تلقّت “حركة الجهاد الإسلامي” ضربة كبيرة بأن اعتقلت إسرائيل أحد أبرز وجوهها في الضفة الغربية، القياديّ الشيخ بسام السعدي من داخل مخيم جنين. وذلك من ضمن ضغوط متزايدة تمارسها قوات الاحتلال على عناصر “الجهاد” في مخيم جنين والضفة الغربية عموماً، أبرزها الملاحقات الأمنية، ساهمت في تضرّر قدرات التنظيم.
التقديرات الإسرائيلية تشير إلى نية “الجهاد” أن يردّ من الضفّة، لتقاسم العبء مع قطاع غزّة ومحاولة ردع إسرائيل عن الاستمرار في هذا السلوك، بحسب صحيفة “إسرائيل هيوم”. و”أعصاب قيادة “الجهاد” متوتّرة في غزّة”.
تدرك تل أبيب أنّ حركة الجهاد الإسلامي، على عكس “حماس”، ليس لديها ما تخسره، وملتزمة بالمقاومة، في حين أنّ “حماس” التي تستولي على السلطة في غزّة، محكومة بحسابات الحكم والسلطة، وملتزمة بتوفير مستلزمات الحياة للسكّان
رون بن يشاي، كبير المحلّلين العسكريين الأمنيّين الإسرائيليين قال في صحيفة “يديعوت أحرونوت” إنّ السعدي هو “الروح الحيّة لعشّ الدبابير”، وهو الذي “حوَّل مخيّم جنين من جديد إلى “معقل للمسلّحين” بتمويل إيراني واضح، وهو قد توصّل إلى اتفاقيات مع قيادة “حماس” في جنين على عمل مشترك وتشكيل غرفة عمليات مشتركة، وانضمّت إليهما منظمات وخلايا عسكرية صغيرة تتبع لحركة فتح”.
تل أبيب سارع لنقل رسالة عبر الوسيط المصري الذي يبذل جهوداً مضنية لمنع أيّ تصعيد، إلى حركة “حماس” تفيد بأنّ السيادة في قطاع غزّة تقع على عاتقها، وأنّها ستدفع الثمن أيضاً إذا سمحت بأيّ هجوم من قطاع غزة.
وبعثت حكومة الاحتلال لـ”حماس” و”الجهاد” أنّه لن يكون من فصل للجبهات، وأنّه في حال تمّ تنفيذ هجوم كبير من الضفة الغربية، فإنّ غزّة لن تكون بمنأى عن الردّ، حتى لو كان ذلك على حساب التصعيد في الجنوب، وأنّ “إسرائيل ليست معنيّة بالتصعيد، وأنّ إغلاق المعابر ليس إجراءً عقابيّاً، ولكن لضرورة أمنيّة وكجزء من إغلاق طرق ومناطق أخرى قريبة من قطاع غزّة، لكنّنا سنردّ بقوّة على أيّ محاولة لإلحاق الأذى بإسرائيل”.
وقد تأهبّت إسرائيل في مستوطنات غلاف غزّة، تحسّباً لأيّ تصعيد، فأغلقت الطرق والمحاور الزراعية، وفرضت قيوداً على حركة سكّان المستوطنات، وحظرت تحرّك المركبات العالية والمكوّنة من طابقين (الشاحنات والحافلات…) في المسارات القريبة من الحدود وأغلقت شاطئ زيكيم القريب من غزّة، وأوقفت حركة القطارات بين عسقلان وسديروت وأغلقت معبر بيت حانون “إيرز” الواصل بين غزة ومناطق الـ48 أمام حركة العمّال الغزّيّين.
تدرك تل أبيب أنّ حركة الجهاد الإسلامي، على عكس “حماس”، ليس لديها ما تخسره، وملتزمة بالمقاومة، في حين أنّ “حماس” التي تستولي على السلطة في غزّة، محكومة بحسابات الحكم والسلطة، وملتزمة بتوفير مستلزمات الحياة للسكّان، وتخشى ردّ فعل إسرائيليّاً عنيفاً.
قدّرت مصادر أمنيّة في دولة الاحتلال أنّ مخيّم جنين للّاجئين تحوّل إلى سلطةٍ مستقلّةٍ، لا يخضع لا للاحتلال، ولا للسلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة، على خلفيّة تصاعد نشاط الخلايا المسلّحة في مخيّم جنين
جنين “أرعب” إسرائيل
محلّلون في الإعلام الإسرائيلي استغربوا حالة الفزع والهلع والخوف التي سيطرت على القيادة السياسية والعسكرية. وأكّد تسفي يحزكئيلي، مُحلّل الشؤون العربيّة بالتلفزيون الإسرائيليّ، أنّه لا يتذكّر قيام إسرائيل بإغلاق جنوب البلاد، وإعلان حالة التأهّب القصوى في حالاتٍ مماثلةٍ، حتى عندما كانت تل أبيب تقدم على اغتيال قادةٍ من المقاومة الفلسطينيّة أكبر شأناً وقيمةً وتأثيراً من الشيخ السعدي.
يُعتبر الاعتراف الإسرائيليّ غيرُ المُباشر بأنّ جنين أرعبت الاحتلال مرّة أخرى، من دون أن تفعل شيئاً، إنجازاً كبيراً لا يُمكِن التقليل منه بالنسبة إلى حركة “الجهاد”، ويمكن تلخيصه بالمشاهد المباشرة التي كانت تبثّها شاشات التلفزة الإسرائيلية، من جنوب الدولة العبريّة، للشوارع الفارغة من السيّارات والمُستوطنين، خشية قصف صاروخي لحركة الجهاد الإسلامي.
في وقت سابق، قدّرت مصادر أمنيّة في دولة الاحتلال أنّ مخيّم جنين للّاجئين تحوّل إلى سلطةٍ مستقلّةٍ، لا يخضع لا للاحتلال، ولا للسلطة الفلسطينيّة وأجهزتها الأمنيّة، على خلفيّة تصاعد نشاط الخلايا المسلّحة في مخيّم جنين.
وشدّد محلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، على أنّه “في شهر شباط الماضي عاود الجيش الإسرائيليّ عمليّاته في مخيّم جنين بهدف توقيف مشتبه بهم، وساهمت الاحتكاكات العنيفة التي اندلعت هناك في اندلاع موجة “الإرهاب” بعد شهر، على الرغم من أنّ معظم منفّذي الهجمات بين آذار وأيار لم يأتوا من المخيم بل من بلدات محيطة به ومن نابلس”.
إقرأ أيضاً: إسرائيل تستنفر.. وتعرض “تقاسم” الأرباح حول الخطّ 23
وفقاً للمؤسّسة الأمنيّة في تل أبيب، فإنّ الساحة الفلسطينيّة ليست هادئةً، ومع أنّ جزءاً من الضغط يظهر في صراع عنيف مع إسرائيل وتمحور أخيراً في حوادث إطلاق نار على الجيش الإسرائيليّ في الضفّة الغربية، إلّا أنّ هناك أسباباً داخلية كثيرة للتوتّر، وهي تتعلّق بالضعف المستمرّ للسلطة الفلسطينية، وصراع الأجيال داخل حركة “فتح” والمنافسة مع “حماس”. وبحسب مسؤولين أمنيّين إسرائيليين، فإنّه خلال هذه العمليات واجهت إسرائيل واقعاً جديداً-قديماً، إذ إنّ كلّ دخول تقريباً إلى مخيّم جنين ومخيّمات اللاجئين في الضفة الغربية وجزء من البلدات والقرى كان يُواجَه بإطلاق نار كثيف للغاية، وكان المطلوبون يفضّلون التحصّن وخوض القتال، ولذلك عاد الاحتلال إلى تنفيذ إجراء “وعاء الضغط”، أيْ ضرب حصار مستمرّ على كل منزل انطلقت منه صواريخ مضادّة للدبّابات، كما كان يجري خلال الانتفاضة الثانية.
* كاتبة فلسطينية