يا حبيب الروح… روح شوف مستقبلك

مدة القراءة 5 د

ما إن حطّت قدما الرئيس سعد الحريري (الغالي ابن الغالي) في بيت الوسط، حتّى تهلّلت أسارير أم زهير وعاد وجهها طلِقاً يفيض بِشراً وحيويّة. لكن بعدما بدأت الأخبار تتواتر، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن احتمال عزوفه عن الترشّح في الانتخابات النيابية المقبلة، وتركه المعترك السياسي عائداً إلى الإمارات، عاد الحزن يلفّ دارنا، التي انقلبت إلى مناحة تمزّق نياط القلوب.

تمتنع أمّ زهير عن الطعام منذ أيّام، ولا تستهوي إلا شرب القهوة “مُرّة”، وتنفخ مع كلّ ركوة نَفَس أرجيلة عجمي… و”الراس بطيز الراس”، وعلى وقع أغنية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ: “ظلموه… ظلموه القلب الخالي ظلموه”. كلّما دخلت المنزل، تُصمّ أذنيّ بمقاطع من هذه الأغنية: “قابلوه شبكوه وارتاحوا لمّا شغلوه”…. “وعدوه يزوروه ونهار ما افتكروا يهنوه”، وهي دوماً عاقدة حاجبيها، ورامقة جنابي رمقات غضب، وكأنّني المسؤول المباشر عن اعتكاف “ابن الغالي”!

بعدما بدأت الأخبار تتواتر، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن احتمال عزوفه عن الترشّح في الانتخابات النيابية المقبلة، وتركه المعترك السياسي عائداً إلى الإمارات، عاد الحزن يلفّ دارنا

أمّا أنا فلا أعيرها أيّ اهتمام وأتركها تذهب في حزنها إلى مداه ومنتهاه، فالمُصاب أليم، وخسارة المستقبليّين الزرق كبيرة. فكلّ شيء يبدأ صغيراً ويكبر إلاّ الحزن: يبدأ كبيراً ويضمر ويتلاشى مع الوقت، وعليه فإنّني أكيد من أنّ “همروجة” اعتكاف الشيخ سعد على وشك الانتهاء.

بعدها ستعود أمّ زهير كما الجميع إلى حياتهم العاديّة. سيعودون إلى هموم انقطاع الكهرباء والإنترنت، وإلى مصاعب الحصول على المازوت للمولّد الكهربائي بالدولار الأميركي “الفريش”، وإلى غلاء المعيشة ودولار “السوق السوداء” المتأرجح… فيغيب الشيخ سعد خلف غياهب الذاكرة ويُمسي اعتزاله تفصيلاً يغرق في زحمة الأزمات المتراكمة.

لكن على الرغم من معرفتي المسبقة لهذا كلّه، رفضت الانتظار، وقرّرت “الحركشة” بأمّ زهير. فأنا لا أحبّ النكد في البيت على الإطلاق. ولهذا أمسكت قلبي بقوّة من بعد ظهر أمس، وقلت في نفسي: “سأسامرها وأجاذبها أطراف الحديث، لعلّي أستطيع أن أغيّر جوّ الغمّ والنكد الذي يتربّص بنا”.

سألتها: “أمّ زهير. العريس يلبسون له الأبيض والمتوفّى يتّشحون له بالسواد… طبّ المعتكف شو بيعملوا له؟”.

رمقتني بطرف عينها رمقة تقدح لهباً ونار غضب، وقالت لي: “ليك أبو زهير، العفاريت عم تنطنط بخلقتي، مش ناقصتك… إفرقني!”.

ضحكت وقلت لها: “روقي إمّ الزوز… شو آخر الدنيا؟ سمعيني كلمتين”.

ردّت وهي تغمز وتلمز: “أعطيني من الآخِر… قول”.

يغيب الشيخ سعد خلف غياهب الذاكرة ويُمسي اعتزاله تفصيلاً يغرق في زحمة الأزمات المتراكمة

فرُحت أخبرها السالفة، منمّقاً قولي بزخرف الكلام: “عزيزتي إمّ زهير، أنا أكيد أنّكِ تحبّين الشيخ سعد، ومن يحبّ شخصاً يُفترض أن يكون حريصاً على مصلحته. فهل تريدين أن يبقى الشيخ سعد نائباً براتب 550 دولاراً بعدما تشكّلت الحكومة ودخل نجيب العجيب السراي قاطعاً على الغالي ابن الغالي طريق العودة إليها ربّما لسنوات، أو تريدينه أن يعود كما كان ابن جاهٍ وعزّ؟”.

فردّتْ: “بدّي إياه متل قبل وأكتر كمان… بدّي شوفه أحلى الناس”.

فتابعتُ: “عظيم جدّاً… أنظري إليه الآن كيف أمسى بعد عودته من الإمارات نحيفاً رشيقاً وقد تخلّص من الدهون الزائدة، وابتعد عن العادات السيّئة. أنظري إلى رفاق السوء الذين كانوا حوله ونهبوه وردّوه ع الحديدة! أنظري إليهم كيف يتخبّطون بعد سماع خبر غيابه (راحت الرزقة). إستهدي بالله يا أمّ زهير، ابن الغالي سيعود كما كان وأفضل. سيعود ليرسم مستقبله ويبني نفسه بنفسه مجدّداً، وسيعمل في المجال الذي يفقهه. عليكم يا أمّ زهير أن تشكروا الإمارات والسعودية اللتين استضافتاه لا أن توجّهوا إليهما أصابع اللوم وترموهما بالتُهم. الشيخ سعد سيقبض فريش يا إمّ الزوز وليس بالليرة… أليس هو حبيب الروح؟”.

قالت: “بلى”، ثمّ فكّرت قليلاً وتنفّست الصعداء، بعدما دوّرت هذا الكلام في رأسها و”شقلبته”. اكتشفتْ أنّني على حقّ وأنّ بقاء الشيخ سعد في لبنان أو رحيله سيّان للطائفة ولمصيرها. بل على العكس، استطاعت أن تستخلص بأنّ رحيله إلى الخليج قد يكون فرصةً مؤاتيةً لعودة مستقبليّة محتملة، ومدخلاً إلى الخروج من حال المراوحة داخل الطائفة.

إقرأ أيضاً: خروج الحريري: الحزب أكثر المربَكين؟

في اليوم التالي، قصدت “الديسكوتيك” خلف منزلنا، وطلبت منهم أن ينسخوا لي الأغنية التي اشتهر بها عبّاس شاهين على تلفزيون المستقبل أيّام الرئيس الشهيد: “يا حبيب الروح… روح شوف مستقبلك!”. وقلت لهم أن انسخوها على CD، انسخوها 7 أو 8 مرّات، حتى تُعيد الأغنية وتعيدها وتعيدها بلا توقّف.

الليلة سأهديها إيّاه حتى تستمع إلى الأغنية بداية كلّ صباح مع فنجان القهوة.

*هذا المقال من نسج خيال الكاتب

مواضيع ذات صلة

ترامب جديد… وشرق أوسط أجدّ

ليس دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض، هو الرجل الذي عرفناه بين 2016 و2020، ولا الشرق الأوسط هو الإقليم الذي عرفه الرجل خلال رئاسته… هنا…

محمّد بن سلمان: “معيار الذّهب” في سنة اللّهب

يكمل وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عقده الرابع في منتصف 2025. كان في عقد الثلاثينات قوّة تغيير لم تعرف السعودية مثلها منذ جدّه…

بري “شمعون الشيعة”: 40 عاماً نبيهاً!

قيل إنّ لقاءهما الأوّل، كان في 31 تشرين الأوّل 1983 في جنيف. خارج قاعة مؤتمر حوارنا الوطني الشهير، التقى النمر الشمعونيّ العتيق بالزعيم “الأمليّ” الشابّ….

لبنان وزلازل المنطقة وتردّداتها…

عدوّان للبنان، شطبتهما أحداث هذه السنة. وهي سنة كلّ الزلازل وكلّ الارتدادات التي تسبّبت بها هذه الزلازل. العدوّان هما النظام السوري، الذي سعى منذ ما…