روسيا تهاجم إسرائيل: دولة احتلال تسجن الفلسطينيين

مدة القراءة 6 د

منذ حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضدّ أوكرانيا وجدت إسرائيل الرسمية نفسها، رغم أنفها، في مكانة مؤيّدة صامتة للكرملين، إذ رفضت الانضمام إلى العقوبات الاقتصادية والماليّة الدولية ضدّ روسيا، وترفض توريد أسلحة متطوّرة لأوكرانيا. وواظب الرئيس نفتالي بينيت في جميع تصريحاته عن الحرب على الامتناع عن التنديد بروسيا ورئيسها، فلاديمير بوتين، على عكس وزير الخارجية الإسرائيلي الذي يدور في الفلك الأوروبي، والذي ندّد في أكثر من مناسبة بالتدخّل العسكري الروسي في أوكرانيا.

حاول بينيت تصوير نفسه وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا لوقف الحرب، لكن في الحقيقة لم تكن إسرائيل يوماً في موضع الوساطة، فهي لا تملك “المونة” اللازمة على الطرفين. يمكن لبينيت أن يجتمع مع بوتين في الكرملين لمدّة ثلاث ساعات، وأن يرفع الهاتف ويتّصل ببوتين والرئيس الروسي فولوديمير زيلنسكي. لكن لا يمكنه أن يوقف الحرب. وقد أغضبت جهود الوساطة التي أجراها بينيت الكثيرين من المسؤولين الأوكرانيين، الذين لا يحبّون أسلوبه، ولا دوافعه ولا إنجازاته. فقد رأت كييف أنّ مشاركة بينيت في الجهود الدبلوماسية مدفوعة أساساً بالرغبة في تجنّب اتّخاذ موقف واضح تجاه الغزو الروسي، خوفاً من الإضرار بالعلاقات مع موسكو. وقال مسؤول أوكراني: “مبادرة بينيت تبدو لنا غطاء وذريعة للامتناع عن التحدّث بحدّة أكبر ضدّ روسيا، وتزويدنا بالسلاح، والانضمام إلى الدول التي تفرض عقوبات على روسيا”.

للمرّة الأولى وبشكل استثنائي، تذكر الخارجية الروسية الانتهاكات الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين بشكل لاذع

ومعروف أنّ وساطة بينيت سببها رغبة تل أبيب بعدم إغضاب بوتين، لضمان الاستمرار بالتمتّع بحريّة العمل الهجومي في سوريا، والحصول على موقف جيّد من موسكو من المفاوضات النووية مع إيران.

 

بينيت “صندوق بريد”

وصف المسؤول الأوكراني بينيت بأنّه أشبه بـ”صندوق البريد” بين الطرفين الروسي والأوكراني. إذ اقتصر دوره على تمرير المعلومات ونقل المواقف ووجهات النظر من جانب إلى آخر. واعتبر أنّ هذا “لا يسمّى وساطة”. وحينما قرّر بينيت أن لا يكون وسيطاً، انحاز بشكل سافر إلى موقف بوتين. وقالت مصادر إسرائيلية مطّلعة إنّ بينيت حثّ رئيس أوكرانيا زيلينسكي على ألّا يسمح للغرب بتضليله وأن يكون واقعياً، وأن يسافر إلى موسكو، ويوافق على شروط بوتين. باختصار، لقد وجّهت إسرائيل، الدولة القومية اليهودية، نصيحة لزيلينسكي: “لا مكان على المعمورة لدولة أوكرانية قومية”.

على عكس بينيت، تعهّد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بأن لا تكون إسرائيل طريقاً لتجاوز العقوبات المفروضة على روسيا. وكانت أوكرانيا وواشنطن قد طالبتا إسرائيل بالانضمام إلى نظام العقوبات ضدّ بوتين، وأن لا تتحوّل تل أبيب إلى الملجأ الأخير للأموال القذرة، في إشارة إلى هروب الأثرياء الروس المقرّبين من بوتين إلى إسرائيل للالتفاف على العقوبات الدولية.

 

إسرائيل تتهاون مع الروس

غير أنّ قناة عبريّة أفادت بأنّ “العديد من الطائرات الخاصّة وصلت من سان بطرسبورغ إلى مطار بن غوريون الدولي منذ بداية العملية العسكرية الروسية، والعديد من اليخوت قد رست في موانئ إسرائيل”. وتمتنع إسرائيل الرسمية بإيعاز من بينيت عن فرض أيّ قيود على الأوليغارشيين الروس اليهود، الذين حصلوا على جنسية إسرائيلية بموجب “قانون العودة”، الذي يسمح لليهود فقط بالهجرة إليها. ولا تفرض عليهم قيوداً بشأن رسوّ يخوتهم وهبوط طائراتهم الخاصة في إسرائيل. وقد هبطت الطائرة الخاصة للملياردير رومان أبراموفيتش في إسرائيل، بعدما كان قد أعلن عزمه بيع فريق كرة القدم البريطاني تشيلسي. ويواصل رومان عمله في إسرائيل بحرّيّة، ويستمرّ بالتبرّع لمؤسسات إسرائيلية عديدة، وبينها تبرّع سخيّ لمتحف “يد فَشِم” في القدس لتخليد ذكرى المحرقة.

تعهّد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بأن لا تكون إسرائيل طريقاً لتجاوز العقوبات المفروضة على روسيا

تفعل إسرائيل ذلك متذرّعة بما يوصف بقانون “ميلتشين”، نسبة إلى الملياردير الإسرائيلي أرنون ميلتشين، الذي جرى سَنُّه في العام 2008، ويعفي المهاجرين اليهود إلى إسرائيل من تسديد الضرائب فيها لمدّة عشر سنوات، ويعفيهم من تقديم تقارير عن أعمالهم خارجها لعشر سنين أيضاً. وحوَّل “قانون ميلتشين” إسرائيل إلى ملاذ من الضرائب للأثرياء والأوليغارشيين اليهود. لذلك لا تتعاون إسرائيل مع سلطات الضرائب في دول أخرى بادّعاء أنّها لا تملك معلومات عن دخلهم بسبب “قانون ميلتشين”.

كل هذه المواقف من الحكومة الاسرائيلية لم تشفع لدى القيادة الروسي. ففي بيان غير مسبوق من ناحية اللهجة والمحتوى، هاجمت وزارة الخارجية الروسية موقف وأقوال وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، واعتبرتهما محاولة لصرف أنظار المجتمع الدولي عن أحد النزاعات الأطول في التاريخ، وهو النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وذلك في سياق الردّ على دعم لابيد لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بتعليق عضويّة الاتحاد الروسي في مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، وإدانة لابيد “المذبحة في بلدة بوتشا” القريبة من كييف كاتباً في حسابه في تويتر: “لا يمكن البقاء لامبالين أمام هذه الصور المروّعة التي اكتُشفت بعد خروج الجيش الروسي من المكان”.

للمرّة الأولى وبشكل استثنائي، تذكر الخارجية الروسية الانتهاكات الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين بشكل لاذع، فقد أضاف بيان الخارجية أنّ “الحكومة الإسرائيلية تواصل الاحتلال غير الشرعي والضمّ الزاحف للأراضي الفلسطينية، في انتهاكٍ لعدد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة”، مشيراً إلى أنَّ “هناك مليونين ونصف مليون فلسطيني يعيشون في جيوبٍ منفصلةٍ ومنقطعةٍ عن العالم”.

وأضاء البيان الروسي على الوضع في قطاع غزة، فقال: “القطاع أصبح فعلاً سجناً مفتوحاً يعيش سكّانه منذ 14 عاماً في ظروفِ الحصار الذي تفرضه إسرائيل، بحراً وبرّاً وجوّاً”، وبيّن أنَّ “دول الغرب والولايات المتحدة مرّت مرور الكرام على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية”.

علّق لاحقاً مصدرٌ في وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي على بيان وزارة الخارجية الروسية، الشديد اللهجة بحق “إسرائيل”، قائلاً: “روسيا عادةً ما تصوّت ضدّ “إسرائيل” في الأمم المتحدة، وعليه فإنَّ “إسرائيل” لا ترى أيَّ مانعٍ من تصويتها ضدّ روسيا في المنظمة الدولية”.

إقرأ أيضاً: مصر تهدّىء مواجهات الأقصى.. وإسرائيل تتراجع

يبدو من لهجة البيان الروسي حجم الضغوط القوية التي تعيشها موسكو، نتيجة غزوها أوكرانيا. إذ عرقلت واشنطن والناتو خطط بوتين للاستيلاء على أوكرانيا بسهولة، وتمكّنت القوات الأوكرانية من تكبيد موسكو خسائر فادحة في الآليّات والمدرّعات والأرواح على عكس ما هو متوقّع. وبدأ الوقت يضغط على موسكو في المسار الذي حدّدته للعملية، في الزمان، أو في الخسائر غير المتوقّعة، أو في الأهداف التي لم تتحقّق حتى الآن، وهو ما اضطرّ بوتين إلى تغيير استراتيجيّته بالتحوّل نحو فصل شرق أوكرانيا، والهجوم على دونباس بدلاً من الزحف على كييف.

 

*كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة..

 

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…