حصول أيّ واحدة منها ينبغي فوراً على رئيس الجمهورية الدعوة الى استشارات نيابية مُلزمة بنتائجها.

وفوراً تعني أقرب وقت ممكن، أي يوماً أو اثنين أو ثلاثة، لكن انتظار الوقت لـ”التوافق” ومعرفة الاسم سلفاً، فهذا بدعة. نحن في بلد ديموقراطيّ، وهناك أكثرية وأقلية، وهناك من يريد ومن لا يريد. لا يستطيع رئيس الجمهوريّة أن يقول: لا أكلّف رئيس حكومة إلا بعد التوافق عليه”.

 

التطبيق السيء

يحذّر المرعبي من الدعوات الى تعديل الاتفاق: “اتفاق الطائف لم يُنفّذ بشكل كامل، وتنفيذه كان سيّئاً، وما يُسمّى بالترويكا التي وجدت في الـ92 كان خطأ لأنّنا في نظام أساسه فصل السلطات، وكثيراً ما خالفَ السّياسيّون هذه النّقطة الأساسيّة. اتفقنا على قانون انتخابات ولم يُنفّذ. مثلاً في أول انتخابات في الـ92 جرت الانتخابات في مناطق وفق المحافظة وفي أخرى وفق الأقضية. “ركّبوا الطرابيش كما يريدون”. كذلك قلنا إنه عند انتخاب أول مجلس نيابيّ غير طائفي يُنشَأ مجلس للشيوخ لكي ننقل الصراع الطائفي من مجلس النواب التشريعي إلى مجلس الشيوخ. كذلك بند إلغاء الطائفية السياسية لم يُنفّذ، واللامركزية الإدارية لم تُنفّذ، وهي مهمة وأساسية جداً. واستقلالية القضاء لم تُنفّذ، وحتّى المجالس التي أُنشئت، مثل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، دائماً ما كانت تخضع للتسويات. كلّ دعوات تعديل أو إلغاء الطّائف مشبوهة، ومنها ما سُمّيَ بالعشاء السّويسري. أكثر الذين يستهدفون الاتفاق لا يعرفونه ولا يعرفون تفاصيله. ليقولوا لنا ماذا يريدون أن يُعدّلوا، ونناقش ويتبيّن الصّواب من الخطأ”.

إقرأ أيضاً: الحريري لحمادة: “بدّك تروّحنا يا مروان”

يختم المرعبي حديثه: “نحن اليوم أمام استحقاق رئاسي وأولويتنا انتخاب رئيس جمهورية. يجري الرئيس الجديد استشارات نيابية ملزمة ويُكلّف رئيس حكومة جديداً وتُشكّل حكومة جديدة. هذا الرئيس وهذه الحكومة يمكن أن يدعوا إلى حوار، إلى طاولة تحت عنوان “تطبيق اتفاق الطائف”. وأي دعوة إلى حوار قبل انتخاب الرّئيس هي دعوة مشبوهة، أكانت من الدّاخل أو الخارج. خصوصاً إذا كان هدفها مناقشة الطّائف ومسألة الصلاحيات. اتفاق الطائف علينا جميعنا أن نحافظ عليه. ومن الخطر أن نفتح هذا الكتاب فنقبل بهذا ونرفض ذاك، فحينها سندخل جميعاً في المجهول”.

 

*غداً صانع الطائف إدمون رزق..

مواضيع ذات صلة

لماذا لم يُنفَّذ اتّفاق الطائف؟

كان للرئيس الشهيد رفيق الحريري كتلة نيابية واسعة ينتمي أعضاؤها إلى أديان ومذاهب ومناطق متعدّدة، وكنتُ أشغل مهمّة الأمين العامّ لهذه الكتلة. وبموجب هذه المهمّة…

اتّفاق الطائف: خريطة طريق للإصلاح في لبنان

نجحت إحدى السرديّات الخاطئة في أدبيّات السياسة اللبنانية في فرض التباس على دور اتفاق الطائف، وحملت ادّعاء أنّ اتفاق الطائف كرّس مبدأ غلبة المسلمين على…

حارث سليمان: خروج عون ينهي الانقلاب على الطائف؟

لاتّفاق الطائف حرّاس أمناء عليه. وعلى الرغم من اختلافهم سياسياً، يجمعهم إدراكهم أنّه الناظم الأمثل للحياة السياسية بين الجماعات اللبنانية والأفراد، وأنّ تمزيقه أقصر طريق…

الطائف: الميثاق الأرفع من الدستور

33 سنة على إقرار اتفاق الطائف. شُنّت حروب وصيغت مؤامرات لإسقاطه. تساقط البعض من المتآمرين، والبعض الآخر بدأ بالتراجع معلناً تمسّكه به مباشرة أو بالواسطة. إلا…