ميشال عون عند المفتي من موقع “المنتصر”

مدة القراءة 6 د

من الضحك على العرب، على الخليجيّين تحديداً.. إلى الضحك على أهل السُنّة في لبنان، يجهل “العهد القويّ”، أي “عهد حزب الله”، أنّ أوراقه مكشوفة، وأنّه لا يستطيع الضحك على أحد. أوراقه مكشوفة إلى درجة أنّ لبنان لم يعُد دولة بمقدار ما أنّه ورقة إيرانيّة لا أكثر. هذا ما يدركه العرب والعالم، وهذا ما يدركه اللبنانيون أنفسهم، خصوصاً أهل السُنّة الذين لا يحتاجون إلى شهادة من ميشال عون لتأكيد دور الطائفة لبنانيّاً. هؤلاء يعرفون مدى حقد ميشال عون وصهره جبران باسيل عليهم، ومدى حقدهما على رفيق الحريري بالذات من منطلقيْن ليس إلّا. منطلق الانتقام من اتفاق الطائف ومنطلق النجاح. نجاح رفيق الحريري في إعادة تعمير بيروت ووسطها ونجاحه في إعادة لبنان إلى خريطة المنطقة والعالم.

لم تكن مشكلة ميشال عون وجبران باسيل مع رفيق الحريري أو مع سعد الحريري في يوم من الأيّام. كانت مشكلتهما دائماً مع أهل السُنّة عموماً ومع المسيحيّين الذين يمتلكون بعض المنطق في الوقت ذاته، ومع الدروز الذين يرفضون تدجينهم لبنانياً

لن تقدّم الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس الجمهوريّة لدار الفتوى، حيث التقى المفتي عبداللطيف دريان، ولن تؤخّر. ليست الزيارة، التي جاءت مباشرة بعد “تعليق” سعد الحريري نشاطه السياسي في لبنان، سوى دليل على حال الإفلاس التي يعاني منها الثنائي الرئاسي ميشال عون – جبران باسيل. لا يوجد سنّيّ لبناني، يمتلك حدّاً أدنى من المنطق والعقل، لا يعرف أنّ كلّ ما فعله ميشال عون، منذ عودته إلى لبنان من منفاه الباريسي قبل سبعة عشر عاماً، كان يتمثّل في السعي إلى إخراج أهل السُنّة من المعادلة اللبنانيّة. استفاق عليهم وعلى دورهم الآن بعدما اعتبر أنّ تياره في حاجة إليهم في الانتخابات. يريد، من خلال زيارته للمفتي، توجيه رسالة واضحة. فحوى الرسالة أنّ مشكلته كانت مع رفيق الحريري، الذي تخلّصت منه إيران، ومع سعد الحريري الذي سعى إلى إكمال مسيرة والده… وليس مع أهل السُنّة.

الآن، بعد خروج سعد الحريري من السياسة اللبنانية، لم تعُد توجد مشكلة مع أهل السُنّة من وجهة نظر ميشال عون. كان يمكن لمثل هذه الرسالة أن تنطلي على اللبنانيين لولا أنّ الطفل يعرف أنّ ميشال عون رئيسٌ للجمهوريّة بصفة كونه مرشّح “حزب الله”، وأنّه لم يأتِ إلى دار الفتوى إلّا بعدما تأكّد من القضاء على “الحريريّة السياسيّة”. جاء، من وجهة نظره ووجهة نظر أزلامه، من موقع “المنتصر” على أهل السُنّة الذين يعرفون تماماً، بأكثريّتهم الساحقة، أنّ “حزب الله” أوصل ميشال عون إلى قصر بعبدا في سياق أجندة ذات معالم واضحة. كان بين أبرز محطّات تلك الأجندة الإيرانيّة التخلّص من رفيق الحريري… وصولاً إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، مروراً في طبيعة الحال بعزل لبنان عربيّاً.

لم تكن مشكلة ميشال عون وجبران باسيل مع رفيق الحريري أو مع سعد الحريري في يوم من الأيّام. كانت مشكلتهما دائماً مع أهل السُنّة عموماً ومع المسيحيّين الذين يمتلكون بعض المنطق في الوقت ذاته، ومع الدروز الذين يرفضون تدجينهم لبنانياً على غرار ما فعله النظام الأقلّويّ في سوريا منذ احتكار حافظ الأسد للسلطة قبل ما يزيد على نصف قرن.

من الضحك على العرب، على الخليجيّين تحديداً.. إلى الضحك على أهل السُنّة في لبنان، يجهل “العهد القويّ”، أي “عهد حزب الله”، أنّ أوراقه مكشوفة، وأنّه لا يستطيع الضحك على أحد

لا فائدة تُذكر من زيارة دار الفتوى في وقت يبدو لبنان عاجزاً عن تقديم أجوبة واضحة عن النقاط التي تضمّنتها “الرسالة الكويتيّة، الخليجية، العربيّة، الدوليّة” التي حملها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمّد الصباح الذي زار بيروت قبل أيّام. لم يستطِع وزير الخارجيّة اللبناني عبدالله بوحبيب أن يحمل إلى الاجتماع الوزاري العربي الذي انعقد في الكويت سوى جواب حكومي من النوع المضحك المبكي يقوم على شعارات “الممانعة” و”المقاومة”. إنّه وزيرٌ للخارجية في بلد ألغى نفسه.

تكمن مشكلة ميشال عون في أنّه لا يدري أنّ لبنان يعيش حاليّاً في عالم الشعارات التي لا علاقة لها من قريب بالواقع وبالتطوّرات التي تشهدها المنطقة. ليس في لبنان مَن يعرف شيئاً عمّا يدور في المنطقة، سواء في اليمن أو في مكان قريب مثل سوريا. باختصار شديد، هناك “عهد قويّ” ليس مسموحاً له بأن يعترض على كلّ ما يمكن أن يساعد في استعادة لبنان… هذا إذا كان في الإمكان استعادة شيء منه. تعني هذه الشعارات، التي تحكّمت بالردّ اللبناني على الرسالة التي حملها الوزير الكويتي، بين ما تعنيه، أنّ لبنان يحكمه “حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. كلّ ما تبقّى تفاصيل وإضاعة للوقت وتأكيد أنّ لبنان الذي عرفناه انتهى عمليّاً. لبنان انتهى. لم يعُد يوجد، للأسف، مَن يستطيع المساعدة في استعادته. وإذا وُجِد مَن يريد مساعدته، فهو يرفض مثل هذه المساعدة.

ليس ما يدعو إلى التفاؤل لبنانيّاً. ليس العجز عن الردّ على “الرسالة الكويتيّة، الخليجيّة، العربيّة، الدوليّة” سوى تكريس لهذا العجز الذي يكشف أنّ البلد صار في مكان آخر. صار لبنان الذي تغيّرت هويّته في المحور الإيراني. عزل لبنان نفسه عن العرب وعن فهم ما يدور في الشرق الأوسط والخليج والعالم. ما الذي يمكن توقّعه من بلد عزل نفسه ليس لدى رئيس الجمهوريّة فيه ما يفكّر به غير مستقبل صهره جبران باسيل؟ كيف يمكن للبنان التصالح مع المنطق فيما رئيس الجمهوريّة وآخرون غيره على قناعة بأن لا مجال لتنفيذ القرار 1559 نظراً إلى البعد الإقليمي لهذا القرار، خصوصاً أنّ “حزب الله” متورّط في غير مكان من المنطقة من سوريا… إلى اليمن؟

إقرأ أيضاً: باسيل في سوريا… دريان وميقاتي في الجامع العمري

ما نشهده في هذه المرحلة هو إلغاء لبنان لنفسه. كشفت هذا الإلغاءَ زيارةُ وزير الخارجيّة الكويتي التي أثبتت غياب المرجعيّة السياسيّة في البلد وتحوُّل لبنان إلى بلد فقير وبائس من جهة، ومجرّد ورقة إيرانيّة لا أكثر من جهة أخرى.

لا يستطيع ميشال عون الضحك على اللبنانيّين وعلى أهل السُنّة ومعظم المسيحيّين والدروز. هناك لعبة انتهت. لم تكن زيارة رئيس الجمهوريّة للمفتي سوى حلقة من الحلقات الأخيرة في مهزلة كان يمكن أن تكون مسلّية لو لم تنتهِ بمأساة عنوانها نهاية بلد وليس نهاية السُنّة.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…