إسرائيل تحقّق أحلامها… وتحتفظ بالكابوس

مدة القراءة 4 د

الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى أن تقرص نفسها للتأكّد من كونها تعيش حلماً أم حقيقة. هكذا يقول المعلّقون وكتّاب الأعمدة عن تطوّر علاقاتها مع المحيطين العربي والإقليمي.

اللقاء الثلاثي في مصر، وإن لم تكن علاقات أطرافه بإسرائيل جديدة، إلا أنّه وفق رؤيتها شكّل نقلة نوعية لتقدّم تمدّدها الإقليمي والتعامل معها كجزء لا جدال فيه من الشرق الأوسط. كان هذا حلماً إسرائيلياً قديماً لم يكن المؤسّس بن غوريون يحلم بأن يراه يتحقّق.

إذا كانت طبقة الحكم في إسرائيل سعيدة بتمدّدها الإقليمي وبالتعامل معها كعضو طبيعي في نادي الشرق الأوسط، فإنّ ما سيظلّ عامل تهديد للآمال المعلّقة عليه هو غياب الحلّ الذي يُرضي الفلسطينيين

زيارة الأسد الإمارات، وإن لم تكن مفاجئة في سياق العلاقات المتنامية بين البلدين والنظامين، إلا أنّها قُرِئت إسرائيلياً على أنّها خطوة مهمّة لمنح اتفاقات أبراهام التطبيعية شرعيّة ثمينة من جانب قطب الممانعة سوريا، وذلك على الصعيد العلني المباشر. وفي عالمنا العربي دائماً ما يكون وراء الأكمة ما وراءها، إذ لا يُعلَن صراحة عن جدول الأعمال، ولا بنوده التي يتمّ تداولها، ولا التقدّم في التفاهمات والاتّفاقات التي من أجل أن تكون فاعلة لا مناصّ من التكتّم عليها ولو إلى حين.

الذي يجعل حكومة إسرائيل غير مصدّقة لحجم المزايا الهابطة عليها في فترة زمنية قصيرة، هو أنّها حتّى الآن تأخذ ولا تعطي. وبالنسبة إلى الشعوب العربية فإنّ المقياس الذي ما يزال يعمل في مجال العلاقات مع إسرائيل هو الموقف من القضية الفلسطينية. ولا يهمّ الشعوب أيّ مجال آخر مهما كان مهمّاً أمنيّاً واقتصاديّاً. ذلك أنّ الوعي الجمعي الشعبي في عالمنا العربي وامتداده الإسلامي والصديق تشكَّل على أدبيّات وثقافة الصراع مع إسرائيل، الذي كان جوهره لزمن طويل القضية الفلسطينية وحدها. من هنا برزت ظاهرة عزل العلاقات السياسية التي اضطرّت إليها الدولتان النوعيّتان مصر والأردن عن التطبيع الشعبي، الذي ما يزال معدوماً على الرغم من مرور عقود على العلاقات الدبلوماسية الكاملة.

الدولتان العربيّتان اللتان أقامتا علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، مصر والأردن، هما الأكثر اتصالاً جغرافيّاً واجتماعياً ووجدانياً وأمنيّاً بفلسطين. فمصر لا تكفّ عن المجاهرة بأنّ فلسطين هي أحد المكوّنات الرئيسية لأمنها القومي. أمّا الأردن فالأمر فيه أكثر من ذلك بكثير بسبب التداخل الذي لا مجال لعزله بين الكيانين وقوامه العميق ملايين البشر ومصالحهم ومصائرهم.

مجازفة أوسلو

الفلسطينيون دخلوا مضطرّين مجازفة أوسلو. وبدل أن يقبضوا ثمن المجازفة فقد دفعوا ثمنها. وهم يراهنون على أنّ التمدّد الإقليمي الإسرائيلي بمجالاته القديمة والمستجدّة سيظلّ يواجه معضلة “اللاحلّ” للقضية الفلسطينية. فإذا كان متاحاً بحكم سيطرة الدولة المصرية على حدودها، وكذلك الأردنية، أن تحميا اتفاقاتهما مع إسرائيل على الرغم من انعزال الرأي العامّ الشعبي عنها، إلا أنّ ما لا سيطرة عليه من قبل إسرائيل أساساً هو الوضع الفلسطيني وتطوّراته الديموغرافية والسياسية، لأنّه لا حدود ولا سدود ولا إمكان لعزل ملايين البشر المنتشرين كالملح في الماء داخل مناطق الاحتلال في الضفّة والقطاع، والمنتشرين على خريطة الإقليم والعالم، إضافة إلى الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية وهم خمس سكان الدولة ويجمعهم بشجرة عائلتهم روابط لا تزول.

في إسرائيل يرى الباحثون الذين يزوّدون صنّاع القرار بالنصائح أنّ التحدّي الأكبر لدولة إسرائيل قبل الإيراني هو انعدام الحلّ السياسي للقضية الفلسطينية، وحين تسألهم عن الحلّ يختلفون ويتعارضون ويتناقضون.

إقرأ أيضاً: لقاء شرم الشيخ: حلف “جوّي” ضدّ إيران

الخلاصة: إذا كانت طبقة الحكم في إسرائيل سعيدة بتمدّدها الإقليمي وبالتعامل معها كعضو طبيعي في نادي الشرق الأوسط، فإنّ ما سيظلّ عامل تهديد للآمال المعلّقة عليه هو غياب الحلّ الذي يُرضي الفلسطينيين، وبديل ذلك هو صراع مفتوح على أخطر الاحتمالات.

 

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…