إيران ودرس روسيا

مدة القراءة 3 د

إحدى الجدليّات التي كانت تُطرح في الصحافة الغربية أنّ “إيران نووية” قد تجعل طهران أكثر عقلانيّة، وأنّ المشروع النووي يمنح الإيرانيين شعوراً بتحقيق الذات، ويجعلهم أكثر مسؤوليّة، وأنّه ليس بمقدور طهران استخدام الأسلحة النووية أصلاً بالإطار الجغرافي.

لا تتعجّب عزيزي القارئ، هنا اقتباس نُشِر في مستهلّ قصة صحافية في صحيفة “نيويورك تايمز” يقول: “من المفاوضين النوويّين إلى الطلاب المنشقّين، ومن تجّار البازارات إلى الملالي، يتّفق الإيرانيون على أنّ الحقّ في تطوير الطاقة النووية هو نقطة فخر وطني”.

الرئيس بوتين أعلن التأهّب النووي، والتلويح بالنووي ليس “روليت روسية”، بل هو تلويح بأخطر عملية انتحارية من قبل دولة، وفي مواجهة حلف الناتو النووي أيضاً

هذا الاقتباس لم يُنشَر اليوم، بل في عام 2005، أي أنّ الصحافة الغربية روّجت للمشروع الإيراني منذ فترة طويلة، واليوم نحن أمام إيران التي تزعزع أربع دول عربية بين احتلال وتخريب عبر ميليشيات مسلّحة، بينما الغرب يفاوض إيران في فيينا.

حسناً، هل عقلن السلاح النووي الاتحاد السوفياتي أو روسيا؟ الحقيقة لا فرق بينهما. الأوّل غزا أفغانستان في عام 1979، والثانية تغزو أوكرانيا في عام 2022، وتريد تغيير جغرافيا أوروبا، وللمرّة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

والأخطر أنّ الرئيس بوتين أعلن التأهّب النووي، والتلويح بالنووي ليس “روليت روسية”، بل هو تلويح بأخطر عملية انتحارية من قبل دولة، وفي مواجهة حلف الناتو النووي أيضاً.

والسؤال هنا هو: ماذا لو امتلكت إيران السلاح النووي وهي في حالة حرب حقيقية مع المنطقة؟ وإذا كان الروس يلوّحون بالتأهّب النووي، فما الذي ستفعله إيران في حال امتلاكها للسلاح النووي؟

وللإجابة فإنّ خير دليل هو تاريخ منطقتنا، حيث استخدم صدّام حسين الأسلحة الكيمياوية ضدّ الأكراد في حلبجة، واستخدم بشار الأسد الأسلحة الكيمياوية أيضاً ضدّ السوريين، ويومها رسم باراك أوباما خطوطه الحمر الواهية.

الأمر الآخر هنا أنّ السلاح النووي لا يعني انتصاراً، ولا تدشين مرحلة جديدة، وأبسط مثال باكستان. فصحيح أنّها ليست دولة مارقة، لكنّ امتلاكها للقنبلة النووية، ردّاً على امتلاك الهند لها، لم يغيّر من واقع باكستان الاقتصادي أو غيره.

وقد يقول البعض إنّ القنبلة الباكستانية قلّلت من فرص الحروب مع الهند، لكنّها لم تمنع حرباً أو غزواً في أوروبا، وها هو الرئيس الروسي يلوّح بالتأهّب النووي، ونقول ذلك والحرب في أوكرانيا تدخل أسبوعها الثاني، ولا نعلم عن قادم الأيام.

وعليه فإنّ الغزو الروسي لأوكرانيا هو بمنزلة تذكير للمجتمع الدولي بأنّ التساهل مع طموح إيران النووي يعني أنّ منطقتنا مقبلة على حريق كبير لن يحرق المنطقة وحدها، بل سيفرض على العالم أزمة ستطاول كلّ دولة غربية.

إقرأ أيضاً: كيف يفكّر الأسد الآن؟

وكما جاء في مقال سابق فإنّ الغزو الروسي لأوكرانيا هو بمنزلة تعليق الجرس بأنّ الحروب لا تزال خطراً يداهم العالم، حتى في أوروبا، فما بالك بمنطقة لم تتوقّف فيها الحروب منذ مئة عام، أي منطقة الشرق الأوسط.

وفوق هذا وذاك يتمّ التساهل مع فكرة “إيران النووية”، وهذا جنون وعبث، وجريمة بحقّ الأمن والاستقرار الذي تشكو أوروبا من غيابه الآن. ولذا درس روسيا الآن هو عدم التساهل مع إيران، ولو بالحرب، وذلك لتجنّب حروب أكبر وأخطر.

مواضيع ذات صلة

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…