وثيقة مُجدَّدة: الحزب يعيد طرح “الاستراتيجية الدفاعية”

مدة القراءة 8 د

في آذار من العام 2006 دعا الرئيس نبيه بري إلى حوار وطني بمشاركة 14 شخصية لبنانية من بينها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، على طاولة في مجلس النواب اللبناني. وبالطبع كانت الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان من ضمن الموضوعات المهمّة التي طُرِحت على تلك الطاولة.

بعد تلك الجلسات جرى تسريب بعض الأفكار التي طُرحها السيد نصر الله. وحرصاً من الأخير على توضيح الأمور، وخلال افتتاحه ورعايته لاحقاً لمؤتمر ثقافة المقاومة قدّم تفاصيل خطة الحزب آنذاك.

على الرغم من مرور 16 سنة على طرح المشروع، وحصول تطوّرات مهمّة في لبنان والمنطقة خلال الفترة الماضية، لا يزال هذا المشروع حاضراً للنقاش، حسبما يشير بعض مسؤولي الحزب في لقاءاتهم الخاصة.

في آذار من العام 2006 دعا الرئيس نبيه بري إلى حوار وطني بمشاركة 14 شخصية لبنانية من بينها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، على طاولة في مجلس النواب اللبناني

نعرض هنا أبرز بنود تلك الاستراتيجية الدفاعية، التي أعاد نشرها موقع “العهد” الإلكتروني التابع للحزب، قبل الانتخابات النيابية، في سياق إعادة طرحها على النقاش:

رؤية نصر الله:

أوّلاً: عندما نريد وضع استراتيجية دفاع وطني من الطبيعي افتراض وجود عدوّ، فالدفاع يعني أنّ هناك عدوّاً يجب مواجهته لندافع عن سيادة وطن وقراره وحرّيته واستقلاله، ويجب أن نحدّد هذا العدوّ، وهذه هي البداية الصحيحة.‏

من وجهة نظرنا، بل في إيماننا وفهمنا وعقيدتنا والتزامنا الوطني أنّ عدوّ لبنان هو إسرائيل، وهذا هو السؤال الأوّل الذي يجب أن يجيب عليه أيّ باحث في الاستراتيجية الدفاعية.

ثانياً: في مثل حالتنا نحن نواجه عدوّاً طبيعته عدوانية ولديه أطماعه التاريخية ولديه ظروفه الصعبة بفعل المواجهة القائمة في فلسطين المحتلّة منذ سنوات. إذاً نحن نواجه هذا العدوّ.

ثالثاً: هذا العدوّ يتحرّك ضدّنا أحياناً بالخلفيّة العدوانية أو الخلفية الطمعيّة أو خلفيّة ظروفه الخاصّة.

رابعاً: نحن نفترض، في ما نتحدّث عنه من استراتيجية دفاعية، مرحلة ما بعد الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وإطلاق الأسرى والمعتقلين ووقف الخروقات… حسناً، هل يبقى العدوّ الإسرائيلي تهديداً أو لا؟ بالتأكيد في ظلّ غياب تسوية شاملة تُنهي الحرب. إذاً نحن بحاجة إلى استراتيجية دفاع.‏

خامساً: العدوان الذي يمكن أن يمارسه أيّ عدوّ باتّجاه أيّ بلد. بالتجربة الإسرائيلية من عام 1948 إلى اليوم قد يأخذ شكل اجتياح أراضٍ، ثمّ الخروج منها، وقد يأخذ شكل احتلال أراضٍ والبقاء فيها، وقد يأخذ شكل الاعتداءات المتنوّعة من قصف وقتل وأسر وخطف وارتكاب مجازر وتدمير بنى تحتية وتهجير الناس وهدم البيوت وتعطيل الحياة العامّة.

أمام هذا العرض، وأمام تسليمنا أنّ إسرائيل هي العدوّ، وأنّها تملك كلّ دوافع وخلفيّات العدوان، ومعرفتنا بأشكال العدوان، فنحن بحاجة إلى وضع استراتيجية دفاع وطنية شاملة: الوطن كلّه والشعب كلّه والدولة والجيش والقوى الأمنية والقوى السياسية والأحزاب وشرائح الشعب المختلفة كلّها يجب أن تكون مساهمة في تنفيذ وتطبيق هذه الاستراتيجية الدفاعية. أن تكون شمولية بمعنى مشاركة الجميع، وأن يكون متاحاً للجميع المساهمة فيها. وثانياً شمولية بمعنى أنّ هذه الاستراتيجية ليست عسكرية فقط، وإنّما هي شاملة لكلّ الأبعاد الأخرى، بمعنى أنّنا في مواجهة التهديد والعدوان والخطر نحن بحاجة إلى الدبلوماسية والسياسة والإعلام، الإعلام الذي يحدّد العدوّ والصديق، وإلى الإعلام الذي يخوض الحرب النفسية مع العدوّ، والذي يستنهض الهمم ولا يثبّط ولا يخوّف. نحن بحاجة أيضاً إلى استراتيجية إعلامية وجهد إعلامي، وإلى جهد اقتصادي وبنية تحتية، وإلى جهد اجتماعي ورعاية حقيقية، وخصوصاً للمناطق الأكثر تضرّراً بالعدوان أو تأثّراً بالتهديد.‏

اليوم الخيار الأوّل الذي يمكن أن يعمل عليه لبنان في الاستراتيجية الدفاعية هو الجيش اللبناني

في العنوان العسكري، ما هي الخيارات المتاحة أمامنا؟ لنفهم هذه الخيارات يجب أن نعرف عدوّنا وأن نعرف أنفسنا. عندما نذهب إلى العدوّ، وطبعاً نحن معنيّون بدراسة هذ العدوّ. في تجربة مقاومتنا خلال السنوات الماضية من أهمّ نقاط القوّة في هذه التجربة أنّها عكفت بشكل تفصيلي ويوميّ على دراسة الكيان الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي ومكوّناته ونقاط الضعف والقوة لهذا الكيان الإسرائيلي، وكانت دائماً تتجنّب نقاط القوّة وتضرب في نقاط ضعفه. ودفعاً لبعض الوهم الذي يتحدّث عنه بعض اللبنانيين، نحن لا نقول إنّ إسرائيل ليست شيئاً أو إنّها ضعيفة وواهنة، نحن نقول إنّ إسرائيل دولة قويّة، وهذا القول يعزّز ما نطرحه نحن من استراتيجية دفاعية، وهي تملك أقوى سلاح جوّ في الشرق الأوسط، وتملك جيشاً من النخبة وتملك جيشاً من الاحتياط هو في الحقيقة كلّ رجال ونساء المجتمع الإسرائيلي.

بالمقابل، لبنان بلد مساحته صغيرة وعدد سكّانه قليل، 3 أو 4 ملايين، إمكانيّاته وثرواته محدودة جدّاً، وضعه الاقتصادي والمالي صعب، لكنّ هناك أيضاً مجموعة من نقاط القوّة، منها الجغرافيا، فلبنان جبال ووديان وهضاب، وفيه سهول، وعندما نذهب إلى المناطق الأماميّة كالجنوب وراشيا وحاصبيا والبقاع الغربي فإنّها بالأعمّ الأغلب مناطق جبليّة، أي هضاب ووديان، وهذه نقطة تسهِّل حرب العصابات وتصعِّب أيّ احتلال أو بقاء في تلك الأرض.

في الخيارات العسكرية المتاحة في ضوء ما لدى العدوّ وما لدينا، في أيّ مواجهة عسكرية، الخيار الأوّل هو الجيش، وهذا من بديهيّات ما يُقال في العلم العسكري. وعندما نتحدّث عن جيوش، إذا اعتدت دولة على دولة، على الدولة التي تريد أن تدافع عن نفسها وتمنع تلك الدولة من العدوان عليها أن تمتلك جيشاً يوازي بقوّته جيش العدوّ أو يفوق بقوّته قوّة جيش العدو. هذا هو المنطق.‏

ولا نستطيع القول إنّه بقوّة صغيرة نواجه أعتى جيش في منطقة الشرق الأوسط. هذا الشيء غير منطقي.‏

اليوم الخيار الأوّل الذي يمكن أن يعمل عليه لبنان في الاستراتيجية الدفاعية هو الجيش اللبناني، الذي توجد فيه إيجابيّات مهمّة: عقيدته القتالية الوطنية ووطنيّته التي لا يناقش أحد فيها، حضور كلّ أبناء لبنان بكلّ تنوّعاته في هذا الجيش الذي يشكّل إرادة جامعة، وشجاعة وإرادة ضبّاطه وجنوده لا نقاش فيها.‏

ولكن ليتمكّن الجيش اللبناني الكلاسيكي، الذي لا يستطيع إلا أن يكون هكذا، من المواجهة يجب أن نجعله جيشاً يوازي قوّة الجيش الإسرائيلي أو أكبر.

عندما لا تكون الدولة قادرة عندئذٍ تأتي مسؤولية القوى الشعبية. الشعب إمّا أن يتحمّل مسؤوليّته أو أن يتخلّى عنها. قد لا يُقبل الشعب كلّه على تحمّل المسؤولية، ويكفي أن يُقبل جزء من هذا الشعب، وأن توجد مقاومة شعبية. هذا يكفي.

نحن نطرح المقاومة كخيار، وطرحُنا هذا متلازم مع وجود الجيش.

إذا كانت المقاومة من هذا النوع وجاء الإسرائيلي ليعتدي على لبنان، فماذا سيحصل؟‏

يعتمد العدوّ الاجتياح البرّي وقصف الطائرات والاعتداءات. في الاعتداءات يمكنك أن تقابل كلّ فعل عدوانيّ بردّ فعل مقاوم، وهذا ما هو قائم الآن في جنوب لبنان.‏

الذي يمنع العدوان هو وجود المقاومة وجهوزيّتها للردّ بشكل دائم.‏

هذا في الحدّ الأدنى. أمّا في ما هو أبعد من الشمال فلا داعي أن نقول ما يوجد لدينا. هذا الشمال هو في مرمى صواريخ المقاومة بموانئه وقواعده ومصانعه وكلّ ما فيه. وبالتالي هذا يُحدث توازناً بين شمال فلسطين وجنوب لبنان وكلّ لبنان.‏

إقرأ أيضاً: دبلوماسيّون عرب وغربيّون: لن نترك لبنان وحيداً

هذه القوّة الصاروخية، إضافة إلى القدرة والكمّ والنوع، من أهمّ أسرار قوّتها هي سرّيّتها. وأنا أقول لكم هذه نقطة قوّة. البعض يقول إنّ المقاومة هي من نوع واحد ومن حزب واحد. قوّة المقاومة في موضوع التوازن الناري منطلقة من سرّيّتها، وسرّيّتها منطلقة من كونها حالة مغلقة ومقفلة. مقفلة حتى داخل الحزب الواحد، لنضمن سرّيّتها.‏

في كلّ الأحوال، هذا ما عندنا في العلم والتجربة في ظلّ معطيات إقليمية ودولية وظروف مالية واقتصادية وأمنيّة وعسكرية وصعوبات. نقول في الخيار العسكري المتاح يجب أن نقوم بتعزيز الجيش اللبناني ولا ندعو إلى إضعافه ولا إلى الإبقاء على وضعه الحالي. نحن ندعو إلى تقويته وتعزيزه لأنّ أيّ مواجهة برّيّة سوف يشترك فيها الجميع، وإلى جانبه يجب أن نحافظ على المقاومة، وندعمها ونقوّيها ونعزّزها. هذه المقاومة الملتزمة العاقلة الخلوقة التي لا تنافس الدولة على السلطة. المقاومة المخلصة لقضيّتها ولهدفها الواضح والمحدّد، وهو مواجهة العدو. هذا التركيب من الجيش والمقاومة، والتنسيق بينهما، وليس الدمج، وليس وضع المقاومة تحت إمرة الجيش، لأنّ الهامش بين الحكومة والقوة الشعبية يضيع. أيّ مقاومة تحت إمرة الجيش تُطلق رصاصة واحدة، تُقصَف وزارة الدفاع والسراي الحكومي. الدولة ستتعرّض للاعتداء المباشر. وبالتالي وجود المقاومة إلى جانب الجيش والتنسيق بينهما (مقاومة ملتزمة وطنية). هذا هو الحلّ الوحيد والمتاح أمامنا. نعترف أنّ هناك قضية وهناك مشكلة. لدينا قضية هي حماية لبنان، وهذه قضية مقدّسة، ولدينا مشكلة اسمها هذا السلاح الموجود في يد فئة معيّنة.‏

غداّ ردّ العميد الركن خالد حمادة:

نحو إشكالية وطنية قابلة للنقاش (1)

مواضيع ذات صلة

قنوات مفتوحة بين قائد الجيش و”الثّنائيّ الشّيعيّ”

في آخر موقف رسمي من الانتهاكات الإسرائيلية اليومية والفاضحة لقرار وقف إطلاق النار تكرار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “لفت نظر” لجنة المراقبة لوجوب وقف هذه…

“اللقاء الديموقراطي” يدعم التوافق على جوزف عون

أقلّ من 25 يوماً تفصل عن موعد الاستحقاق الرئاسي. حراكٌ في مختلف الاتّجاهات، وتشاورٌ على كلّ المستويات. الشغل جدّي لإجراء الانتخابات يوم التاسع من كانون…

سفراء الخماسيّة “أسرى” جلسة الرّئاسة!

لا صوت يعلو فوق صوت “مطحنة” الأسماء المرشّحة لرئاسة الجمهورية. صحيح أنّ الرئيس نبيه برّي يتمسّك بتاريخ 9 كانون الثاني بوصفه المعبر الإلزامي نحو قصر…

سليمان فرنجيّة: شريك في رئاسة “قويّة”

من يعرفه من أهل السياسة أو من أهل الوسط يصفونه بفروسيّته ربطاً بأنّه يثبت على مبدئه مهما طال الزمن ومهما تقلّبت الظروف. سليمان فرنجية الحفيد…