“العار السياسيّ” لكبار هذا العالم!

مدة القراءة 4 د

نعيش أكثر الفترات السياسيّة انحطاطاً في المبادئ والأخلاق، وازدواجيّةً في المعايير التي يُطبّقها الكبار علينا.

معايير القانون الدولي والأخلاق مفقودة من موسكو إلى واشنطن، ومن باريس إلى لندن، ومن بكين إلى أنقرة.

للأسف، إنّها لعبة قذرة يمارسها الكبير على الصغير والأصغر “حسب الطلب” و”حسب المصلحة”، ولا عقل ولا منطق ولا قانون ولا أخلاق فيها.

وحتّى لا يكون كلامي مرسَلاً في الهواء، تعالوا نستعرض بالوقائع حال هذه السياسة المريضة التي وصلت إلى قمّة الانتهازية، وأصبحت في الدرك الأسفل في معايير الأخلاق والمبادئ:

إنّه زمن العار السياسي الذي يتعيّن علينا مكرَهين أن نعايشه وندفع فاتورته المؤلمة من جيوبنا وأرزاقنا ودماء شعوبنا

1- غزو الروس لأوكرانيا حرام، وغزو الأميركيين للعراق وأفغانستان حلال وأخلاقي.

2- استضافة اللاجئين الأوكرانيّين: بعد ساعات من الغزو الروسي، تمّ الترحيب بهم من دون تأشيرات، وبأفضل درجات الاستضافة، بينما النازحون السوريون الكرام عانوا الأمرّين من أجل تكُّرم الغرب باستضافتهم.

3- العقوبات الأميركية-الأوروبية على روسيا هي في حقيقتها فاتورة باهظة دفع ثمنها فقراء العالم الذين لا يملكون نفطاً ولا غازاً، ولا يزرعون قمحاً، ويستوردون الحديد والإسمنت وكلّ مستلزمات الإنتاج.

لم نسمع صوتاً واحداً من الغرب يتحدّث عن صندوق أو مشروع للتضامن مع هؤلاء.

4- يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى ضمّ أوكرانيا للحلف الأطلسي لكي يتمّ تركيب صواريخ الحلف على بعد كيلومترات من مجال الأمن القومي الروسي، بينما قام الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب ببناء سور هائل لمنع المهاجرين والنازحين من المكسيك من دخول الولايات المتحدة.

5- يتحدّث الكبار دائماً عن احترام العقود والمعاهدات وحرّية انتقال الأموال والأفراد، بينما قام الغرب بتجميد أرصدة رجال الأعمال الروس من دون أيّ سند قانوني أو معيار مفهوم سوى معيار الانتقام السياسي.

6- الخذلان الأميركي للحلفاء ليس فقط في اليمن أو إيران، لكنّه أيضاً خذلان للحليف الفرنسي التاريخي، حينما تآمرت واشنطن ولندن على اختطاف صفقة الغواصات الأسترالية من باريس بمبلغ 56 مليار دولار، على الرغم من أنّ العقد عمره أكثر من أربع سنوات.

7- غضبت واشنطن من أبوظبي لأنّها استضافت الرئيس السوري هذا الأسبوع، بينما هي تحاور إيران “الراعي الرسمي” للنظام السوري، وكأنّ حلال على الأميركي تبادل المصالح مع الإيراني، وحرام على الإماراتي البحث عن الأمن مع السوري!

8- كلّما أطلق الحوثي صاروخاً إيرانياً على السعودية أو الإمارات، لا نسمع سوى الشجب والتنديد اللفظي من البيت الأبيض، بينما الإجراءان الفعليّان الوحيدان اللذان اتّخذتهما واشنطن في عهد بايدن هما سحب صواريخ الباتريوت من السعودية، ووقف التعاون المعلوماتي مع الحلفاء القائم على تزويدهم بصور الأقمار الصناعية التي تكشف الأعمال العسكرية للحوثي ضدّ التحالف.

9- ضمير واشنطن يؤلمها بسبب جريمة حدثت ضدّ رجل واحد، وهو جمال خاشقجي، رحمه الله، وقد تمّت محاكمة من تسبّب فيها، لكن لم يتحدّث أحد عن مسؤوليّة كلّ من الرؤساء بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما الذين قاموا بغزو 9 دول في زمن حكمهم خلال 23 عاماً، وتسبّبوا في قتل 11 مليون مدني.

لا حرف ولا كلمة ولا محاكمة محليّة أو دولية أو بيان من الأمم المتحدة.

إقرأ أيضاً: درس أوكرانيا: “انهيار حائط واشنطن”

إنّه زمن العار السياسي الذي يتعيّن علينا مكرَهين أن نعايشه وندفع فاتورته المؤلمة من جيوبنا وأرزاقنا ودماء شعوبنا.

ليس أمامي سوى اللجوء إلى قوله تعالى: “إنّ الله لا يظلم الناس شيئاً ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون” ]سورة يونس، الآية 44[، صدق الله العظيم.

 

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…