يصلُ الوسيط الأميركيّ آموس هوكستين آخر الأسبوع الحاليّ إلى العاصمة بيروت وفي جعبته الجواب الإسرائيلي في مسألة ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل.
شهدَت المنطقة ما بين زيارة آموس الأخيرة قبل أسابيع وزيارته المُرتقبة حدثيْن بالغَيْ الأهميّة:
الأوّل هو الجولة التي قامَ بها الرّئيس الأميركيّ جو بايدن في المنطقة، حيث حطّ رحاله في إسرائيل والسّعوديّة. وكان هوكستين أحد أبرز وجوه الوفد الأميركيّ المُرافق لسيّد البيت الأبيض لأنّه يتولّى ملفّ الطّاقة في الإدارة الأميركيّة، وعلى سلّم أولويّاته ملف ترسيم الحدود بين بيروت وتل أبيب واستخراج الغاز من حقل كاريش شمال المياه الفلسطينيّة.
الثّاني هو القمّة الثّلاثية التي جمعت رؤساء إيران وروسيا وتركيا في العاصمة الإيرانيّة طهران، والتي على هامشها عقد الرّئيسان فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي لقاءً ثنائيّاً فوّضَ خلاله الرّئيس الرّوسيّ إلى نظيره الإيرانيّ، بحسب معلومات “أساس” من مصدرٍ مُقرّبٍ من الإيرانيين، إدارة الملفّ اللبنانيّ الذي ليس على سلّم أولويّات الكرملين الذي يخوض حرباً ضروساً مع الجارة أوكرانيا منذ 6 أشهر.
بحسب ما علمَ “أساس” فإنّ حزب الله نقل مطلب “رفع الفيتو عن شركات استخراج النّفط والغاز” في مُقابل توقيع الترسيم
في التفاصيل أنّ بوتين قال لرئيسي حرفيّاً إنّ “موسكو تتفهّم مدى أهميّة لبنان بالنّسبة إلى طهران”، وعليه فإنّ الكرملين لن يكون عائقاً بوجه ما سمّاه “ضمان مصالح إيران الاستراتيجيّة في لبنان”.
نقلت إيران هذا التفويض الرّوسيّ إلى الأميركيين عبر القطريين بـ”صورة إيجابيّة”. إذ يشير مصدر مُقرّب من الدّوحة لـ”أساس” إلى أنّ الجانب الإيرانيّ قال للقطريين إنّه لن يكون عائقاً في ملفّ ترسيم الحدود، وقد أبلغ قيادة حزب الله أن تتصرّف بما هو في “مصلحة الحزب بعيداً عن حسابات الاتفاق النّوويّ”.
إيران تغازل الغرب من “كاريش”
بحسب أجواء الإيرانيين، فإنّ نظام الملالي يريد إرسال إشارات “إيجابيّة” إلى الدّول الغربيّة تتعلّق بأمن الطّاقة سعياً إلى الحصول على تنازلات في الملفّ النّوويّ. ومن جهته، يحاول الرّئيس الرّوسيّ الإشارة إلى أنّه ما يزال فاعلاً على السّاحة الدّوليّة على الرّغم من المحاصرة الغربيّة للقيصر الرّوسي على خلفيّة الحرب في أوكرانيا.
ظهرت “إرهاصات” التفويض الإيرانيّ للحزب في كلام الأمين العام لحزب الله السّيّد حسن نصرالله ورئيس التيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل. فقد أطلّ نصرالله مساء الإثنيْن الماضي عبر شاشة “الميادين”، طلّة استباقيّة لزيارة هوكستين. وبعيداً عن عرض عضلات الصّواريخ والمسيّرات، كان في كلامه عبارة واضحة لا تقبل التأويل تؤكّد مساعي حزب الله إلى حلّ معضلة الترسيم بأسرع وقتٍ ممكن، إذ قال: إنّ “لبنان، الآن، أمام فرصة تاريخية في ظلّ حاجة أوروبا إلى تأمين بديل للنفط والغاز الروسيَّين”.
وكانت في حديثه إشارات واضحة إلى أنّ “الدولة اللبنانية قدّمت تنازلاً كبيراً من خلال ما طلبته من الوسيط الأميركي عندما تحدّثت عن الخط الـ23+”، وأنّ “الكرة، الآن، ليست في ملعب لبنان… والمطلوب الالتزام بالحدود التي تطلبها الدولة اللبنانية، ورفع الفيتو عن الشركات التي تستخرج النفط”.
يشير مصدر مُقرّب من الدّوحة لـ”أساس” إلى أنّ الجانب الإيرانيّ قال للقطريين إنّه لن يكون عائقاً في ملفّ ترسيم الحدود
بحسب ما علمَ “أساس” فإنّ حزب الله نقل مطلب “رفع الفيتو عن شركات استخراج النّفط والغاز” في مُقابل توقيع الترسيم، إلى الأميركيين عبر الفرنسيين الذين واظبوا أخيراً على زيارة حارة حريك بشكلٍ دوريّ في محاولة للوصول إلى حلّ بسبب حاجتهم إلى بديل عن الغاز الرّوسيّ، ولإيجاد “مخارج” لإبعاد صفة “التطبيع” عن أيّ اتفاقٍ حدوديّ قد يتوصّل إليه لبنان مع إسرائيل.
يدخُل ضمن هذا أيضاً ما نقلته صحيفة “الإندبندنت” عن مصدرٍ أوروبيّ قوله إنّ شركة “توتال” الفرنسية “أبدت استعدادها لشراء كميّات النفط والغاز قبل التنقيب والاستخراج، مباشرة عند إعلان التوصّل إلى اتفاق نهائي حول الحدود. وهو ما قد يطمئن لبنان إلى إمكانية استغلال غازه بالتزامن مع بدء إسرائيل تصدير الغاز إلى أوروبا. وقد تجنّب هذه الخطوة لبنان مشكلة ضمان بيع الغاز المستخرَج من مياهه لعدم مشاركته في الاتفاق الذي يضمّ مصر واليونان وقبرص وإسرائيل”.
أمّا كلام نصرالله عن مسألة جلب الفيول إلى معامل الكهرباء من إيران، فيدخل بحسب مصدرٍ أميركيّ مسؤول في إطار رفع السّقف التفاوضي لضمان مسألة استجرار الغاز المصريّ والكهرباء الأردنيّة.
قبل نصرالله كان النّائب جبران باسيل يقول في مقابلة مع قناة “المنار” إنّ “هناك حلّاً بملف الترسيم قبل شهر أيلول لمصلحة لبنان وإسرائيل، وهناك حلّ وما في حرب وهناك ضمانات للاستخراج”.
سيناريو “حرب الأيّام”
على الإيقاع نفسه، يخشى الأميركيّون من لجوء الحزب إلى سيناريو يكون أكثر من معركة وأقلّ من حرب، وهو ما يُعرف باسم “قتال لأيّام”، للوصول إلى اتفاق تحت ظلّ الصّواريخ، خصوصاً أنّ كلام الأمين العامّ لحزب الله في إطلالته على “الميادين” عن أنّ الرّئيس الأميركيّ لا يريد حرباً في المنطقة، هو إعلان الهدف منه استعادة “شرعية” سلاحه في مسألة استخراج النفط.
على الرّغم من أنّ هذا السّيناريو بعيد في الوقت الحاليّ، إلّا أنّ دوائر الأمن القوميّ في الولايات المُتحدة تخشى أن ترتفع أسهمه خلال شهر آب لاستغلال ضيق الوقت قبل الاستخراج الإسرائيليّ للغاز مطلع أيلول، وحاجة أوروبا إلى موارد الطّاقة وعدم الرّغبة الأميركيّة في مواجهة على صعيد المنطقة.
يقول مصدر أميركيّ في مكتب الأمن القوميّ لـ”أساس” إنّ الخشية لا تقف عند ما يمكن أن يقوم به حزب الله، إذ يستطيع الحزب وإيران افتعال مواجهة في قطاع غزّة في ربع السّاعة الأخير. لكنّ حسابات غزّة تختلف عن حسابات الجبهة الشّماليّة لإسرائيل، خصوصاً أنّ مواجهةً إسرائيليّة مع حماس والجهاد الإسلاميّ لا تؤدّي إلى تدهور غير محسوب كما هو الحال مع لبنان. لكن في الوقت الرّاهن لا يُمكن استبعاد أيّ شيء، على حدّ وصف المصدر.
إقرأ أيضاً: لبنان يُوقّع اتّفاق التّرسيم قبل أيلول
لا يُمكن الجزم أنّ ملفّ الترسيم بات على نهايته. مهما كثرت الضّمانات من الدّول، فهُناك رأيٌ يقول إنّ النّظام الإيرانيّ يكذب أكثر ممّا يتنفّس. وعليه فإنّه لا يُمكننا القول إنّ التوقيع حصل إلّا بعد نزول الحبر اللبنانيّ على ورقة الاتفاق، وكلّ ما سوى ذلك رهانات قد تصيب أو تخطئ.