موقعة الأقصى: عودة إلى فلسطين

مدة القراءة 3 د

نُزِع ولو بصورة مؤقّتة صاعق التفجير الذي اقترب من أن يُشعل السهل كلّه على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية.

جاءت موقعة الأقصى، التي ما تزال مستمرّة وإن بوتيرة أهدأ قليلاً، كذروة لتصعيد العمليات القتالية التي غطّت جميع جهات “الجغرافيا الفلسطينية الإسرائيلية” من النقب جنوباً إلى جنين شمالاً، ومن بني براك والخضرية في القلب إلى القدس.

هذا الذي حدث قبل وأثناء رمضان، الذي تراه إسرائيل شهر الخطر، يستحقّ أن يُقرأ بموضوعيّة ووفق ميزان الإيجاب والسلب.

جهة الإيجاب

تراجعت القضية الفلسطينية بفعل الحرب الأوكرانية الروسية وما يتبعها من حروب شرق أوسطية مركزها عالمنا العربي، على نحوٍ فقدت فيه مكانتها التقليدية والفعليّة كقضية مركزية أولى إقليمياً ودوليّاً، وحتى عربيّاً وإسلاميّاً، فغابت عن الإعلام والاهتمام.

موقعة الأقصى أجهزت نهائيّاً على بقايا ما سُمّي بـ”عملية السلام”. لكنّها أنقذت القضية من أن تكون منسيّة وخارج جدول أعمال العالم

أكثر من ذلك: بدأ اللاعبون الدوليون بالتكيّف مع معادلة أن لا حلول سياسية لهذه القضية بل حلول اقتصادية هي في واقع الأمر مجرّد تسهيلات تُقدّم على جرعات، حتى يظلّ الشعب الفلسطيني على قيد الحياة لا أكثر.

بفعل موقعة الأقصى وفي أيام معدودات عادت القضية المنسيّة ليس إلى الذاكرة وإنّما إلى التداول الجدّيّ. فإلى جانب التركيز على التهدئة ونزع فتيل الانفجار، نهض إجماع شامل على حتميّة الذهاب إلى الحلّ السياسي وعنوانه المتداوَل حلّ الدولتين.

من الإيجابيّات أيضاً أنّ إسرائيل لم تستطع تفادي التأثير المباشر لموقعة الأقصى وما قبلها على الوضع الداخلي فيها، فقد اهتزّت وبقوّة أساسات الائتلاف الحكومي، ولولا إجازة الكنيست لشهدنا انقلاباً في الائتلاف، سيقود حتماً إمّا إلى عودة بنيامين نتانياهو إلى رئاسة الوزراء، بفعل اصطفاف جديد، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة حظوظه في كسبها أعلى من حظوظ خصومه.

من الإيجابيّات أيضاً حدوث نقلة لا بأس بها على صعيد الموقف العربي العامّ من “القضية المنسيّة” بعدما فقدت حضورها وإيقاعها في زمن التطبيع وكورونا وأوكرانيا والربيع.

نظراً إلى كلّ ما تقدّم من إيجابيّات اضطرّت إسرائيل إلى إحناء ظهرها والتراجع ولو بخطوات تكتيكيّة إلى الوراء، كأنّها تراهن على فتور الهمّة، وعودة حليمة إلى عادتها القديمة عربيّاً وإسلاميّاً وفلسطينيّاً.

جهة السلب

السلب الأكبر فيما أنتجت موقعة الأقصى، هو ما ظهر من ضعف يصل حدّ العجز على مستوى الطبقة السياسية الفلسطينية بشقّيها الموالي والمعارض. فقد بدا أن ليس فقط في فمها ماء، بل وفي يدها ورجليها قيود، وذلك بفعل النظرية المتكرّسة: الحاجات أمّ التهدئات. ففي الضفّة يخشون من فقدان التسهيلات الممنوحة والموعودة، وفي غزّة لا يختلف الأمر كثيراً إلا من حيث اللغة.

في الضفّة لغة سلميّة وفي غزّة لغة حربيّة، والمحصّلة انتقال الفعل إلى الشارع، وهو ما أخاف إسرائيل وحيّد المرجعيّات المفترض أنّها صاحبة القرار، وهذا ما ينتج حالة غير مسيطر عليها ونتاجها المفاجأة.

إقرأ أيضاً: روسيا تهاجم إسرائيل: دولة احتلال تسجن الفلسطينيين

الخلاصة: موقعة الأقصى أجهزت نهائيّاً على بقايا ما سُمّي بـ”عملية السلام”. لكنّها أنقذت القضية من أن تكون منسيّة وخارج جدول أعمال العالم. ومع انتقال الفعل إلى الشارع وإلى الوسطاء، فلا مناصّ من انتظار أو الذهاب إلى عملٍ يبلور للشارع قيادة فعّالة.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…