المشهد الآتي على لبنان سيكون “عراقيّ النكهة”. بمعنى استحالة إعادة تكوين السلطة في لبنان بعد الانتخابات النيابية، لأسباب عديدة، ليس أوّلها نسبة المقاطعة، التي ستكون لافتة، بقاطرة سنّيّة كبيرة، لكن مع ارتدادات شيعية وربّما مسيحية.
وسيدخل لبنان في 3 منعطفات خطيرة:
1- تشظٍّ تشريعي.
2- فراغ تنفيذي (حكومي ورئاسي).
3- الانتقال من الانهيار الفوضوي اقتصادياً إلى الارتطام العنيف.
الباب الوحيد المتاح على طريق إعادة تكوين السلطة هو باب الانتخابات، التي يحتاج إليها حزب الله لإعادة تجديد شرعيّته الشعبية، وشرعيّة حكمه ونظامه، بعد زلزال 17 تشرين في العام 2019، الذي طعن بشرعيّة السلطة والحكم كلّه في لبنان
التشظّي التشريعيّ؟
لو فاز حزب الله بـ70 نائباً في مجلس النواب المقبل، والأرجح أن يفوز بـ67 نائباً صافياً له ولحلفائه، فإنّ أيّ ملفّ سيُطرح على التصويت، خارج قرارات استراتيجية مثل سلاح حزب الله، لن يكون لأيّ طرف، حتّى حزب الله، القدرة على جمع 65 صوتاً لأيّ قرار.
لن تتوافر أكثرية 65 نائباً لأيّ ملفّ، من الكابيتال كونترول إلى الموازنة إلى غيرهما… وسيكون مجلس النواب برلماناً عراقيّ النكهة. بمعنى وجود عدد كبير من الكتل، الصغيرة والمتوسّطة الحجم، والأحاديّة الخليّة بنائب واحد، التي ستجعل التفاهم على أيّ ملفّ أشبه بمحاولة حصر إرث لأصحاب عقار عمره 100 عام.
لن يكون مهمّاً كيف دخل هذا النائب البرلمان، وعلى أيّ لائحة، وبكم من الأصوات التفضيلية، بل سيكون الأهمّ أنّ التحالفات سترسو “على القطعة”.
ما هو الفراغ التنفيذيّ؟
بين الانتخابات النيابية وبين خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا بسبب انتهاء ولايته، هناك 5 أشهر. سيكون خلالها البرلمان عاجزاً عن تشكيل حكومة بسبب التشظّي النيابي. هنا سندخل في الفراغ الحكومي.
سينسحب هذا الفراغ على فراغ رئاسي. لأنّ مجلس النواب “المتشظّي” لن يتّفق على رئيس للجمهورية بسهولة. سنكون أمام برلمان مخلخل، وبلا حكومة، وبلا رئيس للجمهورية.
هذا الفراغ سيمهّد الأرضيّة لتطوّرات أمنيّة، ولتحرّكات شعبية، وللطعن في شرعيّة مجلس النواب، مع نسبة المقاطعة المرتفعة في هذه الطائفة أو تلك المنطقة. وسنكون أمام أزمة حكم، وعجز عن إعادة تكوين السلطة.
فالحكم ليس مجلس نوّاب فقط. وفي غياب رئيس للجمهورية لن يكون ممكناً تشكيل حكومة. ومن هناك نتوجّه إلى “جهنّم” الحقيقية.
الارتطام العنيف
من باب التشظّي التشريعي والفراغ التنفيذي، سندخل نفق الارتطام العنيف، بعد 3 سنوات من الانهيار الاقتصادي المرتبك والفوضوي، الذي لم يصل باللبنانيّين إلى مرحلة “الرفوف الفارغة” في السوبرماركت.
فما هي الطريق لتفادي الانهيار الكامل لبنية السلطة لمؤسّسات الدولة؟
مصدر دبلوماسي رفيع المستوى يجيب:
“الحلّ هو بالذهاب إلى رعاية عربية ودولية تدعم التالي:
1- مقوّمات صمود الدولة من خلال دعم الأجهزة الأمنيّة.
2- تسريع إعادة تكوين السلطة: الدفع لتسريع تشكيل حكومة قبل انتهاء ولاية الرئيس، والتسريع في التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن.
3- التمسّك باتفاق الطائف كمرجعية وحيدة لإعادة تكوين السلطة، وإلا فإنّ الغرق في “مؤتمر تأسيسي” سيأخذ البلاد إلى مزيد من التشظّي والانهيار البلا قعر”.
وصل حزب الله إلى استنتاجات غير مسبوقة في سياقه السياسي منذ 2005. وأهمّها إقرار أمينه العامّ بأنّه لا يستطيع، وليس راغباً في الحلول محلّ الدولة. وذلك بعد فشل سياسة “بواخر المازوت”، وسقوط نظرية “بطاقات السَجّاد”
سقوط لبنان
الباب الوحيد المتاح على طريق إعادة تكوين السلطة هو باب الانتخابات، التي يحتاج إليها حزب الله لإعادة تجديد شرعيّته الشعبية، وشرعيّة حكمه ونظامه، بعد زلزال 17 تشرين في العام 2019، الذي طعن بشرعيّة السلطة والحكم كلّه في لبنان.
ما أخّر الحلّ هو أنّ لبنان فَقَد وظيفتيْه الأساسيّتين، اللتين جعلتاه محطّ أنظار العالم في لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005:
1- كان لبنان رئة المنطقة ماليّاً ومصرفيّاً. وقد فَقَد هذه الوظيفة بعد انهيار 2019.
2- كان لبنان الساحة الوحيدة للصراعات البديلة بين الدول العربية. وبعد اندلاع الربيع العربي، باتت كلّ دولة فيها ساحات أكبر وأجدى من لبنان، من العراق وسوريا إلى ليبيا وتونس، وما بينهما… واليوم أصبح لبنان هو أقلّ الساحات جدوى. فيما الجوائز أكبر والمساحات أوسع في كلّ الصراعات الكبيرة.
تراجع حزب الله
ما يطمئن قليلاً في هذه القراءة أنّ حزب الله وصل إلى استنتاجات غير مسبوقة في سياقه السياسي منذ 2005. وأهمّها إقرار أمينه العامّ بأنّه لا يستطيع، وليس راغباً في الحلول محلّ الدولة. وذلك بعد فشل سياسة “بواخر المازوت”، وسقوط نظرية “بطاقات السَجّاد”، التي ألّبت عليه بيئته من غير الحزبيين، الذين وجدوا أنفسهم في “عراء الليرة” ورواتب القطاع العام وخسائر القطاع الخاص، أمام “حزبيّي الدولار الفريش”.
إقرأ أيضاً: 8 آذار تربح الانتخابات (2/2): فخٌّ غربيّ؟
والدليل على عدم رغبة حزب الله في الحلول محلّ الدولة، بل وخوفه من هذه التجربة، هو إقرار نصر الله أمام كوادر حزبه قبل أسبوعين، أنّ حزبه “يخوض معركة حلفائه” هذه المرّة. وهذا دليل على أنّه “ما يقدرش يشيل الشيلة لوحدو”. ففي أوج قوّته يخوض الانتخابات بعنوان “باقون نحمي ونبني”. باقون، كما لو أنّه مهدّد في “بقائه”، وليس كما لو أنّه مقبل على مرحلة “قشّ الدولة” بمن فيها، بعد 15 عاماً من تدمير “الثلث المعطِّل” لها، والذي استولى عليه في حكومات ما بعد اتفاق الدوحة في 2008.
وها هو يحاول التعبئة باعتبار الانتخابات “حرب تمّوز سياسيّة” و”حرباً وجودية ضدّ أعداء الإنسانية”.