مع اكتمال حصر إرث السُنّيّة السياسية اللبنانية بكامل مقتنياتها، من أحزاب وتيارات وجمعيات وشخصيات، إثر انكفاء وتعليق البعض لعمله السياسي وخسارة البعض الآخر في الانتخابات النيابية، كانت حصّة الرئيس نجيب ميقاتي من هذا الإرث، من دون منافس أو منازع، استنساخ تجربة رئيس الحكومة الأسبق رشيد الصلح بكامل أدواره السياسية التي لعبها منذ انخراطه في الشأن العامّ، بما تحمله من حسنات وسيّئات مع غياب الإنجازات.
ما يجمع الرجلين رشيد الصلح ونجيب ميقاتي أنّهما رئيسا حكومة في لحظات الانهيار والانكسار والصدمات والحروب، وفي لحظات الجفاف السياسي السنّيّ
اشتهر الرئيس رشيد الصلح بلقب “غرابيت” (شخصية أرمنيّة شعبية)، وهو لقب اكتسبه بفعل الصناديق الأرمنية في الانتخابات النيابية، التي لطالما كانت حاسمة في تحقيق فوزه بمقعد نيابي في بيروت قبل الحرب الأهلية وبعدها. كان الصندوق الأرمني المقبل في آخر ساعات الفرز صاحب الكلمة الفصل في فوز الرئيس الصلح.
هذا ما حصل عام 1992 حين تمكّن من النجاح على الرغم من فشل لائحته بمواجهة لائحة الرئيس سليم الحص.
أمّا الرئيس ميقاتي فيُطلق عليه لقب “نجيب العجيب”، استناداً إلى أسلوبه في التعاطي مع القضايا والأزمات والناس. فإن أدار أمراً تخاله يخرج منه، وإن خرج من أزمة تعتقد أنّه يدخل فيها. لا يمكنك الركون إلى موقفه أو ردّة فعله في ساعة القرار، حيث يختلط عنده الشخصي بالعامّ. يشبه العصفور الخشبي في ساعة الحائط في بيوت الأجداد. يخرج عند رأس كلّ ساعة مغرّداً، وهو ليس بمغرّد، فمواصفاته لا تسمح له بالتغريد ولا بالطيران.
تولّى الرئيس رشيد الصلح رئاسة الحكومة مرّتين كانتا من أصعب المراحل التي مرّ بها لبنان:
1- الحكومة الأولى: عام 1974 في عهد الرئيس الراحل سليمان فرنجية، وفي ذروة الخلاف اللبناني حول الوجود الفلسطيني والمارونية السياسية، والمطالبة بالإصلاح السياسي، كانت حكومته التي مهّدت للحرب اللبنانية عام 1975.
2- الحكومة الثانية: عام 1992 في عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي، أدارت حكومته الانتخابات النيابية وسط مقاطعة مسيحية شاملة، مكرّسة الهيمنة السورية على كامل تفاصيل الحياة السياسية.
يعترض الكلّ اليوم على وجود صهر الرئيس جبران باسيل، سواء في الحكومة أو في قصر الرئيس. فهل يكون جواب نجيب مستنسَخاً عن جواب رشيد فيقول لفخامة الرئيس: “لن أحكم من دون باسيل”
تولّى الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة، إن أضفنا تكليف الأمس، أربع مرّات:
1- الحكومة الأولى: كانت عام 2005 بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
2- الحكومة الثانية: عام 2011 بعد الانقلاب على الرئيس سعد الحريري، فكانت حكومته حكومة القمصان السود.
3- الحكومة الثالثة: عام 2021 بعد ثورة 17 تشرين، ولعنة حكومة حسان دياب، واعتذار سعد الحريري، والانهيار الكبير.
4- الحكومة الرابعة: يُكلَّف اليوم في عام 2022 على قاعدة “شرّ لا بدّ منه” لتقطيع ما بقي من عهد ميشال عون، ولمواكبة مفاوضات الوهم مع صندوق النقد الدولي.
ما يجمع الرجلين رشيد الصلح ونجيب ميقاتي أنّهما رئيسا حكومة في لحظات الانهيار والانكسار والصدمات والحروب، وفي لحظات الجفاف السياسي السنّيّ.
ويجتمعان أيضاً على أنّهما في السياسة والتحالفات والتسويات يمتلكان مهارة الدخول مع أمّ العروس والخروج مع أمّ العريس. هم أنفسهما لم ينكرا ذلك يوماً، فكان جواب رشيد الصلح دائماً عند المآزق “ما بعرف وما خصّني”. أمّا ميقاتي عند سؤاله عن أسلوبه فيجيبك ضاحكاً: “هذا أنا نجيب”.
في العام 1972 رفض الرئيس صائب سلام تشكيل حكومة تضمّ نجل رئيس الجمهورية طوني سليمان فرنجية معتبراً أنّها سابقة لا يقبل التورّط فيها. استدعى فرنجية رشيد الصلح لتشكيل حكومة، فصعد إلى قصر بعبدا، وعند دخوله على فرنجية خاطبه قائلاً: “لا أقبل تشكيل حكومة إلا بشرط واحد”. تعجّب فرنجية سائلاً إيّاه: “ما هو الشرط؟”. قال الصلح: “لن أشكّل حكومة بدون طوني بك…”.
إقرأ أيضاً: الرئاسة أولاً: البحث عن فؤاد شهاب جديد؟
يعترض الكلّ اليوم على وجود صهر الرئيس جبران باسيل، سواء في الحكومة أو في قصر الرئيس. فهل يكون جواب نجيب مستنسَخاً عن جواب رشيد فيقول لفخامة الرئيس: “لن أحكم من دون باسيل”.