الانتخابات “تفسّخ” الأحزاب والتغييريين.. في كلّ مكان

مدة القراءة 7 د

هي لوثة الانتخابات التي لا تدع للصلح مطرحاً لا بين الحلفاء ولا بين القوى السياسية. أن يعصف الخلاف الانتخابي بالتحالفات بين أحزاب السلطة فيسود الغنج والدلال، ويعتقد كلّ حزب أنّ حجمه يفوق حجم القوى الأخرى على الأرض، فذلك متعارف عليه. لكن أن تنتقل الخلافات إلى قوى المعارضة “الطازجة”، وخصوصاً تلك التي لم تختبر قوّتها وحضورها بشكل موثّق بعد، والتي طرحت نفسها قوى تغييرية وزرعت الأمل بين الناس في أن يشهد البلد ولادة جديدة بفضله…، فتلك هي النكسة والمصيبة.

شكّلت الانتخابات المحطّة المفصليّة التي تحدّث عنها “التغييريّون” وراهنوا عليها بشدّة. وشدّ من عصبهم في هذا الاتجاه ما حُكِيِ عن دعم من “قوى خارجية” وانخراط جماعات الـ”NGO’s”، وما يرشح عن إغداقها المال عليهم وتوزيع المهمّات. ثم توالت الاجتماعات، إلى أن دقّت ساعة الحقيقة عند أوّل مفترق انتخابي فـ”انفخت الدفّ” وتفرّق التغييريّون.

على مدى السنوات التي كان فيها سعد الحريري خارج البلاد، رأس السنيورة كتلة المستقبل، وفجأة صار حليفاً غير منتسب إلى تيار المستقبل ولا يلتزم بقراراته

 

نحو الوطن وكلنا إرادة      

البداية من الصراع الذي أعقبه الافتراق بين منصّتَيْ “نحو الوطن” و”كلّنا إرادة”. كان المأمول للمراهنين أن تشكّل هاتان المنصّتان نقطة ارتكاز لمشروع المعارضة، وتأخذا بيده إلى برّ الأمان، وصولاً إلى الندوة البرلمانية. لكنّهما اختلفتا على الرئاسة والإدارة، وتبادلتا الاتّهامات في ما يتّصل بالمشروعيّة. وحطّ مثل هذا الانقسام رحاله عند قوى التغيير الكثيرة بينهما. وكثر الطامحون بما يفوق عدد النواب في البرلمان.

كان المنتظر أن تخوض المعارضة الانتخابات بلوائح موحّدة على مستوى الوطن وعلى حجم الدوائر، أو هكذا أمل المناصرون. لكنّ الخلافات بين المرشّحين فرضت وجود ما يصل إلى أربع لوائح للمعارضة في بعض الدوائر.

لم تقف المسألة عند حدّ الاختلاف على المشروعيّة، بل تطوّر الأمر إلى تبادل الشتائم والاتّهامات عبر شاشات التلفزة. كان لبولا يعقوبيان النصيب الأكبر منها في بيروت. وخارج العاصمة كانت المفارقة خروج العميد جورج نادر من حلبة المرشّحين، وهو الذي تسمّر في ساحات الثورة منذ بدايتها، وتردّد صدى صوته راعداً ومهدّداً قوى السلطة، وكان من أوائل من فاتحتهم منصّة “نحو الوطن” بالترشّح. أعلن ترشّحه إلى جانب كثيرين. وقعت الحيرة في الاختيار. شُكّلت لجنة فاحصة واختارت، وكان الأوّل بين المرشّحين المحتملين من الموارنة، لكنّه فوجئ بإعلان اللوائح خاليةً من اسمه. استعان على شدّته بفضح أسرار الاتفاق وإضاءته على “عورات” الثورة والتغييريّين. مثّل عيّنة ممّا حصل في عكّار وتكرّر في طرابلس وبيروت والجنوب.

 

انقسام “الكتائب”

كشف مشهد المعارضة خللاً عميقاً في البرنامج والهدف وفي آليّة التعاطي. اختلفوا على هويّة التغييريّين. مَن هم؟ وهل الأحزاب التي انتقلت إلى صفوف المعارضة على أبواب الانتخابات صارت تغييريّة ولم تعد تشملها لوثة السلطة؟ وهذه نقطة خلاف مركزية تسبّبت في ولادة تحالفات غريبة عجيبة.

تحالفت الكتائب مثلاً مع قوى الثورة في المتن، لكنّها تحالفت مع منظومة المصارف في الأشرفية. في كسروان ترشّح شاكر سلامة في مواجهة نائب رئيس الحزب سليم الصايغ، وفي البترون شنّ مرشّح الكتائب البديهيّ سامر سعادة حرباً ضروساً ضدّ الكتائب التي طلبت منه الانسحاب من أجل مرشّح آخر.

على الرغم من إعلان رئيسه تعليق مشاركته في الحياة السياسية، إلا أنّ شظايا الانتخابات أصابت صورة تيار المستقبل بمقتل. عكست الخلافات بين قادته والمسؤولين وجود تذمّر ضمنيّ واستياء من قرار الحريري الابتعاد عن الساحة السياسية بدليل سعي العديدين إلى الترشّح بحجّة عدم ترك الساحة للخصوم.

 

انقسام “المستقبل”

كان الخلاف الأبرز والأبعد من حيث الدلالات ذاك الذي ظهر إلى العلن بين الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة والأمين العامّ لتيار المستقبل أحمد الحريري الذي شنّ هجوماً قويّاً عليه بلغ حدّ التخوين.

على مدى السنوات التي كان فيها سعد الحريري خارج البلاد، رأس السنيورة كتلة المستقبل، وفجأة صار حليفاً غير منتسب إلى تيار المستقبل ولا يلتزم بقراراته.

رفض السنيورة قرار الحريري بالانكفاء وعاتبه، وحين أصرّ خرج السنيورة باحثاً عن شرعيّة سياسية تمكّنه من لعب دور يسدّ فراغاً بحجّة عدم ترك حزب الله وحلفائه حكماً يرثون الأرض المتروكة. ويخوض حاليّاً السنيورة معركته النيابية في دائرة بيروت الثانية من خلال لائحة مدعومة من الوزير السابق خالد قباني في مواجهة لائحة يرأسها نبيل بدر المدعوم من “طيف” سعد الحريري. إذاً بدأت مواجهة الحريري والسنيورة، ومثلها حصل في صيدا عرين العمّة بهيّة حيث خرج يوسف النقيب عن قرار المستقبل راعي حيثيّته الرسمي وأعلن ترشّحه بعد خلاف وتصادم كلاميّ بينه وبين السيّدة بهيّة التي انهالت عليه بأشدّ عبارات العتب واللوم.

بالنسبة إلى تيار المستقبل لن يكون ما بعد الانتخابات مشابهاً لِما قبلها نتيجة التصدّع الذي مُنِي به، ولم يكن مشهد خلاف بيروت إلّا نموذجاً.

 

انقسام القومي السوري

ليس أفضل حالاً ما يشهده الحزب القومي السوري الاجتماعي. ربّما عين المؤسّس أنطون سعادة تراقب من عليائها حزبه ينقسم إلى حزبين، وقيادتين، إحداهما في الروشة والثانية في البريستول. والأصعب أنّ مرشّحي الحزب يواجه بعضهم بعضاً في الدوائر نفسها. فقد نجح حزب الله في الجنوب بمنع الحزب من ترشيح قومي مقابل أسعد حردان، وفشل في دوائر أخرى. سيصوّت أعضاء الحزب القومي بعضهم ضدّ البعض الآخر مسجّلين سابقة. لقد ابتعد هو أيضاً عن تاريخه، وتراجعت شعبيّته نتيجة سوء الأداء .

كشف مشهد المعارضة خللاً عميقاً في البرنامج والهدف وفي آليّة التعاطي. اختلفوا على هويّة التغييريّين.

انقسام “البعث”

أمّا حزب البعث فقبل أن يحاول الانبعاث مجدّداً كانت خلافاته الداخلية له بالمرصاد. ترشّح أمينه العامّ علي حجازي في دائرة بعلبك، فترشّح مقابله البعثيّ أباً عن جدّ النائب السابق عاصم قانصو، وترشّح آخرون من خارج قرار الأمين العامّ في دوائر أخرى. انسحب قانصو واستمرّ حجازي وإن لم ينضمّ إلى أيّ لائحة. فقد انسحب تكتيكيّاً بعد لقاء جمعه مع الأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصر الله، لصالح النائب جميل السيّد، واللبيب من الصورة يفهم.

 

انقسام العونيين

يبقى كلّ ذلك في دائرة المعقول إلى أن نصل إلى التيار الوطني الحر الذي يبذل رئيسه جبران باسيل المحاولة تلو الأخرى كي لا تخرج الخلافات الداخلية إلى العلن وتضعفه أمام خصومه. هنا أيضاً الطامحون كثر. وضعُ التيار على الأرض مهدّدٌ، والمطلوب مرشّحون جدد مشهود لهم أو قدامى لهم حضورهم على مستوى الدائرة. لكنّ القاعدة تلك مرفوضة ممّن يعتبر نفسه صاحب الحظوة والأقدميّة في التيار وأنّ له الأفضليّة على غيره. يطمح غالبيّة القيادات في التيار إلى النيابة أو الوزارة وإلا شهروا سيوفهم عليه. هكذا يخوض التيار معركة ضدّ نفسه في جزّين والشوف وبعبدا. لكن تشهد هذه الدورة غياب رئيسه عن المنابر، بينما كانت جولاته نشطة في الدورة الماضية، ومواقفه لا تخلو من الحدّة التي تسبّبت له بخلافات لا يزال يعاني تداعياتها، خاصة تلك المتعلّقة برئيس مجلس النواب نبيه بري. إنّه زمن الصوم عن الكلام تجنّباً للمشاكل.

 

خلافات أرسلانية

طرقت الخلافات باب الحزب الديمقراطي ورئيسه طلال أرسلان أيضاً، وتسبّبت ببرودة في العلاقة بين مسؤولي الحزب. واُتُّهم أرسلان بالتمييز بين مسؤول وآخر، ولا سيّما في دائرة حاصبيا حيث قَبِل باستبعاد سامر أبو حرفوش مقابل مروان خير الدين، وفي بيروت حيث رضخ لأصوات المعارضين واستبعد ترشيح الوزير السابق صالح الغريب.

إقرأ أيضاً: هل دخلت قطر على خطّ تمويل الانتخابات؟

أمّا الأحزاب الأساسية حركة أمل وحزب الله والحزب التقدّمي الاشتراكي فلم تجرؤ مجتمعةً على فتح باب التغيير في صفوف المرشّحين إلا لماماً خشية أن تطفو الخلافات الداخلية على السطح فيشمت بها الخصوم. لكنّ الثلاثة تعترف ضمناً بفشل الخيارات وتراجع الشعبية واليد على القلب من صناديق الاقتراع يوم 15 أيار.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

بعد انقضاء نصف مهلة الستّين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام…

الموقوفون الإسلاميّون… ملفّ أسود حان وقت إقفاله

عاد ملفّ الموقوفين الإسلاميين إلى الواجهة من جديد، على وقع التحرّكات الشعبية المطالبة بإقرار (العفو العام) عفو عامّ لحلّ هذا الملفّ، الذي طالت مأساته على…

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…