الصّدر يتحدّى المُسدّس الإيرانيّ

2022-08-29

الصّدر يتحدّى المُسدّس الإيرانيّ

يعتبرُ الإيرانيّون العراق ركناً رئيسيّاً في “أمنهم القوميّ” وتمدّدهم نحو المشرق العربيّ، إذ إنّه البوّابة نحو برّ الشّام وساحل المُتوسّط، وكذلك البوّابة الشّماليّة للخليج العربيّ. فلن يرفعوا مخالبهم عن العراق بسهولة…

لا يخرج الحكّام، الذين يدعمهم نظام الملالي في إيران، من الحكم إلّا بالدم. فها هوذا بشّار الأسد حيّاً يرزق منذ الثورة السورية في 2011، وقبله نوري المالكي في 2013، وما بينهما الحوثيون في اليمن. ولا يفوتنا الحديث عن الحزب في لبنان، الذي واجه ثورة 17 تشرين بالقبضات والترهيب والتهديد والضرب.

الأكيد أنّ إيران ستقاوم لترسيخ نفوذها بالدماء. لا مشكلة لديها. سبق أن سبحت في دم السوريّين، وفي دم اليمنيّين، ولولا “ربط النزاع” في لبنان، واستسلام خصومها بسرعة، لسبحت في دم اللبنانيّين، وها هي تستعدّ، مجدّداً كما في 2013، للسباحة في الدم العراقي.

كشفت مصادر دبلوماسيّة عربيّة لـ”أساس” أنّ الدّول العربيّة التي تقوم بحوارات أمنيّة مع إيران وصلت إلى خُلاصةٍ أنّ نظام الملالي رسمَ خريطته لمرحلة ما بعد العودة إلى الاتفاق النّوويّ في المشرق العربيّ

قاآني يُهدّد الصّدر

يتقاطع هذا التحليل مع معلومات حصل عليها “أساس” من مصدر أمنيّ عراقيّ عن لقاء “عاصف” جمع الأسبوع الماضي زعيم التّيّار الصّدريّ مُقتدى الصّدر وقائد فيلق القُدس في الحرس الثّوريّ الجنرال إسماعيل قاآني، كان خلاله الأخير “حازماً وصارماً على غير عادته”، و”نصحَ” الصّدر بأن لا يقف في وجه النّفوذ الإيرانيّ في بلاد الرّافدَيْن لِما لذلك “من تبعات غير محمودة”.

بعد اللقاء العاصف أعلن الصّدر “اعتزاله العمل السّياسيّ بشكلٍ نهائيّ”، تزامناً مع احتلال أنصاره القصر الجمهوري في بغداد، ومبانيَ حكومية أخرى في المنطقة الخضراء. شهدت التظاهرات صدامات مع الحشد الشعبي وأنوار “الإطار التنسيقي” الذي يضم الأحزاب الموالية لإيران، نجم عنها سقوط العشرات بين قتيل وجريح. وردّ الكاظمي بإعلان حظر التجوّل، وبدأت زخّات الرصاص في العاصمة العبّاسية تنذر بفتح أبواب جهنّم على العراقيين والمنطقة.

وقد أشعلَت  إيران أمس بغداد وسقطَ العشرات بين قتيل وجريح، وذلك ردّاً على تحرّك أنصار التيّار  الصّدري باقتحام القصر الجمهوريّ واقتحام مبانيَ  حكوميّة في المنطقة الخضراء.

جاءَ هذا بعد ثلاثة أشهر من استقالة نواب التيّار الصّدريّ اعتراضاً على تعطيل العملية السياسية، وبعد أسابيع من احتلال جماهيره مبنى البرلمان، وبعد أسبوعين من ردّ إيران بحشود ميدانيّة، أعلن الصدر اعتزاله العمل السياسي “بشكل نهائيّ”.

تزامن هذا مع إعلان المرجع الديني كاظم الحائري (الذي يقلّده دينيّاً أغلب أتباع التيار الصدري) أنّه جيّر “مرجعيّته” إلى علي خامنئي، في ما يشبه “الاستسلام”. وهذه سابقة فقهيّة لدى الشيعة في كلّ العالم.

بعد عام من الانسداد الكامل في العمليّة السياسية، وبعد فوز تيّار الصدر بالانتخابات النيابية، ورفض القوى الحليفة لإيران السماح له بتشكيل حكومة، بدأ الانسداد يتحوّل إلى صراع ميدانيّ. فبعد “شارع مقابل شارع”، وتحشيد إيران أتباعها مقابل تحرّكات الصدر، سمع العراقيون اليوم أولى زخّات الرصاص، التي قال عنها رئيس حكومتهم مصطفى الكاظمي: “إذا بدأ إطلاق الرّصاص في العراق، فلن يتوقّف إلّا بعد سنين”.

إيران تقاوم التقهقر

تسمح هذه الجولة بالقول بخفر إنّ السيطرة الإيرانية في المنطقة بدأت تتزعزع. بات واضحاً أنّ “السيطرة على أربع عواصم” باتت خبراً قديماً. لم يبقَ من “عصمة” هذه العواصم الأربع شيءٌ تقريباً. لا بغداد هي الحاضرة المؤثّرة، ولا بيروت هي سويسرا الشرق، ولا دمشق هي قلب العروبة، ولا صنعاء هي درّة اليمن السعيد. يدُ إيران أينما حلّت يحلّ الخراب، وبعد الخراب جاء الإفلاس والجوع وانقطاع المياه والكهرباء، ووصلنا إلى بدء تخلخل سيطرة العسكر، وندخل في تقهقر هذا المشروع.

 

ما جدوى الحوار؟

تجنح إيران، التي لا تعرف كيف تتراجع، نحو ما تسمّيه “الحوار” كلّما شعرت أنّ السلاح لا ينفع. يقول البعض إنّها تريد “تقريش” نفوذها قبل أفوله، وربّما تريد تكريس حضورها “في السياسة”، ما دام الوجود العسكري لا يُصرف على شبابيك “القمار الدولي”.

في جلسة خاصة، كشفت مصادر دبلوماسيّة عربيّة لـ”أساس” أنّ الدّول العربيّة التي تقوم بحوارات أمنيّة مع إيران وصلت إلى خُلاصةٍ أنّ نظام الملالي رسمَ خريطته لمرحلة ما بعد العودة إلى الاتفاق النّوويّ في المشرق العربيّ.

إقرأ أيضاً: إيران “تردع” الصدر: شارع مقابل شارع

تُلخّص المصادر المتابعة لهذه الحوارات “الخريطةَ الإيرانيّة” بـ3 خطوط رسمتها طهران، كما رسم المستعمر ذات يوم خطوط سايكس بيكو. ولا تُبدي دولة الاحتلال الجديد استعداداً لمُناقشة رسوماتها، وترفض الحوار في شأنها كـ”سلّة واحدة”، أوّلها ما جرى في بلاد ما بين النهرين أمس.

أبدى الإيرانيون “ليونةً” في مُناقشة “أمن المنطقة” مع الدّول العربيّة، لكنّهم تمسّكوا لـ”آخر نفس” بالملفّ العراقيّ. كان الموقف واضحاً: “نفوذنا في العراق غير قابل للنّقاش، وسنستعيد زمام المُبادرة مهما كلّف الأمر”.

في الجزء الثاني غداً:

لبنان وسوريا في ميزان طهران

مواضيع ذات صلة

لبنان بالخيار: حرب مفتوحة أم فصل المسارات؟

هو أشبه بفيلم رعب عاشه اللبنانيون منذ يوم الثلاثاء الفائت. في الوقت الذي بدأ الحزب بتحقيقاته الداخلية للوقوف على أسباب الخرق ومن يقف خلفه، تستعدّ…

ماذا أرادَ نتنياهو من عمليّة “البيجر”؟

دخلَت المواجهة المُستمرّة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً هو الأخطر في تاريخ المواجهات بين الجانبَيْن بعد ما عُرِفَ بـ”مجزرة البيجر”. فقد جاءَت العمليّة الأمنيّة التي تخطّى…

ما بعد 17 أيلول: المدنيّون في مرمى الحزب؟

دقائق قليلة من التفجيرات المتزامنة في مناطق الضاحية والجنوب والبقاع على مدى يومين شكّلت منعطفاً أساسياً ليس فقط في مسار حرب إسناد غزة بل في تاريخ الصراع…

ألغام تُزَنّر الحكومة: التّمديد في المجلس أم السراي؟

ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة: 1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير…