سرّ روسيّ عن “الحزب” يكشفه دبلوماسيّ بعد 37 عاماً؟

مدة القراءة 5 د

كان لا بدّ من انتظار قرابة 37 عاماً كي نطّلع على أحد أهمّ الأسرار الذي رافق خطف أربعة من الدبلوماسيين الروس العاملين في سفارة بلادهم في ذلك الوقت، وكانت لا تزال تُعرف باسم الاتحاد السوفياتي في أعوامه الأخيرة. ثلاثة من هؤلاء الدبلوماسيين المختطفين بقوا على قيد الحياة بعد وفاة الرابع متأثّراً بإصابته بطلق ناري في بداية عملية الخطف التي تمّت أمام مبنى السفارة في بيروت. أمّا علاقة “حزب الله” بعملية الخطف هذه فبقيت ملتبسة طوال هذا الزمن إلى أن جاءت المعلومات التي أُفرِج عنها أخيراً.

بداية القصة التي نتحدّث عنها كانت في 30 أيلول 1985، عندما قام مجهولون بتوقيف سيّارتين تابعتين للسفارة بفارق زمني قليل بينهما، وخطفوا ركّابهما الأربعة. كان اثنان من المخطوفين موظّفين في جهاز المخابرات (الكي جي بي) يعملان تحت سقف السفارة، وكان الآخران دبلوماسيَّين. أمّا أسماء الأربعة فهي: سكرتير القسم القنصلي أركادي كانكوف (توفّي بعد أيام)، طبيب السفارة نيكولاي سفيرسكي، الملحق أوليغ سبيرين، ومهندس الممثّليّة التجارية فاليري ميريكوف.

في كتابه الصادر حديثاً الذي حمل عنوان “مراسلات كريم مروّة 1985-2020″، ينشر الكاتب كريم مروة نصّ الرسالة التي بعث بها جورج حاوي (الأمين العام السابق للحزب الشيوعي في لبنان)، وفيها “ما يتّصل باختطاف ثلاثة من الدبلوماسيين السوفيات والإفراج عنهم عام 1985”. وقد حملت الرسالة تاريخ 2 كانون الأول 1985. وجاء في الرسالة: “لدى وصولي (مروة) إلى السفارة السوفياتية، التقيت سوسليكوف وبرنيليف (مسؤولان بالسفارة) وهنّأتهما بسلامة الدبلوماسيين الثلاثة، وحاولت أن أحصل على معلومات منهما فلم أنجح. كانا يتحدّثان معي كما لو كنت صحافياً”.

ما لم ينجح فيه مروة عام 1985، كما جاء في رسالته الواردة في كتابه الصادر العام الماضي، فعله دبلوماسي سوفياتي مرموق هو فاسيلي كولوتوشا الذي توفّي عام 2020

ما لم ينجح فيه مروة عام 1985، كما جاء في رسالته الواردة في كتابه الصادر العام الماضي، فعله دبلوماسي سوفياتي مرموق هو فاسيلي كولوتوشا الذي توفّي عام 2020، أي في عام صدور مذكّراته التي حملت عنوان “مرفوع عنها السرّيّة”. عندما وقعت عملية خطف الدبلوماسيين، كان كولوتوشا قائماً بأعمال سفارة بلاده ببغداد، قبل أن يصبح سفيراً في العام التالي في بيروت. يروي الأخير وقائع نسبها إلى ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي حالياً، وإلى ألكسندر كوليك المسؤول في “الكي جي بي”.

أبرز ما في هذه الوقائع هو الآتي:

– كان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بالنسبة إلى القيادة السورية هو المتّهم الأوّل في هذه الواقعة، ولم يتبادر إلى ذهن السوريين أنّ نشطاء لحزب الله مثل عماد مغنية ومصطفى الديراني يمكن أن يتصرّفوا على هواهم في إطار تصوّرهم للتضامن الإسلامي وأساليب مكافحة الشيطان الأصغر.

– طلب كوليك مقابلة الرئيس حافظ الأسد، فاستقبله الأخير في 27 تشرين الأول. وخلال اللقاء وافق الأسد على أنّ بقاء المواطنين السوفيات رهائن أمر غير مقبول. وبعد الحديث مع كوليك أعطى أمراً واضحاً ببذل كلّ ما هو ممكن من أجل إطلاق سراح رجالنا.

– لمّا وصل تكليف الرئيس السوري إلى المسؤول عن أجهزة الاستخبارات السورية في لبنان غازي كنعان، قام الجنرال كنعان من دون أيّ تلكّؤ باستدعاء رؤساء الطائفة الشيعية في البقاع إلى مقرّه في عنجر، وأنذرهم بأشدّ أنواع العقاب الصارم التي تنتظرهم، إذا لم يُطلَق الرهائن في غضون الأيام القريبة.

– جرى حديث كوليك مع حافظ الأسد يوم 27 تشرين الأول. أمّا حديث غازي كنعان مع الشيوخ الشيعة فقد جرى يوم 28 أو 29 تشرين الأول. وفي يوم 30 تشرين الأول، طرق الرهائن الثلاثة الذين بقوا على قيد الحياة بوابة دخول سفارتنا.

– ما يثير الغرابة أنّه على الرغم من مرور 35 عاماً (2020) على خطف رجالنا، ما زالت وسائل الإعلام الروسية تتناول هذا الموضوع بانتظام، رافعةً باطّراد درجة اتّهام الفلسطينيين، وياسر عرفات شخصيّاً، الأمر الذي يثير التساؤل: ألا توجد وراء ذلك دوافع لإثارة الفتنة، وبشكل متعمّد وواضح؟ وهل يحدث هذا بطلب خاص؟

– عن مصائر القائمين بخطف رجالنا: عماد مغنية قُتل في انفجار بسيّارته الخاصة في أحد ضواحي دمشق الراقية في ساعة متأخّرة من مساء 12 شباط عام 2008. ويُقال إنّه في مرحلة ما صارت الاستخبارات السورية تستعين بخدماته، إلا أنّ الموساد الإسرائيلي وصل إليه حتى في دمشق. وكان لدى الإسرائيليين حسابهم مع المدبّر الآخر للخطف، مصطفى الديراني، لأنّه حسب كلّ الشواهد كان متورّطاً أيضاً في سجن الطيّار الإسرائيلي رون آراد، وقامت المخابرات الإسرائيلية بخطف الديراني من بيته في بلدة قصرنبا في البقاع، وأُطلق فيما بعد خلال عملية تبادل للأسرى بين حزب الله والإسرائيليين.

إقرأ أيضاً: سقط “الحزب” في امتحان الدخول إلى “اللبنانيّة”

– ثمّة خاتمة غير سعيدة لهذه القصة، وهي أنّ أحد الرهائن الذين أُطلقوا، أوليغ سبيرين، وبعد راحة قصيرة في الوطن، أُوفد من جديد للعمل في الخارج، وهذه المرّة في سفارة الاتحاد السوفياتي في الكويت، حيث فرّ إلى أميركا عام 1988.     

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…