منذ سنوات والحياة السياسية في إسرائيل محكومة بالرقم 60، فمَن يجتازه في سباق الانتخابات يشكّل الحكومة.
خلال السنوات الماضية حُكِمت إسرائيل بفارق صوت واحد، وفي هذه السنة تواصل حكومة تصريف الأعمال الحكم بتعادل الأصوات.
في مرحلة الاستعداد للانتخابات الخامسة تبدو استطلاعات الرأي كبطل للمشهد يتابعها المهتمّون، وهم كلّ إسرائيل وكثيرون على مستوى الإقليم والعالم، كما لو أنّها نتائج أوّلية لانتخابات ترجّح مَن سيحكم لسنوات مقبلة.
الظاهرة الثابتة هي تلك التي تفرض نفسها كلّما اقترب موعد الحسم في صناديق الاقتراع، وعنوانها ومضمونها كلّ كلمة وكلّ حركة وكلّ سكنة لا تُقاس إلا بمدى ما تستقطب من أصوات
في إسرائيل.. حياتها من أوّل يوم بعد الانتخابات إلى آخر يوم من عمر الحكومة التي تنتجها هي مجرّد حملات انتخابية تسعى إلى تحقيق هدف واحد هو اجتياز حاجز الستّين، ومن أجل كسر هذا الرقم السحري يتخلّى المتنافسون عن ثوابتهم ومبادئهم وبرامجهم، وما دام التخلّي يوصل إلى هذا الرقم فلا مانع لدى أقصى اليمين المتزمّت من أن يغازل أقصى اليسار “الخائن”.
وحكومة تصريف الأعمال الحاليّة هي النموذج الأوضح لهذه النظريّة، وإلّا فما الذي يجمع بينيت وشاكيد أقصى اليمين المتشدّد مع ميرتس وحزب العمل أقصى اليسار المرن؟ وما الذي يجعل معادلة “إلا نتانياهو” تتغلّب على معادلة “إلا منصور” بحيث ترى منصور في الحكومة وبنيامين نتانياهو خارجها؟
الظاهرة الثابتة هي تلك التي تفرض نفسها كلّما اقترب موعد الحسم في صناديق الاقتراع، وعنوانها ومضمونها كلّ كلمة وكلّ حركة وكلّ سكنة لا تُقاس إلا بمدى ما تستقطب من أصوات. ووفق هذا المقياس تتكيّف القوى فتُلقي بثوابتها وبرامجها في سلّة المهملات معتمدة على البلاغة اللغوية التي تغطّي الشيء وعكسه بذات الكفاءة، والغريب في الأمر أنّ الناخبين يتفهّمون ويتواطأون ويصوِّتون.
في حالة التعادل التي أوشكت أن تكون مزمنة ظهر مصطلح “بيضة القبّان”، التي بدونها لن يتجاوز أيٌّ من القطبين الرئيسيَّين حاجز الستّين، وهي بيضة سحرية تنتقل من مكان إلى آخر، فتارةً تكون كتلة منصور عباس الإخوانية الإسلامية التي حسمت أمر الحكومة بعد آخر انتخابات، فجعلت نفتالي بينيت رئيساً، وتارةً أخرى تكون القائمة المشتركة” لو قبلت أن تلعب لعبة منصور عباس.
في الانتخابات التي ستُجرى بعد أقلّ من ثلاثة أشهر لا أحد يعرف على وجه الدقّة أيَّ بيضة قبّان ستحسم الأمر، إذ لم يعُد عباس مضمون المكانة في هذا السياق، ولا “المشتركة” كذلك (أيمن عودة من مدينة حيفا، رئيس القائمة العربية المشتركة، وتضمّ 6 مقاعد في الكنيست من فلسطينيي 48).
“بيضات قبّان” جديدة
فقد ظهرت والسباق ما يزال في أوّله مشاريع “بيضات قبّان” جديدة سوف تفرزها الانزياحات التي ستلجأ إليها الكتل الطامحة إلى المشاركة في الحكومة، ولا يستبعد أن تكون من اليمين إلى اليمين، والكاسب في هذا السباق حتى الآن هو بنيامين نتانياهو. أمّا الغائب الأكبر في البرامج الانتخابية فهو التسوية السياسية مع الفلسطينيّين، مع أنّها كانت الحاضر الأكبر والأهمّ زمن مدريد وأوسلو. وحين تتّجه الأمور في إسرائيل يميناً، وهكذا تقول استطلاعات الرأي، فلا ميزة تُذكر لإيراد كلمة “سلام” لا من قبل اليمين المتشدّد والصريح الذي يتصدّره حتى الآن “ليكود” نتانياهو، ولا من قبل مَن يصفون أنفسهم باليسار الذي يتصدّره حتى الآن رئيس الوزراء يائير لابيد، وربّما وزير الدفاع بيني غانتس فيما بعد.
باستثناء العرب في إسرائيل، ناخبين ومرشّحين، فإنّ المؤثّر الأهمّ في الرأي العامّ اليهودي هو الأمن، والأمن المقنِع للناخب اليهودي هو الأكثر عدوانيّة وتنكيلاً بالفلسطينيين، سواء في الضفة حيث مخيم جنين، البؤرة الدائمة الاشتعال كنموذج يقتدي به المقاومون في كلّ الأنحاء، أو في غزّة حيث منصّات إطلاق الصواريخ والفصائل المسلّحة المتحالفة مع معسكر الممانعة ورأسه إيران وذراعه الأقرب حزب الله ذو الصلة العضويّة مع “حركة الجهاد الإسلامي”.
تدحرجت الأمور بقصد أو على نحو تلقائيّ فظهر خطّ جنين-غزّة ناخباً ذا وزن في الانتخابات الوشيكة. فالحكومة الحالية التي تكافح بصعوبة بالغة للاحتفاظ بذاتها، صعّدت في جنين وسائر أنحاء الضفة، وكان الهدف الأبرز أو الأكثر إثارة قائد الجهاد الإسلامي في الضفة الشيخ بسام السعدي. ونظراً إلى توقّع الردّ من غزّة فقد أرسلت إسرائيل جيشها وطائراتها ومعدّاتها الثقيلة إلى الغلاف، فإمّا ردع يتوافر من دون قتال، ويكسب غانتس المرشّح المميّز للكنيست مع احتمال تولّيه رئاسة الوزراء، وإمّا حرب ستكون أكثر شراسة من كلّ ما سبقها، إذ على نتائجها يُكسر حاجز الستّين.
إقرأ أيضاً: إسرائيل تضرب “الجهاد” في الضفّة.. وتستنفر خوفاً من غزّة
كلّ شيء تحرّكه الانتخابات ليس في إسرائيل وحدها. فحتى في الدولة الأمّ: أميركا، ليس بمحض الصدفة أن تكتشف الإدارة الديمقراطية مخبأ الظواهري وتدمّره على رأس ساكنه في قلب كابل، بينما الانتخابات النصفية الحرجة للديمقراطيين على الأبواب، وقد ينطبق المبدأ على رحلة تايوان الاستفزازية للصين، التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي.