The Economist
يقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: ستُربح الحرب في ساحة القتال، لكن لا يمكن أن تنتهي إلا من خلال المفاوضات.
فمتى يتوقّف القتال، وبأيّ شروط؟
يقول الغرب إنّ القرار يعود لأوكرانيا. ومع ذلك، وبعد ثلاثة أشهر من الحرب، تتّخذ الدول الغربية مواقفها بشأن نهاية اللعبة.
إنّهم ينقسمون إلى معسكرين عريضين، كما يوضح إيفان كراستيف Ivan Krastev، من مركز الاستراتيجيات الليبرالية Centre for Liberal Strategies، وهو مؤسّسة فكرية في صوفيا. الأوّل هو “معسكر السلام” الذي يريد وقف الاقتتال في أوكرانيا، وبدء المفاوضات بأسرع ما يمكن. والآخر هو “معسكر العدالة”، الذي يعتقد أنّه يجب على روسيا أن تدفع ثمناً باهظاً بسبب عدوانها على أوكرانيا.
يتعيّن على أميركا وأوروبا وأوكرانيا أن تستمرّ في تعديل مواقفها وفقاً لِما يعتقد كلّ طرف أنّ الآخر سيقبله
يتركّز الجدل في المقام الأوّل على الأرض: هل نترك روسيا تتمسّك بالأرض التي احتلّتها حتى الآن، أو ندفعها إلى خط البداية في 24 شباط الماضي، أو نحاول دفعها إلى أبعد من ذلك، أي إلى الحدود الدولية، لاستعادة الأراضي التي استولت عليها في عام 2014؟ يدور الجدل حول أشياء أخرى كثيرة، ليس أقلّها تكاليف الحرب، والمخاطر، والمنافع المترتّبة على إطالة أمد الحرب، ومكانة روسيا في النظام الأوروبي.
معسكر السلام… ومعسكر الحرب
يحشد معسكر السلام مواقفه السياسية: دعت ألمانيا إلى وقف إطلاق النار. وإيطاليا تنشر خطة ذات أربعة مسارات لتسوية سياسية. تتحدّث فرنسا عن اتفاق سلام مستقبلي من دون “إذلال” روسيا. يقف ضدّ هذه الدول بشكل رئيسي، بولندا ودول البلطيق، وتؤيّدها بريطانيا.
ماذا عن أميركا؟
لم يحدّد الداعم الأهمّ لأوكرانيا هدفاً واضحاً بعد، في ما عدا تعزيز موقف أوكرانيا لتكون أقوى خلال المساومة. لقد أنفقت أميركا ما يقرب من 14 مليار دولار على الحرب حتى الآن، وخصّص الكونغرس قبل أيام 40 مليار دولار أخرى لدعم أوكرانيا. جمعت أميركا التبرّعات العسكرية من أكثر من 40 دولة أخرى. لكنّ هذه المساعدة ليست غير محدودة. أعطتها مدافع، لكن ليس أنظمة الصواريخ البعيدة المدى التي تطلبها أوكرانيا. أمّا تصريحات لويد أوستن Lloyd Austin، وزير الدفاع الأميركي، فلا تزيد إلا الغموض. فبعد زيارته كييف الشهر الماضي، اعتنق أوستن موقف “معسكر العدالة”، قائلاً إنّ على الغرب أن يساعد أوكرانيا على “الفوز” كما على “إضعاف” روسيا. وبعد ثلاثة أسابيع بدا وكأنّه انتقل إلى معسكر السلام، داعياً إلى “وقف فوري لإطلاق النار” بعد مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي، سيرغي شويغو. ويصرّ البنتاغون على أن لا تغيير في السياسة.
ضربة أخرى لمعسكر العدالة تمثّلت في مقال افتتاحي في صحيفة “نيويورك تايمز”، قيل فيه إنّ فكرة هزيمة روسيا غير واقعية، وخطيرة. ثمّ قال هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأسبق، إنّ المفاوضات يجب أن تبدأ في غضون شهرين لتجنّب “الاضطرابات والتوتّرات التي لا يمكن التغلّب عليها بسهولة”. ستكون هناك عودة روسيّة من وجهة نظر مثالية إلى خط 24 شباط. وأعلن كيسنجر في المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum، وهو في دافوس Davos، أنّ “مواصلة الحرب بعد تلك النقطة لن تكون حول حرّية أوكرانيا، بل ستكون حرباً جديدة ضدّ روسيا نفسها”. وقال إنّ لروسيا دوراً مهمّاً في ميزان القوى في أوروبا. ولا ينبغي دفعها إلى “تحالف دائم” مع الصين.
تبدو أوكرانيا متفائلة بشكل معقول. لقد حرمت روسيا من الغزو السهل، وتظهر أسلحة غربية جديدة على الخطوط الأمامية
تشقّق الغرب
في الوقت الحالي، يجري احتواء مثل هذه التشقّقات في الغرب من خلال عبارة سحرية، هي أنّ المستقبل يقرّره الأوكرانيون. ومع ذلك، فإنّ خيارات أوكرانيا تتشكّل بدورها من خلال ما سيوفّره الغرب لها. “أوروبا، العالم بأسره، يجب أن يكون موحّداً”، قال زيلينسكي في اجتماع دافوس. وأضاف: “نحن أقوياء بقدر ما أنتم متّحدون. وأوكرانيا ستقاتل حتى تستعيد كلّ أراضيها”. لكنّه بدا أيضاً وكأنّه يترك لنفسه مساحة للتسوية، حين قال إنّ “المحادثات مع روسيا يمكن أن تبدأ بانسحابها إلى خط 24 شباط”.
يتعيّن على أميركا وأوروبا وأوكرانيا أن تستمرّ في تعديل مواقفها وفقاً لِما يعتقد كلّ طرف أنّ الآخر سيقبله. تقول أولغا أوليكر Olga Oliker من مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group، وهي مؤسسة فكرية: “يتفاوض الأوكرانيون مع شركائهم الغربيين بقدر ما يتفاوضون مع الروس، وربّما أكثر من ذلك”. ويعكس الغموض أيضاً الشكوك التي تكتنف الحرب. فهل أوكرانيا تربح لأنّها أنقذت كييف ودفعت روسيا للتراجع عن خاركيف؟ أم هي خاسرة، لأنّ روسيا استولت على ماريوبول، وقد تطوّق سيفيرودونيتسك Severodonetsk قريباً؟ يشعر معسكر السلام بالقلق من أنّه كلّما طال القتال، زادت التكلفة البشرية والاقتصادية لأوكرانيا وبقيّة العالم. يردّ معسكر العدالة قائلاً إنّ العقوبات على روسيا قد بدأت للتوّ في التأثير سلباً على الاقتصاد. ومع مزيد من الوقت، والمزيد من الأسلحة الأفضل، يمكن لأوكرانيا الفوز.
وراء كلّ هذا قلقان متناقضان. القلق الأوّل من أنّ القوات الروسية ما زالت قوية، وستنتصر في حرب طاحنة. والقلق الآخر من أنّها هشّة. وإذا ما أُلحقت بها الهزيمة، فيمكن أن تهاجم الناتو، أو تلجأ إلى الأسلحة الكيمياوية أو حتى إلى الأسلحة النووية كي تتجنّب الهزيمة. على المدى الطويل، كما يقول إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، ستحتاج أوروبا إلى إيجاد طريقة للعيش مع روسيا. تردّ رئيسة وزراء إستونيا، كاجا كالاسKaja Kallas ، قائلة: “الاستسلام لبوتين أكثر خطورة من استفزازه”.
ساعد المسؤولون الأميركيون والأوروبيون أوكرانيا بهدوء على تطوير مواقف تفاوضية. لكنّ ثمّة نقطة واحدة، هي مطالبة أوكرانيا بضمانات أمنيّة من الغرب. وباستثناء الوعد بالدفاع عن أوكرانيا بشكل مباشر، تشمل الأفكار القدرة على “استعادة” أيّ عقوبات تُرفع عن روسيا، وإعادة تسليح أوكرانيا بسرعة إذا تعرّضت للهجوم مرّة أخرى.
التفاؤل الأوكراني
حاليّاً، تبدو أوكرانيا متفائلة بشكل معقول. لقد حرمت روسيا من الغزو السهل، وتظهر أسلحة غربية جديدة على الخطوط الأمامية. لكنّ ميخايلو بودولياك Mykhailo Podolyak، كبير مفاوضي زيلينسكي، متحدّثاً من المقرّ الرئاسي الممتلئ بأكياس الرمل، يقول إنّه يشعر بقلق متزايد من “الإرهاق” في بعض البلدان الأوروبية: “إنّهم لا يقولون ذلك بشكل مباشر، لكن يبدو أنّ هناك محاولة لإجبارنا على الاستسلام. أيّ وقف لإطلاق النار يعني تجميد الصراع”. كما اشتكى بودولياك من “الجمود” في واشنطن: “فالأسلحة لا تصل بالكميّات التي تحتاج إليها أوكرانيا”.
إقرأ أيضاً: من أين يأتي بوتين بالجنود في أوكرانيا؟
أن تنتهي الحرب، فذلك يعتمد إلى حدّ كبير على روسيا. هي ليست في عجلة من أمرها لوقف إطلاق النار. يبدو أنّها مصمّمة على احتلال كلّ إقليم دونباس في الشرق، وتتحدّث عن الاستيلاء على المزيد من الأراضي في الغرب. يقول فولوديمير فيسينكو Volodymyr Fesenko، المحلّل السياسي في كييف: “المفارقة في الموقف هي أنّ كلّاً من روسيا وأوكرانيا ما يزالان يعتقدان أنّهما قادران على الفوز. فقط إذا وصلنا بالفعل إلى طريق مسدود، واعترفت موسكو وكييف بهذا الوضع. عندها يصير ممكناً أيّ حديث عن حلّ وسط. ومع ذلك، فمن المحتمل أن يكون الحلّ مؤقّتاً”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا