من أين يأتي بوتين بالجنود في أوكرانيا؟

مدة القراءة 7 د

إيمي ماكينون Amy Mackinnon وجاك ديتش Jack Detsch – Foreign Policy

 

مع تكبّد القوات الروسية خسائر كبيرة في ميادين القتال بأوكرانيا، يعاني الكرملين لملء النقص في الجيش، ولا يزال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متردّداً في الدعوة إلى تعبئة عسكرية واسعة النطاق. وتقدّر الاستخبارات العسكرية البريطانية فقدان روسيا ثلث القوات القتالية البرّية التي جمعتها قبل الغزو، إذ أضرّ بالقوات الروسية عيوبها العملياتية من جهة، والمقاومة الأوكرانية الشرسة مدعومة بأسلحة غربية متطوّرة، من جهة أخرى. وقال مسؤولون أميركيون إنّ وزارة الدفاع لم ترَ دليلاً على تعبئة روسيّة جماعية حتى الآن. لكنّ روسيا وهي تزجّ بالمزيد من القوات إلى مسرح العمليّات، فإنّها في بعض الأحيان تجلب وحدات قتالية لا تتمتّع بكامل قوّتها، بما في ذلك الوحدات التي تكبّدت خسائر في محاولتها الفاشلة للاستيلاء على العاصمة كييف.

بدلاً من حملة التعبئة العامّة، التي من المرجّح أن تبرهن على أنّها لا تحظى بشعبيّة، جمعت روسيا تعزيزات من خلال إعادة نشر القوات الروسية من الأراضي المحتلّة في جورجيا، وجلب المرتزقة من سوريا، وتجنيد المدنيّين في المناطق المحتلّة في دونباس، وإكراه الجنود على البقاء في ساحة المعركة من خلال تعليق الحوافز الماليّة للمجنّدين الجدد. لاحظ المسؤولون والمشرّعون الأوكرانيون أيضاً أنّ روسيا تستعين بقوّات أقلّ خبرة من مناطق نائية، مثل مدينة فلاديفوستوك Vladivostok الساحلية الواقعة في أقصى شرق روسيا، بدلاً من استخدام وحدات النخبة التي عانت من خسائر فادحة في بداية الحرب. ويعتقد البنتاغون أنّ مجموعة فاغنر Wagner شبه العسكرية نشطة في منطقة دونباس. ويقول فريدريك كاغان Frederick Kagan، مدير مشروع التهديدات الحرجة Critical Threats في معهد أمريكان إنتربرايز American Enterprise Institute: “لقد كانوا بالفعل يبحثون عن أيّ جندي يمكن أن يجدوه”.

يعتقد المسؤولون الغربيون أنّ روسيا وضعت فعلاً ما يقرب من ثلثَيْ وحداتها القتالية البرّية في خطوط القتال الأمامية بأوكرانيا

مسوّدة قانون نُشرت على الموقع الإلكتروني للبرلمان الروسي يوم الجمعة الماضي كشفت أنّ المشرّعين الروس يدرسون إجراءات تلغي الحدّ الأقصى للعمر الذي يمكن فيه للروسي توقيع عقد الخدمة في الجيش. ويرى التعديل الذي قدّمه رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان، أندريه كارتابولوف Andrey Kartapolov، أنّ من الضروري توظيف متخصّصين لديهم سنوات من الخبرة في الخدمة العسكرية. إذ يبلغ الحدّ الأقصى الحالي، 40 سنة للروس، و30 سنة للأجانب.

 

تماسك المقاومة الأوكرانية

في الأسابيع الأولى من حملة دونباس، بعد فشل الجهود الكارثيّة لموسكو لاقتحام كييف، حاولت روسيا التغلّب على القوات الأوكرانية بأعداد كبيرة من الجنود، على التضاريس المنبسطة للإقليم، عن طريق إشباع الأهداف بنيران الصواريخ والمدفعية الثقيلة قبل إرسال موجات من الوحدات البرّية. لكنّ “التقدّم” مازال أقلّ من توقّعات بوتين في المنطقة المتنازع عليها. والمقاومة الأوكرانية تبعد الوحدات الروسية عن المدن الحدودية الأوكرانية، مثل خاركيف. وهذا يؤدّي إلى تغيير آخر في التكتيكات الروسية.

يوم الأربعاء الماضي، قال مسؤول كبير في البنتاغون متحدّثاً بموجب القواعد التي وضعتها وزارة الدفاع، إنّ روسيا بدأت تقليص حجم هجماتها باستخدام وحدات أصغر في شمال دونباس، وهو في الأرجح ردٌّ على الاستنزاف الشديد المستمرّ في الحرب حتى الآن. وقال كاغان إنّ “عجلات الجيش الروسي تنطلق نوعاً ما”.

يوم الجمعة الماضي، قدّرت الاستخبارات الدفاعية البريطانية أنّ القادة الروس يتعرّضون لضغوط متزايدة لتحقيق أهداف الحرب، وهو ما أجبرهم على إعادة نشر القوات التي استنزفتها المعركة من دون أن يتوافر الوقت الكافي لتجديدها. وهذا يهدّد بمزيد من الخسائر. ويعتقد المسؤولون البريطانيون أنّه في بعض مناطق دونباس، وعلى الرغم من تفوّق عدد القوات الروسية على الأوكرانية بأكثر من ثلاثة جنود إلى واحد، فإنّ التنسيق الروسي الضعيف بين المدفعيّة والوحدات البرّية قد أعاق التقدّم، على الرغم من أنّ المسؤولين الأوكرانيين يعتقدون أنّ النيران الروسية كانت فعّالة في إلحاق إصابات بالجيش الأوكراني أكثر بكثير من تلك التي تعرّض لها خلال محاولة موسكو الفاشلة الاستيلاء على كييف.

قال مسؤول كبير في البنتاغون متحدّثاً بموجب القواعد التي وضعتها وزارة الدفاع، إنّ روسيا بدأت تقليص حجم هجماتها باستخدام وحدات أصغر في شمال دونباس

“ما زالوا يواجهون مشكلة في تحقيق الأثر الذي يريدونه، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى تحدّي التكامل بين المدفعيّة والوحدات، ويرجع ذلك جزئياً أيضاً، إذا كان لديك شكّ، إلى التكتيكات السوفياتية المتمثّلة في القصف الهائل ووابل المدفعية غير الدقيقة إلى حدّ ما، ثمّ الاندفاع إلى الأمام، وعدم سلوك طريق واحد، إلى أن تُصاب بالإنهاك”، كما قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس Ben Wallace للصحافيين الأسبوع الماضي خلال زيارة لواشنطن: “هذا ما يحدث كلّ يوم. إنّهم لا يتقدّمون حقّاً في مناطق عدّة… وحلّهم الوحيد هو استخدام الجنود كوقود للمدافع”.

من المرجّح أن تُترجم حالة الانهيار والفوضى التي تعاني منها قوات موسكو إلى مزيد من الصعوبات في ساحة المعركة. وقال كاغان: “حتى لو أُعلنت التعبئة العامّة غداً، فمن شبه المؤكّد أنّ الهجوم الجاري حالياً سيبلغ ذروته خلال الأسبوعين المقبلين. هي ليست موجة من الأفراد المدرّبين الذين يمكنهم جلبهم، ويمكن حقّاً تهيئتهم في أيّ فترة زمنية قصيرة”.

وقال مسؤول دفاعي كبير للصحافيين يوم الخميس الماضي إنّ لدى روسيا نحو 106 كتائب تكتيكية (BTG) تقاتل في أوكرانيا، وهو العدد نفسه الذي كان في وقت سابق من الأسبوع. وقال المسؤول الأميركي: “لقد دفعوا بعض الوحدات إلى دونباس بنسبة 100 في المئة. كانت لدينا مؤشّرات إلى أنّه لم يكن كلّ مَن قدموا في مستوى الاستعداد نفسه كما كان قبل الحرب. كانت بعض الكتائب مستنزفة جدّاً لدرجة أنّها ببساطة حُلّت ودُمجت في كتائب أخرى”. وقال والاس، وزير الدفاع البريطاني، إنّ روسيا حاولت أيضاً تعويض الخسائر في الوحدات التي وصل معدّلها إلى 35 في المئة، أي قريبة من المعدّلات التي من شأنها أن تجعل معظم الوحدات العسكرية غير قابلة للتشغيل، من خلال زيادتها بقوات أخرى غير جاهزة للقتال.

يعتقد المسؤولون الغربيون أنّ روسيا وضعت فعلاً ما يقرب من ثلثَيْ وحداتها القتالية البرّية في خطوط القتال الأمامية بأوكرانيا. لكنّ المسؤول الدفاعي الأميركي يقول إنّ روسيا ما زالت تكافح لتحريك أعداد كبيرة من القوات إلى الجبهات بسبب الإخفاقات في الأعمال اللوجيستية وصيانة المعدّات. ومن الإخفاقات العسكرية الروسية، غرق الطرّاد موسكفا Moskva في نيسان الماضي، وفشلها في الاستيلاء على خاركيف Kharkiv، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا. ما دفع بوتين إلى تعليق عمل اثنين من كبار القادة.

إقرأ أيضاً: على أوكرانيا تقديم تنازلات مؤلمة

هناك أيضاً سخط دفين داخل روسيا، إذ استُهدفت مكاتب التجنيد العسكرية الروسية في جميع أنحاء البلاد بزجاجات المولوتوف، على الأرجح احتجاجاً على جهود روسيا في الباب الخلفي لتعبئة قوات إضافية، حسبما أفاد معهد دراسات الحرب Institute for the Study of War، ومقرّه واشنطن، يوم الخميس الماضي. وأشار المعهد الأسبوع الماضي إلى أنّ المدوّنين العسكريين الروس عادة ما يتساءلون عن مغزى خوض موسكو للحرب، بعد فقدان ما يقرب من 500 جندي و80 قطعة من المعدّات العسكرية في محاولة كارثية لعبور نهر سيفرسكي دونيتس Siverskyi Donets.

وقال كاغان: “قنابل المولوتوف كطائر كناري في منجم فحم. المدوّنون العسكريون هم طائر الكناري الذي يغرّد بصوت عالٍ جدّاً في منجم الفحم. ويمكن أن يصبح هذا مشكلة لاستقرار نظام بوتين”.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…