حتى الآن، نجحت الوساطة المصرية بين الفصائل الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في منع تدهور الأوضاع أمنيّاً في الأراضي المحتلّة، بعدما ألقت القاهرة بكلّ ثقلها، وذلك في أعقاب اقتحام قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى فجر يوم الجمعة، واعتدائها بعنف على المصلّين والمعتكفين داخله، متسبّبةً بإصابة أكثر من 150 فلسطينياً، واعتقال 500 آخرين.
جاء هذا التطوّر بعدما دعت القوى الوطنية والإسلامية إلى شدّ الرحال والاحتشاد والرباط والاعتكاف في رحاب المسجد الأقصى، يوم الجمعة، إفشالاً لمخطّط “ذبح القرابين” في المسجد الأقصى من قبل جماعات الهيكل اليهودية في ما يُسمّى “عيد الفصح”. وقد أعلنت الفصائل الفلسطينية في غزّة وغرفة العمليات المشتركة النفير العام ردّاً على اعتداءات الاحتلال على المصلّين في المسجد الأقصى.
ونقلت مصادر مطّلعة أنّ “المسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصرية تواصلوا مع قيادة حماس ومع المسؤولين في حكومة الاحتلال، وأسفر هذا التواصل عن اتفاق بشأن الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال خلال مواجهات يوم الجمعة، وسيتمّ بموجبه إطلاق سراح كلّ المعتقلين، مقابل تهدئة الأوضاع”. وطالبت القاهرة قيادة حركة “حماس” بضبط الأوضاع في قطاع غزة، مؤكّدة مخاوفها بشأن حدوث أيّ خطأ قد يؤدّي إلى إطلاق صواريخ من القطاع بشكل يدفع الأوضاع إلى نقطة لا يمكن الرجوع عنها”.
في تقديرات الوضع التي تُجريها القيادة الأمنيّة العليا في إسرائيل، أنّه يجب التخفيف من العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنين خللال الفترة المقبلة
شكّل الموقف المصري الرسمي المتمثّل في بيان الخارجية المصرية، وما تضمّنه من تأكيد أنّ المسجد الأقصى كاملاً يُعدّ وقفاً إسلاميّاً خالصاً، رسالة طمأنة للفصائل التي أكّدت ضرورة إنهاء آليّة التقسيم الزماني والمكاني للأقصى.
وأثار مخطّط “ذبح القرابين” في ساحات الأقصى موجة غضب عارمة لدى الفلسطينيين، خشية أن يؤدّي ذلك إلى سيطرة يهودية على الحرم القدسي، واعتبرت الرئاسة الفلسطينية أنّ ذلك استفزاز خطير لمشاعر الفلسطينيين والمسلمين، ومن شأنه أن يصبّ النار على الزيت.
منذ بداية شهر رمضان المبارك، تكثّفت دعوات واستعدادات “جماعات الهيكل” لتقديم ما يسمّى “قربان الفصح” داخل المسجد الأقصى، ورصدت مكافآت ماليّة لمن يتمكّن من إدخاله من المتطرّفين.
موجة العمليات مستمرّة
في الوقت نفسه، ما زالت موجة العمليات الفلسطينية في الذروة، حتى لو سجّلت فترة استراحة في مراكز المدن الإسرائيلية. ومن الواضح لأجهزة الأمن الإسرائيلية أنّ العمليات الإسرائيلية المتواترة في منطقة جنين، التي خرج منها فلسطينيون سالمين، في ثلاث من العمليات الخمس المركزية، ستجذب إلى المدينة، ولا سيّما إلى مخيّم اللاجئين، مقاومة مسلّحة من جانب نشطاء المنظمات الفلسطينية.
في تقديرات الوضع التي تُجريها القيادة الأمنيّة العليا في إسرائيل، أنّه يجب التخفيف من العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنين خللال الفترة المقبلة، لأنّ موت النشطاء المسلّحين في جنين يعزّز روح المقاومة ويوسّع دائرة الثأر، وهذا هو السبب الذي من أجله طلب وزير الدفاع، بيني غانتس، التركيز على إحباط تنفيذ العمليات ضدّ أهداف إسرائيلية وليس الانجرار إلى عمليات استعراضية يمكن أن تصعّد التوتّر وتؤدّي في نهاية المطاف إلى عملية أوسع وأطول في المدينة وفي محيطها من دون أن تكون حاجة إلى ذلك، ويفضّل جهاز الأمن حدوث ذلك بعد انتهاء شهر رمضان.
الضغط الذي يستخدمه الجيش و”الشاباك” في شمال الضفّة، هو الذي يدفع الاحتكاك إلى الخلف، أي إلى داخل المناطق المحتلّة، وخصوصاً شمال الضفة. ويسأل الكاتب الإسرائيلي عاموس هارئيل: أيّهما أسبق؟ البيضة أم الدجاجة؟ فالجيش الإسرائيلي يرسل قوات هجومية إلى مدن وقرى ومخيّمات اللاجئين في الضفة لتعزيز قواته الدفاعية، ومن أجل محاولة الشعور بالأمان المتضعضع لدى المستوطنين واليهود، لكنّ وجود الجنود نفسه في القرى وفي مخيّمات اللاجئين يشجّع الاحتكاك الذي يؤدّي إلى سقوط مصابين فلسطينيين يضخّمون بدورهم مشاعر الثأر ويطيلون موجة العنف.
إقرأ أيضاً: فلسطين: لا راية بيضاء ترفع وليكن ما يكون
وقد ساهم قانون أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية الأسبوع الماضي في تأجيج المناخ المتوتّر عندما حكمت بأنّ مصابي العمليات من اليهود يمكنهم المطالبة بالتعويضات من السلطة الفلسطينية تحت ذريعة أنّ السلطة تدفع رواتب شهرية لعائلات السجناء الفلسطينيين ومنفّذي العمليات الذين يقتلون. حكمٌ يستهدف الضغط على السلطة من أجل التوقّف عن دفع الرواتب.
*كاتبة فلسطينية مقيمة في غزّة..