لقاء شرم الشيخ: حلف “جوّي” ضدّ إيران

مدة القراءة 6 د

حسَمت المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الإمارات وجمهوريّة مصر أمرها: لن نضع كُلّ البيض في السلّة الأميركيّة بعد اليوم. هذا ليسَ تحليلاً، بل واقعٌ تُؤكّده الأحداث المُتتالية على امتداد ساحة الشّرق الأوسَط.

لا يخرجُ عن هذا الواقع اللقاء الثّلاثي الذي جمَع الرّئيس المصريّ عبدالفتّاح السّيسي ووليّ عهد أبو ظبي الشّيخ محمّد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت يومَ الثّلاثاء في شرم الشّيخ. جديرٌ بالذّكر أنّ الرّئيس السّيسي كان قد التقى وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان قبل أسبوعيْن.

كشفَ بينيت أنّ مجيئه إلى شرم الشّيخ كان مُنسّقاً مع الأميركيين الذين يؤيّدون فكرة إنشاء تحالفٍ إقليميّ للحدّ من نفوذ إيران

بحسب مصدر خليجي لـ”أساس” أنّ البحث في اللقاء تركّزَ على 3 نقاط أساسيّة:

أوّلاً: الاتفاق النّوويّ الإيراني: تأتي قمّة شرم الشّيخ في ظلّ اقتراب إيران والولايات المُتّحدة الأميركية بإدارة الرّئيس جو بايدن من العودة إلى خطّة العمل المُشتركة (JCPOA) أو ما يُعرف بالاتّفاق النّوويّ الإيراني. تزامناً مع توجّه أميركي لرفع الحرس الثّوريّ الإيراني عن لوائح الإرهاب.

صارَ واضحاً عند حلفاء واشنطن في المنطقة أنّ الإدارة الأميركيّة لا تأخذ بعين الاعتبار مصالحهم، بل إنّها تُقدّم مصلحتها الذّاتيّة مع إيران على حساب العلاقة مع حلفائها. وقد عرَض رئيس الوزراء الإسرائيلي رؤيةً حول بناء شبكة دفاع جوّيّ إقليميّة كإجراء احترازيّ لمواجهة تبعات رفع “الحرس” عن قائمة العقوبات الأميركيّة، وتأثيرات الاتفاق النّوويّ مع عودة ضخّ الأموال إلى إيران في حال إتمام الاتفاق. وأشارَ بينيت إلى احتمال أن تنضمّ دولٌ إقليميّة كالأردن وتركيا والبحريْن إلى هذه الشّبكة، إلّا أنّ شيئاً لم يُحسم في هذا الإطار.

وكشفَ بينيت أنّ مجيئه إلى شرم الشّيخ كان مُنسّقاً مع الأميركيين الذين يؤيّدون فكرة إنشاء تحالفٍ إقليميّ للحدّ من نفوذ إيران.

انطلاقاً من هذا القلق، كانت مصر والإمارات والكيان العبريّ يقولون للإدارة الدّيمقراطيّة في واشنطن إنّهم سيبحثون عن مصالحهم ويُنفّذونها بغضّ النّظر عن الموقف الأميركيّ.

كان أصدق تعبير عن هذا المبدأ زيارة الرّئيس السّوريّ بشّار الأسد لدولة الإمارات ولقاءه نائب رئيس الدّولة حاكم دبي الشّيخ محمّد بن راشد ووليّ عهد أبو ظبي الشّيخ محمّد بن زايد، على الرّغم من الاعتراض الأميركيّ الذي ظهرَ ببيانات وتصريحات وزارة الخارجيّة الأميركيّة.

ثانياً: زيارة الأسد للإمارات: استعرضَ وليّ عهد أبو ظبي نتائج مُحادثاته مع الأسد. وعلى الرّغم من القلق الذي أبداه بينيت من احتمال عودة النّظام السّوريّ إلى الحاضنة العربيّة، إلّا أنّه أعرَب عن تأييده لمحاولات إبعاد الأسد عن طهران.

ثالثاً: الأمن الغذائي والاقتصاد الإقليميّ: شكّلت الحرب الرّوسيّة – الأوكرانيّة صدمةً كبيرةً للاقتصاد العالميّ والأمن الغذائيّ، خصوصاً في الشرق الأوسط الذي تعتمد دوله على روسيا وأوكرانيا لاستيراد القمح ومُنتجات غذائيّة أخرى، فانعكست هذه الحرب سلباً على الأسواق العربيّة.

مصادر “أساس” أكّدت أنّ اللقاء بحث سُبل دعم مصر والشّعب المصريّ. إذ تستورد مصر 80% من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا بقيمة تتخطّى 2.5 مليار دولار. وقد شكّل ارتفاع أسعار القمح عاملَ ضغطٍ إصافي على الاقتصاد المصريّ، وعليه تخشى القاهرة وأبو ظبي أن تستغلّ جهات خارجيّة مفاعيل هذا التأثير لمحاولة زعزعة الاستقرار الدّاخليّ المصريّ.

لن تُغيّر الدّول العربيّة نظرتها إلى أميركا كحليفٍ استراتيجيّ، لكنّها ستُنوّع تحالفاتها بناءً على مصالحها، تماماً كما تفعل واشنطن

الخليج: نبحث عن مصالحنا

هكذا أثّرت سياسة الإدارة الأميركيّة بقيادة الجناح اليساريّ في الحزب الدّيمقراطيّ على أُسس العلاقة القائمة بين واشنطن وحلفائها في الشّرق الأوسط. فعندما تتعلّق السّياسة بعلاقة أميركا وحلفائها من دُول الخليج العربيّ، تتحكّم شعارات “المبادئ والقِيَم وحقوق الإنسان” بالسّياسة الأميركيّة.

أمّا عندما يتعلّق الأمر بالتّعاطي مع إيران، فيغلب خطاب “المصلحة والضّرورة” على السّياسة الأميركيّة، وتُنسَى خطابات المبادئ الأميركيّة والقِيَم الدّيمقراطيّة والمُثُل وحقوق الإنسان.

حَسمَت أميركا “مصلحتها” باتجاه إيران، وبناءً عليهِ حسمَت الرّياض وأبو ظبي والقاهرة مصالحها في الاتجاه أو الاتجاهات التي تراها مُناسبة.

كثيرةٌ هي المحطّات التي تميّزَت بها الرّياض وأبو ظبي والقاهرة عن الولايات المُتّحدة أخيراً. صارَت واشنطن على علمٍ أنّ هذه الدّول ستتعاطى معها وفقاً لمصالحها الذّاتيّة ومصلحة شعوبها.

التمرّد الإماراتي السعودي

لم تكُن زيارة الأسد المرّة الأولى التي تُعاكس فيها أبو ظبي سياسة واشنطن في المنطقة. إذ تخلّت الإمارات قبل أشهرٍ عن صفقة الطّائرات الحربيّة F35 المُتطوّرة بعد اشتراط الإدارة الأميركيّة وقف التّعاون الإماراتيّ الصّينيّ في مجال الاتصالات وشبكة الجيل الخامس من شركة Huawei الصّينيّة، هذا عدا عن التّعاون بين أبو ظبي وبكين في مجال البُنى التحتيّة.

على الموجة الصّينيّة نفسها، كانت المملكة العربيّة السّعوديّة تُشرّع أبوابها للشّركات الصّينيّة، وتعزّز التعاون بين الرّياض وبكين في جميع المجالات السّياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والتكنولوجيّة والاتصالات. وخير دليل على ذلك كان توقيع حزمة اتفاقيّات وصفقات ضخمة بين البلديْن.

يدخل في هذا الإطار أيضاً امتناع الرّياض وبكين عن نفي ما نشرته شبكة CNN الأميركيّة عن وجود منشآت لصناعة وتطوير الصّواريخ الباليستيّة في المملكة بالتّعاون مع الصّين، وكلام الأمير محمّد بن سلمان أخيراً عن وجود استثمارات سعوديّة في الصّين بقيمة 100 مليار دولار، وأنّ المملكة جاهزة لتوسيع مجالات الاستثمار أكثر.

لم تعُد النّظرة إلى واشنطن في العاصمة السّعوديّة هي نفسها. إذ يرى السّعوديّون أنّ من حقّهم أن يُعزّزوا العلاقة مع الصّين في حين تتّجه أميركا، بناءً على مصلحتها، نحو إيران، وتسكُت عن تجاوزات الحوثي، بل وترفعه عن لوائح الإرهاب.

إقرأ أيضاً: الفاتيكان سأل عون: أين الاستراتيجية الدفاعية وتحقيق لقمان سليم؟

لم تنجح محاولة التطمين الأميركيّة بإرسال منظومة من نوع باتريوت إلى السّعوديّة قبل أيّام في تغيير نظرة القيادة في المملكة. ولن تؤثّر في الموقف السّعوديّ والإماراتيّ من أسواق وأسعار النّفط العالميّة في حال لم تتعامل أميركا مع الدّولتيْن كحليفيْن حقيقيّين. يُعزّز الموقف الخليجيّ تجاه واشنطن التّوجّه الأميركيّ لرفع الحرس الثّوريّ عن لوائح العقوبات. فأين ينفع الباتريوت هنا؟

لن تُغيّر الدّول العربيّة نظرتها إلى أميركا كحليفٍ استراتيجيّ، لكنّها ستُنوّع تحالفاتها بناءً على مصالحها، تماماً كما تفعل واشنطن.

لقد حُسِمَ الأمر في العواصم العربيّة: المصلحة أوّلاً والباقي تفاصيل…

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…