ماكس بوت (Max Boot) – The Washington Post
لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية مستعرة بكلّ ما فيها من زخم، والنتيجة بعيدة كلّ البعد عن الوضوح، إذ من السابق لأوانه استخلاص أيّ آراء نهائية حول الدروس المستفادة من هذه الحرب. لكنّ ما رأيناه حتى الآن يقدّم فعلاً إسهامات جديدة في الجدل المستمرّ داخل الدوائر العسكرية حول مستقبل الحرب، وعلى وجه الخصوص حول إمكان أن تستمرّ هيمنة الدبّابة في الحروب البرّيّة، بعدما دامت هذه الهيمنة ثمانية عقود كانت الدبّابة فيها السلاح الأوّل.
ما نراه في أوكرانيا يُثبت في مستوى معيّن صحّة الحكم الذي توصّل إليه مستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر (Herbert Mcmaster) (ما بين عاميْ 2017 و2019) في استراتيجية الأمن القومي لعام 2017، كما في استراتيجية الدفاع الوطني لوزير الدفاع جيم ماتيس (Jim Mattis) لعام 2018. فقد أكدّت كلتاهما، على حدّ تعبير وزارة الدفاع، أنّ “المنافسة الاستراتيجية بين الدول، لا الإرهاب، هي الآن الشغل الشاغل للأمن القومي للولايات المتحدة”. وركّزت كلتا الوثيقتين بشكل صحيح على التهديد الذي يلوح في الأفق من روسيا. ونصّت استراتيجية الأمن القومي على أنّ “روسيا تسعى إلى استعادة مكانتها كقوة عظمى، وإنشاء مناطق نفوذ بالقرب من حدودها”.
لا تزال الحرب الروسية الأوكرانية مستعرة بكلّ ما فيها من زخم، والنتيجة بعيدة كلّ البعد عن الوضوح، إذ من السابق لأوانه استخلاص أيّ آراء نهائية حول الدروس المستفادة من هذه الحرب
شجّع هذا التغيير في الاستراتيجية الوطنية الجيش على مضاعفة العمليات التقليدية ذات الوحدات المدرّعة الكبيرة. ذهب سلاح مشاة البحرية في الاتجاه الآخر بالتخلّي عن دبّاباته للتركيز على استراتيجية استعمال الصواريخ المحمولة لتحدّي السفن والطائرات الصينية في غرب المحيط الهادئ. يمكن أن يستمدّ كلا القرارين درجة معيّنة من التبرير من أحداث أوكرانيا.
دروس أوكرانيا
هاجم الروس بأعداد كبيرة من الدبّابات والعربات المدرّعة، وهو ما يؤكّد مرّة أخرى أهمّيّتها في ساحة المعركة. لكنّ الروس تكبّدوا أيضاً خسائر فادحة في المركبات على أيدي القوات الأوكرانية المسلّحة بصواريخ قوية مضادّة للدبّابات مثل Javelin الأميركي وNLAW البريطاني (الجيل الثاني من الأسلحة الخفيفة المضادّة للدبّابات). وأفاد الأوكرانيون بشكل جيّد من طائرات Bayraktar TB2 التركية التي تطلق صواريخ مضادّة للدبابات. وتشير التقارير من المصادر المتاحة إلى أنّ الروس فقدوا أكثر من 1600 قطعة من المركبات والمعدّات، بما في ذلك ما يقرب من 300 دبابة وأكثر من 500 مركبة مدرّعة من أنواع أخرى. ومن المحتمل أن يتكبّد الروس خسائر أكبر الآن لأنّ الولايات المتحدة لا تكتفي بتزويد الأوكرانيين بكثير من صواريخ “جافلين” وحسب، بل تزوّدهم أيضاً بـ 100 طائرة بدون طيار من طراز Switchblade kamikaze تُعرف تقنيّاً باسم الذخائر المتجوّلة، إذ يمكنها البقاء عالياً بحثاً عن هدف ثمّ الغوص فيه. وأثبت الجمع بين الطائرات بدون طيّار من طراز TB2 والذخائر الإسرائيلية الصنع أنّه قويّ جدّاً بالنسبة إلى أذربيجان في حربها ضدّ أرمينيا في عام 2020. وكما ذكرت سابقاً، فإنّ 47% من المركبات القتالية في أرمينيا قد تعرّضت للعطب أو التدمير. وكتبت صحيفة “آرمي تايم” The Army Time)) أنّ الحرب بين أرمينيا وأذربيجان “منحت مؤيّدي المدرّعات ومعارضيها الكثير من الحجج. … اعتماداً على ما حدث، فإنّ تدمير الدبّابات بواسطة الضربات الدقيقة للطائرات بدون طيار قد وضع نهاية لسلاح الدروع كما نعرفه، أو كان مثالاً على ما ستواجهه الدروع غير المحمية والمنشورة بشكل سيّئ في الميدان”.
“ليس بهذه السرعة”
من المؤكّد أنّ الحرب الروسية الأوكرانية ستكثّف هذا النقاش .وقد يسارع البعض إلى الادّعاء أنّ “الدبّابات وناقلات الجند المدرّعة قد عفا عليها الزمن. إنّها باهظة الثمن، ويمكن تدميرها بسهولة بأسلحة خفيفة مضادّة للدبابات متعدّدة الأغراض أو بطائرات بدون طيار”. لكنّ خبراء المدرّعات يجيبون: “ليس بهذه السرعة”، كما كتب الضابط السابق بالجيش البريطاني نيكولاس دروموند (Nicholas Drummond): “لقد كانت التكتيكات الروسية الكارثية ترويجاً رهيباً للدبّابات. لكن يجب أن نكون حريصين على تجنّب استخلاص النتائج الخاطئة. فلا يوجد في ميدان القتال في أوكرانيا دعم مدفعي لسلاح الدبّابات. ولا يوجد دعم من المشاة. ولا يوجد دعم جوّي. هذه ليست الطريقة التي تعمل بها تكتيكات الأسلحة المشتركة في عصر العمليات المتعدّدة المجالات”. ويُكمل النقاش الدائر أنّه لو كانت الدبّابات الروسية مدعومة بشكل أفضل من المشاة والمدفعية والقوة الجوّية، لكانت بمنأى عن تكتيكات الكرّ والفرّ للمشاة الأوكرانيين المزوّدين بأسلحة مضادّة للدبّابات.
يُجمع الخبراء العسكريون على أنّ الدروع لا يزال لها موقع حيويّ في ساحة المعركة من أجل تعزيز العمليات الهجومية. وأخبرني ميك رايان (Mick Ryan)، وهو برتبة لواء في الجيش الأسترالي تقاعد أخيراً، أنّ “البيانات التاريخية عن القوات البرية التي لديها دبّابات، مقابل تلك التي لا تمتلك دبّابات، شاملة جدّاً. فإذا كانت لديك دبّابات، فستخسر عدداً أقلّ من الجنود وستكون لديك فرصة أفضل للنجاح. لكن بشرط أن تُستعمل من ضمن مجموعة أسلحة مشتركة وبقيادة جيّدة”.
السؤال إذاً، ليس ما إذا كان ينبغي أن تمتلك الجيوش دبّابات في المستقبل. ولكن كيف يجب أن تُستعمل. ينفق الجيش الأميركي 4.62 مليارات دولار لتحديث دبّاباته من نوعM1A2 Abrams بنظام الحماية النشط الذي طوّرته إسرائيل لمواجهة الطائرات بدون طيار، وأجهزة الحرب الإلكترونية، والقنابل المزروعة على جانب الطريق، وتحديثات الدروع. لكن هل تصبح هذه الدبّابات العملاقة البالغة من العمر 40 عاماً، ومن الوزن 80 طناً، باهظة التكلفة وغير عملية؟ يراهن الجيش الأميركي على تطوير دبّابة خفيفة ومركبات برّية من دون سائق.
إقرأ أيضاً: درس أوكرانيا: “انهيار حائط واشنطن”
يشير بعض الحالمين إلى أنّ استبدال دبّابة الأبرامز M1 في نهاية المطاف لا ينبغي أن يكون بدبّابة جديدة على الإطلاق، كما كتب موقعBreaking Defense . لكنّ البديل هو مجموعة من المركبات المأهولة وغير المأهولة التي تعمل معاً: “بدلاً من امتلاك بندقية وأجهزة استشعار وطاقم في مركبة واحدة، يمكن أن تضع، على سبيل المثال، أجهزة الاستشعار البعيدة المدى الخاصة بك على طائرة بدون طيار، والشراك الخداعية على طائرة بدون طيار أخرى (قابلة للاستهلاك)، وبندقيتك الرئيسية على روبوت أرضي، ووحدة التحكّم البشرية الخاصة بك في مركبة قيادة صغيرة مدرّعة بشكل جيّد ومخبّأة على مسافة ما”. الأمر الوحيد الذي يمكن أن تتّفق عليه جميع أطراف النقاش في مستقبل سلاح الدروع، هو أنّ روسيا تسيء استعمال دبّاباتها. وأوكرانيا تستفيد استفادة كاملة من عدم الكفاية الروسية.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا