هذه المرّة لا تأثير لنادي رؤساء الحكومات في تسمية أو تزكية أو ترشيح شخصية تتولّى تأليف الحكومة المقبلة.
في السابق كانت للنادي قدرة على التأثير وكان جزءاً من القرار. وقد حاول تقديم نفسه باعتباره “مؤسسة” معنوية دائمة. فنجح مرّة وفشل مرّات، وها هو يختفي.
صبغ نفسه بلون سياسي محدّد، وصار طرفاً مرتبطاً عضويّاً بسياسات تيّار المستقبل، فأسقط عنه صفة الحياد داخل المكوّن السنّيّ.
لم يعُد النادي موجوداً. تفرّق شمل الأعضاء. أحدهم غادر بلا تاريخ محدّد لعودته، والثاني التزم منزله ولاذ بالصمت السياسي، وثالثهم مُنِي بخسارة انتخابية وسياسية وصار خصماً للحريرية السياسية. وأمّا الرابع فهو رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المستمرّ على رأس مهامّه المرشّحة للتمدّد إلى ما بعد نهاية عهد ميشال عون.
يقول سياسي متابع إنّ ميقاتي لا يزال الأقرب إلى الحريري، ويرى فيه امتداداً لحضوره، ولذا هو الأوفر حظّاً ليكون رئيساً مكلّفاً ورئيساً لحكومة تصريف الأعمال
في الأساس يجب أن لا يفوتنا أنّ الرئيس سليم الحص لم يكن يوماً يعنيه مثل هذه الاصطفافات المذهبية، على الرغم من ثقل مواقفه الوطنية لجهة مقام وصلاحيّات رئاسة الحكومة.
الفارق أنّ الأعضاء الأربعة لم يعُد لهم أيّ تمثيل نيابي في البرلمان.
وعملاً بقاعدة أنّ القويّ في طائفته يحقّ له الرئاسة، فإنّ الأربعة لم يعُد لهم تمثيلهم الوازن برلمانيّاً. فيما يمكن اعتباره نهاية الوزن البرلماني لهم أربعتهم.
حصن رئاسة الحكومة
منذ نشأته قبل ثماني سنوات كان حضور نادي رؤساء الحكومات مرتبطاً بالاستحقاقات السياسية، ولا سيّما تلك المتعلّقة برئاسة الحكومة. كان هذا الحضور يخفت، ثمّ يعود حينما يستشعر خطراً على حقوق الطائفة ومسّاً بصلاحيّات رئيس الحكومة.
في لحظة سياسية معيّنة كان لهذا النادي أهداف تكتيكية تُختصر بحصر الموقف السياسي للطائفة السنّيّة وتوظيفه في خدمة الرئيس سعد الحريري بالذات. أُسِّس في أعقاب فشل التسوية الرئاسية ونصَّب نفسه مدافعاً شرساً عن صلاحيّات رئيس السلطة التنفيذية. اختصر تمثيل السُنّة وصارت له الكلمة الفصل في ترشيح أيّ رئيس للحكومة. شكّل الدرع الواقي للحريري في مواجهة العهد والتنافس الذي لا يزال مستمرّاً بين صلاحيّات الرئاستين الأولى والثالثة. عمليّاً حصد العهد نتائج طرحه بأنّ الرئيس القويّ يكون هو الأقوى في طائفته وتقتصر عليها تسميته، فتحوّل نادي الرؤساء إلى الجهة التي تحدّد بوصلة الترشيحات. كان نادي الرؤساء السابقين أحياناً هو نادي المرشّحين، ثمّ صار يرشّح مَن ينوب عنهم بدليل ترشيح مصطفى أديب ثمّ سحبه ورفع الغطاء عن حسان دياب وآخرين.
كان المستفيدان الأساسيّان منه، حين كان في أوج حضوره، الحريري الممسك بالخيارات السياسية التي تمثّل الطائفة ولا يستطيع أحد الخروج عليها، وميقاتي لاحقاً وإن بنسبة أقلّ. شكّل اعتذار الحريري وإعلان ميقاتي نيّته قبول التكليف الحكومي لحظة افتراق سرعان ما تحوّلت إلى توافق على ميقاتي لانعدام الخيارات ولتعهّد الأخير بأن يكون صدى الحريري في مجلس الوزراء ويحافظ على وجوده في الدولة ويمنع المسّ بالشخصيّات المحسوبة عليه.
في السابق كانت للنادي قدرة على التأثير وكان جزءاً من القرار. وقد حاول تقديم نفسه باعتباره “مؤسسة” معنوية دائمة. فنجح مرّة وفشل مرّات، وها هو يختفي
معارضة التسوية
نشأ النادي على خلفيّة معارضته التسوية التي أجراها الحريري وأفضت إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. ومع وقوع الخلاف بين عون والحريري سرعان ما انضمّ الحريري إلى النادي ليحتمي بحضنه في مواجهة “هيمنة” عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على سلطة القرار.
على امتداد فترة من الزمن شكّل النادي ببياناته طوقاً حول الحريري لم يكن ممكناً الخروج عليها. زايدوا عليه حتى كانوا من جملة الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة في أعقاب 17 تشرين. احتمى الحريري بالنادي وعزّز الأخير موقعه بفضله. تبادُل أدوار وانسجام كان يحصل بشقّ النفس أحياناً لاختلاف التوجّهات بين الحريري وبقيّة الأعضاء، وهو ما تمظهر في محطات عديدة.
كان الانسجام سمة بين أعضاء النادي الثلاثة سلام والحريري وميقاتي، بينما مثّل فؤاد السنيورة ذاك العبء الذي يمتعض الحريري من مواقفه. شكّلت رئاسة ميقاتي للحكومة نقطة تحوّل. بدأ النادي يفقد وهج حضوره، واكتمل الغياب مع إعلان الحريري تعليق مشاركته في الحياة السياسية، وتبعه لاحقاً إعلان تمّام سلام وميقاتي عدم الترشّح في الانتخابات. بينما خرج السنيورة على قرار الحريري وأصرّ على دعم لائحة في العاصمة بيروت وأخرى خارجها.
نهاية النادي
بتعليق الحريري مشاركته في الحياة السياسية بدأت نهاية اللقاء من دون إعلان رسمي. ومع إصراره على المشاركة في الانتخابات النيابية أطلق السنيورة رصاصة الرحمة عليه. بات الموت السريريّ رسميّاً لانتفاء الحاجة إليه في ظلّ الشرخ الذي وقع بين السنيورة وبقيّة الأعضاء وابتعاد الحريري عن محور القرار سنّيّاً.
النادي الذي كان يتشكّل من ثلاثة نواب في البرلمان، أحدهم يرأس أكبر كتلة نيابية، والثاني كتلة شمالية، بات جميع أعضائه خارج اللعبة النيابية مباشرة أو بالواسطة، وإن كان يحلو للبعض القول إنّ ثمّة في البرلمان الجديد ثمانية نواب بتصرّف الحريري متى شاء، غامزاً من قناة قدامى المستقبل.
بإقفال أبوابه صار التمثيل السنّيّ عبارة عن موزاييك سنّيّ جديد أفرزته الانتخابات، سببه مغادرة شخصيات سياسية وازنة الحياة السياسية وإخلاء الساحة للطارئين على الحياة السياسية.
على عتبة الدعوة إلى الاستشارات النيابية المُلزمة لتكليف رئيس للسلطة التنفيذية ليس معروفاً بعد مَن سيبادر إلى رمي الحجر الأوّل في مياه السنّيّة السياسية الراكدة، فيعلن ترشُّحه.
إقرأ أيضاً: نواب التكليف: ميقاتي “Season 2”!
يقول سياسي متابع إنّ ميقاتي لا يزال الأقرب إلى الحريري، ويرى فيه امتداداً لحضوره، ولذا هو الأوفر حظّاً ليكون رئيساً مكلّفاً ورئيساً لحكومة تصريف الأعمال. أمّا تشكيل الحكومة فدونه عقبات كثيرة، البارز فيها إصرار التيار الوطني الحر على رفض عودة ميقاتي مجدّداً خلافاً لرأي الثنائي الشيعي عموماً.