العراق ومصير لبنان… وتحذير صائب سلام

مدة القراءة 5 د

لعلّ الدرس الأهمّ الذي يمكن استخلاصه من الحرب الداخليّة الشيعية – الشيعيّة القصيرة في العراق أنّ الميليشيات لا يمكن أن تبني دولة، لا في العراق ولا في لبنان. ليست الميليشيات من نوع تلك التي أنشأتها إيران وغذّتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن سوى استثمار في الفوضى وفي تدمير مؤسّسات الدولة أو ما بقي منها.

تكفي نظرة إلى الشبّان والكهول الذين ينتمون إلى التيّار الصدري وهم ينسحبون من المنطقة الخضراء في بغداد للتأكّد من حجم الانهيار الذي أصاب المجتمع العراقي. آلاف الشبّان والكهول ينفّذون، بطيبة خاطر، رغبات الزعيم، وهو هنا مقتدى الصدر، ويعودون إلى بيوتهم لمجرّد أنّه أبدى رغبة في ذلك. نفّذوا المهمّة المطلوبة منهم لا أكثر. أظهروا بكلّ بساطة أنّهم رهن إشارة الزعيم ورغباته من دون سؤال أو جواب.

هل هذا من مظاهر انهيار القيم والنظام التعليمي في العراق؟

يعطي ما شهدته بغداد يوم الإثنين الماضي فكرة عن كيفيّة سقوط الدول وكيف أنّ غير دولة في المنطقة تسير على خطى لبنان مع فارق وحيد. يكمن هذا الفارق في وجود قوى عراقيّة ما زالت مستعدّة لمقاومة إيران بسلاحها، أي سلاح الميليشيات المذهبيّة. هذا ما فعله التيار الصدري ردّاً على استفزازات “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران الذي منعه من تشكيل حكومة تتمتّع بدعم أكثريّة في مجلس النواب.

ليس معروفاً بعد هل ربحت إيران الحرب الدائرة في العراق، لكنّ الأكيد أنّ هذه الحرب تبدو طويلة، بل طويلة جدّاً في ضوء وجود أكثريّة شعبيّة عراقية ترفض استمرار وصاية “الجمهوريّة الإسلاميّة” على البلد

انقسام “المرجعيات”

لم يكتفِ التيّار بسحب نوّابه من البرلمان، بل لجأ إلى احتلال مبنى البرلمان نفسه والاعتصام فيه. كان ذلك قبل أسابيع قليلة. يوم الإثنين الماضي، حصل تطوّر جديد في غاية الخطورة عندما أعلن المرجع الشيعي كاظم الحائري الذي يقلّد محمد الصدر، والد مقتدى الصدر، تقاعده. ليس معروفاً منذ متى تتقاعد المراجع الشيعية؟ شنّ الحائري في المناسبة حملة على مقتدى وأعلن ولاءه الكامل لـ”المرشد” في “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران، علي خامنئي. ليس ما يدعو إلى العودة إلى تفاصيل ما قاله الحائري الذي استهدف مرجعية النجف لمصلحة طهران، لكنّ اللافت أنّ ردّ مقتدى الصدر كان عنيفاً عندما أرسل مناصريه إلى المنطقة الخضراء لمواجهة ميليشيات “الحشد الشعبي” التي تسيطر عليها، منذ أيّام حكومة عادل عبد المهدي،… ثمّ أعلن انكفاءه مع اشتداد المعارك وسقوط ما يزيد على ثلاثين قتيلاً في أقلّ من 24 ساعة، وثمّة من يقول أكثر من ذلك بكثير.

ليس معروفاً بعد هل ربحت إيران الحرب الدائرة في العراق، لكنّ الأكيد أنّ هذه الحرب تبدو طويلة، بل طويلة جدّاً في ضوء وجود أكثريّة شعبيّة عراقية ترفض استمرار وصاية “الجمهوريّة الإسلاميّة” على البلد. تشمل هذه الأكثريّة شيعة العراق الذين يرفض قسم كبير منهم أن يكونوا في الجيب الإيرانيّ.

لا بدّ من العودة إلى لبنان حيث انتصرت إيران في حربها على البلد الصغير. قد يكون مفيداً في هذا المجال استعادة ما ورد في مذكّرات الرئيس صائب سلام عن النشاط الإيراني الدؤوب في لبنان بعد العام 1979، وكيف عملت “الجمهوريّة الإسلاميّة” بالتفاهم مع النظام السوري من أجل القضاء على السُنّة في لبنان وصولاً إلى اغتيال الرجل سياسيّاً، عن طريق حمله على مغادرة لبنان إلى سويسرا (جنيف) في آذار 1985. لم يتردّد، في أحد المقاطع الواردة في مذكّراته، في الإشارة إلى مساعٍ “بأموال خمينيّة من أجل قيام حلف شيعي ماروني”، وهو أمر “رواه له كامل الأسعد أواخر العام 1980”.

 

“رؤيوية” صائب سلام

يشير صائب سلام إلى مناسبتين أُطلقت فيهما صواريخ في اتجاه منزله في منطقة المصيطبة البيروتيّة. قال في هذا المجال: “الثلاثاء 22 كانون الثاني 1985، وفي تمام العاشرة والنصف مساء، وبينما كنت مع تميمة (زوجته) وتمّام (نجله الأكبر) في غرفة الجلوس، هزّ المنزلَ انفجارٌ شديد وشعرنا كأنّ جزءاً من البيت قد انهار، خصوصاً أنّ صوت تكسّر زجاج الواجهات والشبابيك قد أضاف إلى صوت الدويّ أصواتاً أخرى. عندما تبيّنّا الأمر، وجدنا أنّ سيّارة وقفت شرق الدار على بعد خمسين متراً (جسر سليم سلام)، وأطلق منها أحدهم قذيفة “آر بي جي”، وعاونه آخر بإطلاق رشّة رصاص من كلاشنيكوف، فأصابا جدار المنزل الشرقيّ عند بيت السلّم، واخترقت الجدار الحجريّ فأوقعت أضراراً ماديّة”.

يضيف الزعيم اللبناني الراحل أنّ “الأمر تكرّر بعد ستّة أسابيع بنفس الطريقة تماماً، وذلك يوم الثلاثاء 12 آذار، في الساعة العاشرة والنصف مساءً أيضاً”. يروي صائب سلام أنّ “القذيفة الثانية اصطدمت كسابقتها، لحسن الحظ، بجسر حديدي خفّف من زخمها… وإلّا لأوقعت أضراراً جسيمة في أرجاء الدار”.

كم كان صائب سلام على حقّ عندما حذّر في مذكّراته مراراً وتكراراً من تأثير الفوضى في لبنان على سوريا وكلّ العرب، إذ “إنّ سوريا لمْ تدرك إلى اليوم أنّ ما توقعه في لبنان من فوضى وسيطرة المخبرين، وتمركز الإرهاب الدولي فيه، وتدفّق النفوذ الإيراني والليبي عليه، إنّما سيعود على كلّ بلد عربي بالضرر الكبير، وعلى سوريا بالذات”.

إقرأ أيضاً: حرب الاستقلال الثانية في العراق

هل ينجح العراق في إنقاذ نفسه من الهيمنة الإيرانيّة ويتفادى مصير لبنان؟

لو كان صائب سلام حيّاً لكان طرح هذا السؤال بعدما شاهد بالعين المجرّدة التغوّل الإيراني على لبنان طوال أربعين عاماً… ونجاح هذا التغوّل في تحويل البلد إلى جرم يدور في فلك “الجمهوريّة الإسلاميّة”.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…