كثيرة هي العوامل التي تجعل من الانتخابات المنتظرة في الخامس عشر من أيار المقبل، غريبة في وقائعها. فيها الكثير من القرف السائد بين الناخبين، وفيها أيضاً الكثير من اللامبالاة والضياع والتردّد، أقلّه حتى الآن.
لا عنوان سياسياً يفرز المتنافسين إلى اصطفافين أو خندقين، على الرغم من محاولة “القوات” و”الاشتراكي” ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة تسييس المعركة. لكنّ العنوان المعيشي يغلب ما عداه. حتى النتائج السياسية، أي مصير الأغلبية والأقليّة، قد يتغيّر بين ليلة وضحاها، ربطاً باحتمال حصول موجة اقتراع غير متوقّعة.
فعليّاً، لا تزال نسبة مشاركة اللبنانيين يوم 15 أيار لغزاً يصعب حلّه قبل ثلاثة أسابيع من فتح الصناديق. حتى اللحظة، المرجّح هو انكفاء شريحة كبيرة من اللبنانيين عن وضع أصواتهم في الصناديق، بعدما خذلت “المعارضات” أو القوى “التغييرية” الناخبين. وهو أمر حصل في الكثير من الدوائر حيث تعدّدت اللوائح المعارضة، فيما توحّدت في دوائر محدودة. وهذا ما قد يؤدّي إلى بقاء الكثيرين في منازلهم والامتناع عن الإدلاء بأصواتهم.
يجزم الخبراء الانتخابيون أنّ نسبة مشاركة الناخب السنّيّ سيكون لها التأثير الأكبر في نتائج الانتخابات، ولا سيّما في دوائر وجودهم الفاعل
لهذا قد تكون نسبة المشاركة يوم 15 أيار أحد العوامل المؤثّرة في النتائج، ولا سيّما أنّ العديد من قوى السلطة تراهن على هذه اللامبالاة لكي تحافظ على وضعيّتها الانتخابية وتحمي حصونها من الاختراقات، لأنّ هجمة الناخبين على صناديق الاقتراع لن تكون لمصلحتها وستصبّ حكماً في خانة أهداف الخصوم.
بالتفصيل، يمكن الإشارة إلى أنّ كلّ الأحزاب تعاني من تراجع في حضورها الشعبي، وهو واقع تلمّسته مراكز الاستطلاع منذ أشهر، وبالتالي جلّ ما حافظت عليه هذه الأحزاب هي بلوكاتها الأساسية، أي النواة الصلبة. أمّا الطبقة المحيطة فلا يزال مصيرها مجهولاً. لا بل كان يُفترض أن تذهب هذه الطبقة إلى القوى التغييرية لو أنّها قدّمت صورة موحّدة أو مشروعاً واحداً مقنِعاً. لكن من الصعب التكهّن الآن كيف ستصوّت هذه الطبقة التي توصف بالمتردّدة أو غير المقولبة، والتي عادة ما تتأثّر بخطاب الأيام الأخيرة التي تسبق الانتخابات.
رغبة التيار الوطني والقوات
لهذا يقول مواكبون إنّ التيار الوطني الحر والقوات، على سبيل المثال، يفضّلان بقاء نسبة المشاركة الاقتراعية متدنّية، لأنّ ارتفاعها لن يكون عاملاً مساعداً، وسيكون لمصلحة طرف ثالث. غير أنّ انخفاض نسبة المشاركة يعني انخفاض الحاصل الانتخابي، وهي نتيجة ستصبّ حكماً لمصلحة هذين الحزبين.
كذلك في الشمال، وتحديداً في دائرة بشرّي- زغرتا-الكورة-البترون، فإنّ للتيار الوطني الحر مصلحة في الإبقاء على نسبة المشاركة منخفضة، ولا سيما من “خلف البحار”، أي مشاركة المغتربين. فيما يعوّل خصومه، بمن فيهم تيار المردة وميشال معوّض ولائحة “شمالنا”، على العكس تماماً لأنّهم مقتنعون أنّ مشاركة هؤلاء بكثافة ستعطيهم أصواتاً مؤيّدة.
الثنائي الشيعي
أما لوائح الثنائي الشيعي في دوائر الجنوب فسيكون انخفاض عدد المشاركين في الاستحقاق لمصلحتها. فيما “الزحمة الزائدة” وغير المتوقّعة في مراكز الاقتراع ستكون لمصلحة الخصوم. ولا سيّما في الجنوب الثالثة حيث تتمّ مواجهته بلائحة معارضة موحّدة ترجِّح الاستطلاعات أن تتمكّن من تحقيق خرق.
يعمل الثنائي، في المقابل، على رفع نسبة المشاركة في كلّ من دائرة بعبدا ودوائر البقاع من باب رفع الحاصل الانتخابي لقطع الطريق أمام أيّ خرق من جانب الخصوم، وتحديداً في بعلبك- الهرمل، ليمنع القوات من تجديد نيابة أنطوان حبشي. وهي مفارقة في سلوكه ستضعه أمام نقيضين في الأداء الانتخابي بين دوائره الأساسية، وتحديداً بين البقاع والجنوب.
في الإطار نفسه، يشجّع الثنائي على عدم نزول سُنّة العاصمة في دائرتها الثانية إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، لأنّ الانكفاء وانخفاض الحاصل الانتخابي سيحسّنان وضع اللائحة المدعومة من جانبه في العاصمة وسيرفع من إمكانية “خطفه” حاصلاً إضافياً.
ماذا عن السنّة؟
بيد أنّ اللغز الأكبر يكمن عند الصوت السنّيّ. كيف سيتصرّف الناخبون السُنّة؟ هل يشاركون بكثافة أم يلتزمون منازلهم؟
إقرأ أيضاً: مقاطعة مسيحيّة في دائرة الجنوب الثالثة؟
تبيّن حتّى الآن أنّ الرئيس فؤاد السنيورة يحاول تحريك المياه الراكدة. كذلك المفتي عبد اللطيف دريان ومن جهته، يحاول السفير السعودي وليد البخاري تحفيز مشاركة السُنّة في الاستحقاق ودعم بعض المرشّحين. أمّا مساعدي رئيس الحكومة السابق سعد الحريري فيعملون “على القطعة” في الانتخابات ومن تحت الطاولة لدعم بعض المرشّحين المقرّبين منهم، ولا سيّما في البقاع، الإقيلم، بيروت، وعكار، فيما من مصلحتهم “المقاطعة” في دوائر أخرى.
ويجزم الخبراء الانتخابيون أنّ نسبة مشاركة الناخب السنّيّ سيكون لها التأثير الأكبر في نتائج الانتخابات، ولا سيّما في دوائر وجودهم الفاعل.