هذا يوم رفيق الحريري، الذي ثبت بعد 17 من اغتياله جسدياً، استحالة إلغائه من متن صناعة السياسة في لبنان، ومن حضوره في الذاكرة العربية والدولية.
“أساس” ينشر اليوم وغداً مجموعة مقالات ومقابلات في محاولة لسرد بعضٍ سيرته التي نتعلّم منها جميعاً.
“أعاد رفيق الحريري بيروت نجمة لهذا الشرق، ثمّ جعلها وسادةً لخدّه”، بتلك الكلمات يستذكر وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي الرئيس الشهيد في الذكرى الـ17 لاغتياله.
يقول لـ”أساس” إنّه التقى برفيق الحريري مرّة واحدة، لكنّه تعرّف إليه جيّداً من أطنان الكتابات عنه، وسيرته الواضحة في الإنجازات التي حقّقها للبنان.
ملحم الرياشي الذي كتب قصيدة لرفيق الحريري، لحّنتها جاهدة وهبي وغنّتها بصوتها، التقى به “أساس” في الذكرى الـ17 لرحيل الرفيق فكان هذا الحوار.
كان اغتيال رفيق الحريري قيامةً للبنان. في 14 آذار 2005 جسّد هذا الحضور الإسلامي- المسيحي المدني في ساحة الحريّة أهميّة “لبنان أوّلاً” الذي قام على دماء الرئيس الشهيد، وحول ضريحه في بيروت
س – 17 سنة على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ماذا تغيّر؟
ج- تغيّرت أمور كثيرة، رفيق الحريري أعاد بيروت نجمة لهذا الشرق، وفي النهاية جعل ترابها وسادة لخدّه، لكن للأسف هناك اليوم من يريد اغتيال المشروع الوطني الذي كان رفيق الحريري جزءاً أساسيّاً منه.
س – باعتقادك متى تمّ اغتيال رفيق الحريري تماماً؟
ج – هذا السؤال من الصعب الإجابة عليه، لأنّ كلّ يوم تتشتّت فيه قوى الخط السيادي يكون اغتيالاً جديداً مكرّراً لرفيق الحريري.
س- في الـ2005 عندما شاهدت الحشود في 14 شباط ثمّ حشود 14 آذار، هل شعرت باغتيال الرئيس رفيق الحريري أم في الأسابيع الأخيرة والسنة الأخيرة التي مرّ بها لبنان شعرت أكثر باغتياله؟
ج- من الضروريّ أن أتوقّف قليلاً عند الـ2005: 14 شباط و14 آذار. في 14 شباط كان اغتيالاً جسدياً للرئيس رفيق الحريري، لكنّ هذا التاريخ شكّل قيامة سنّيّة للبنان. رفيق الحريري خلال حياته منعه الاحتلال السوري من التمدّد إلى الشمال والبقاع والجنوب. منعه من التمدّد خارج بيروت. أمّا في 14 شباط 2005 فقد أتى الجبل وبيروت، ومعهما البقاع والشمال والجنوب وكلّ لبنان، إلى رفيق الحريري. وفي هذا التاريخ فإنّ سُنّة لبنان، الذين كنّا في نقاش يوميّ معهم حول لبنان الكيان والدولة كي يكون لبنان أوّلاً، أطلقوا العنان للشعار التاريخي: “لبنان أوّلاً”.
كان اغتيال رفيق الحريري قيامةً للبنان. في 14 آذار 2005 جسّد هذا الحضور الإسلامي- المسيحي المدني في ساحة الحريّة أهميّة “لبنان أوّلاً” الذي قام على دماء الرئيس الشهيد، وحول ضريحه في بيروت.
في المقابل، هذه الأيام أشعر كأنّ ما حصل مع الرئيس رفيق الحريري يحصل معنا جميعاً، يريدون تحويل ضريح الرئيس الحريري الذي كان محجّة للّبنانيين إلى مقبرة لنا جميعاً، وهذا لن نقبل به اليوم كما لم نقبل به بالأمس.
س- هناك كلام كثير عمّن يتحمّل مسؤوليّة ما نحن فيه الآن من انهيار، والبعض يعتقد أنّه نتاج الـ30 سنة الماضية وكأنّهم يقولون إنّ رفيق الحريري وسياسته هما من أوصلا لبنان إلى ما هو عليه الآن، فما رأيك؟
ج – كان رفيق الحريري يقاوم اقتصادياً في فترة الاحتلال الأولى. وبعد زوال الاحتلال على دماء الحريري، على شهادته ودمائه، بدأنا مرحلة جديدة نتحمّل مسؤوليّتها جميعاً في غيابه. نحن قوى 14 آذار علينا مسؤولية كبيرة لأنّنا جازفنا كثيراً بهذا الإرث العظيم واستخففنا بأخصامنا حتى لا أقول أعداءنا. واليوم نحن ندفع الثمن من خلال تشتّتنا وتفرّقنا. كان يمكن أن يقوم لبنان بوحدتنا وبتضافر جهودنا، لكنّنا أضعنا الوقت كثيراً في أمور أقلّ أهميّة. وأكثر من مرّة فقدنا البوصلة التي وضعها أو التي صدح بها صوت الانفجار الكبير في 14 شباط وأدّى إلى تبدّل كبير في لبنان وجلاء الجيش السوري أوّلاً وبداية مرحلة جديدة هي مرحلة “لبنان أوّلاً”، لكنّنا غرقنا في أمور أخرى، وساهمت دول صديقة لم تكن، إذا صحّ التعبير، بالقوّة المطلوبة في تعاطيها مع الملفّ اللبناني، خصوصاً مع المحكمة الدولية، في هذا الضياع. يعني لا أعتقد أنّ الأحكام التي صدرت عن المحكمة الدولية توحي بجدّية وأهميّة لبنان لدى هذه الدول.
الحريرية السيادية: باقية ودائمة
س – باعتقادك هل انتهت الحريريّة السياسيّة؟
ج- بصراحة أنا لا أؤمن بهذه التعابير في السياسة، هناك خط سُنّيّ وطني صنعه رفيق الحريري، وهناك خط سيادي صنعه رفيق الحريري، ولا أعتقد أنّه ينتهي أو يمكن أن ينتهي.
كان رفيق الحريري يقاوم اقتصادياً في فترة الاحتلال الأولى. وبعد زوال الاحتلال على دماء الحريري، على شهادته ودمائه، بدأنا مرحلة جديدة نتحمّل مسؤوليّتها جميعاً في غيابه
س – هل تقصد أنّ الحريريّة الوطنية باقية؟ الحريرية السياسية ممكن أن تكون قد انتهت؟
ج – بصراحة أنا لا أتّفق مع صديقي الوزير نهاد المشنوق على وجود حريرية وطنية أو حريرية سياسية. أنا أعتقد أنّ الحريرية السيادية هي التي تستمرّ لدى الطائفة السنّيّة ولدى كلّ اللبنانيين الذين أحبّوا رفيق الحريري لأنّني أعرف أنّه يوماً ما ساهم في تربية مئات آلاف الطلاب من خلال تعليمه أكثر من 40 ألف ربّ عائلة وإدخالهم الجامعات، وهذا نوع من المقاومة والصمود لأجل لبنان.
س – في الفترة الأخيرة حصل سجال بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل، هل استذكرت الرئيس رفيق الحريري؟ أو إذا أعدت صياغة السؤال: برأيك لو كان الرئيس رفيق الحريري حيّاً، كيف سيكون موقفه؟
ج – بصراحة أنا من جيل لم يتعرّف على الرئيس الحريري شخصيّاً. لقد عرفت رفيق الحريري من خلال الكتابات، ومن خلال الوثائق ومن خلال أمور عدّة، لكن لم ألتقِ به شخصيّاً إلا مرّة واحدة. لكن أعتقد أنّ سجالات كهذه يجب أن لا تفسد للودّ قضية، وهي لزوم ما لا يلزم، لأنّ الخطّ السيادي الذي يجمع تيار المستقبل والطائفة السنّيّة بشكل عام ومعظم قياداتها والقوات اللبنانية هو الأساس، وهو الذي يجب أن يستمرّ، وهو العامل الأساسي لحماية القضية اللبنانية. نحن نخوض معارك يوميّة تتوقّف حيناً وتندلع حيناً آخر، نخسر معارك، نربح أخرى، لكنّها جزء من حرب مستمرّة منذ زمن طويل، منذ 30 سنة، إذا صحّ التعبير، منذ ما قبل اعتقال الحكيم سمير جعجع، ومنذ ما قبل استشهاد الرئيس الحريري، وقبل اغتيال كمال جنبلاط وبشير الجميّل واختطاف الإمام موسى الصدر، نحن نعيش حرباً مستمرّة مع فترات هدوء بين معركة وأخرى، وهدفها إلغاء الدور الرسولي لهذا الوطن.
س- تكلّمت عن الحريريّة السيادية، كيف يمكننا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الحريريّة السيادية لأنّنا نمرّ بمرحلة مفصليّة؟
ج- بصراحة لا أريد التدخّل في الملفّ السنّيّ نهائياً، لا من قريب ولا من بعيد، لا شخصيّاً ولا ممثّلاً للقوات اللبنانية. ما أريد أن أقوله بشكل واضح، نحن شركاء ولسنا بدلاء عن القيادات السنّيّة، ولن نكون ولا نقبل أن نكون ولا نريد أن نكون.
القوات والمستقبل: معاً نبقى ومعاً أقوى
س- ما هو المطلوب من القوى السيادية على المستوى الوطني؟
ج – المطلوب منها على المستوى الوطني أن تفعل ما يفعله سمير جعجع، وأتمنّى أن يحذو الجميع حذوه لإنجاز الانتخابات النيابية والانطلاق من معركة الانتخابات إلى محاولة الحصول على الأكثريّة وبداية معركة جديدة في 16 أيار. ليست الانتخابات معركة نهائية، وإنّما هي البداية لمعركة جديدة.
س – لكن هناك من يتحدّث عن عبثيّة هذه الانتخابات؟ عبثيّة المراهنة عليها؟
ج – سواء كانت عبثيّة أم لا، فهي محطة أساسيّة، وعلى المسيحيين والمسلمين وكلّ اللبنانيين أن يخوضوها بجدّيّة تامّة، لأنّها محطة أساسية خسارتها قد تؤدّي إلى المجهول وإلى تداعيات لا نريدها لهذا الوطن.
س – لو أردت أن توجّه رسالة إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فماذا تقول له في هذه المناسبة؟
ج- عندما استشهد الرئيس الحريري كتبت أغنية غنّتها الصديقة جاهدة وهبي ونادر خوري، ولحّنتها جاهدة نفسها. أعتقد أنّي سأختار في ذكرى رفيق الحريري من كلمات هذه الأغنية: “إنّ رفيق الحريري استطاع أن يصنع من بيروت نجمة أو يعيد وهج بيروت، خلّينا نقول كنجمة للمتوسط، ويوم استشهد رفيق الحريري بيروت فتحت قلبها أصبحت وسادة له”.
إقرأ أيضاً: اشتقنا إلى الكبار
س – أما وأنّك من الشخصيّات القواتية الحواريّة فما هي الرسالة التي توجّهها إلى السُنّة وجمهور تيار المستقبل؟
ج – (ضاحكاً) من صقور الحوار وليس من حمائم الحوار. رسالتي لجمهور تيار المستقبل وللطائفة السنّيّة الكريمة وللرئيس سعد الحريري بن رفيق الحريري، هي واحدة: “نحن معاً، معاً نبقى ومعاً أقوى”.