سرّ التراجع الإيراني (2): غياب صانع المفاتيح.. سليماني

مدة القراءة 7 د

ثلاث مناطق تراجعت فيها إيران بسبب غياب صانع مفاتيح المنطقة، وخبير أقفالها، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني  الجنرال قاسم سليماني. وهذه التراجعات هي السرّ وراء “انحناء” إيران في فيينّا، وتقهقر نفوذها، واضطرارها إلى عقد التسويات، تجنباً من الهزيمة الأوسع:

1- صدمة العراق

كانَت صناديق الاقتراع في الانتخابات النّيابيّة العراقيّة أوّل حجرٍ فعليّ يهوي من سلسلة أحجار الدّومينو الإيراني. فقد مُنيت الفصائل الموالية للحرس الثّوريّ الإيراني بخسارة فادحة في الانتخابات النّيابيّة الأخيرة التي أُجرِيَت في 10 تشرين الأوّل الماضي.

رغم كلّ المحاولات والاعتداءات المتكرّرة على المنطقة الخضراء في بغداد وتعرّض السفارة الأميركية للعديد من محاولات الاعتداء إلاّ أنّ ما حصل من نتائج للانتخابات قد حصل ولا أحد يستطيع إلغاء مفاعيل هذه النتائج

كانت هذه الخسارة انعكاساً للمزاج الشّعبيّ للمناطق الشّيعيّة العراقيّة، التي أعطت أغلبيّة أصواتها للتّيّار الصّدري بقيادة السّيّد مُقتدى الصّدر، الذي يتبنّى منذ 2016 خطاباً بعيداً عن “أنغام الحرس الثّوريّ”، على الرّغم من حفاظه على علاقةٍ “جيّدة مع إيران”.

حاولت الميليشيات الموالية لإيران قلبَ النّتائج بكلّ الوسائل، حتّى وصلَ الأمر إلى مُحاولة اغتيال رئيس الوزراء مُصطفى الكاظميّ الذي تربطه علاقات متوازنة مع إيران، حاله حال الصّدر… لكن بلا جدوى. وها هي السلطة تتشكّل في بلاد الرافدين، خارج اليد القوية لإيران.

يشير مطلعون إلى أنّ غياب سُليماني، ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشّعبيّ السابق أبي مهدي المُهندس، الذي قُتلَ إلى جانبه، أدّى إلى فقدان السّيطرة على الميليشيات العراقيّة. إذ كان يُتقن قائد فيلق القدس السّابق “ترويضها” وجمعها وحلّ خلافات قادتها، بالتّعاون مع أبي مهدي.

ورغم كلّ المحاولات والاعتداءات المتكرّرة على المنطقة الخضراء في بغداد وتعرّض السفارة الأميركية للعديد من محاولات الاعتداء إلاّ أنّ ما حصل من نتائج للانتخابات قد حصل ولا أحد يستطيع إلغاء مفاعيل هذه النتائج.

2- حرّيّة اليمن السّعيد

من العراق إلى اليمن حيث شهِدَت الجبهات بعد مقتل سُليماني “جموداً قتاليّاً” لم يخرقه سوى غارات التّحالف العربيّ وصواريخ الميليشيات الحوثيّة وطائراتها المُسيّرة، حتّى جاءَ شهر شباط من سنة 2021. حينئذٍ قرّرَ الحوثيّون أن يخوضوا معركتهم “الكُبرى” على الرّغم من غياب “الحاج قاسم”، فحشدوا قوّاتهم وعُدّتهم وكانت الوجهة مدينة مأرب.

على مدى 11 شهراً، حاول الحوثيّون دخول المدينة الاستراتيجيّة، عاصمة مملكة سبأ التّاريخيّة. فسقطت المدينة عشرات المرّات في وسائل الإعلام الإيرانيّة، إلّا أنّ الواقع كان غير ذلك. تحوّلت أرضها إلى رمال مُتحرّكة، وسماؤها إلى حممٍ تُمطرها طائرات التّحالف العربيّ لتحصد آلاف الحوثيين وتُدمّر معدّاتهم، حتّى ضاقت مقابر صنعاء وعمران وصعدة بالنّعوش الآتية من محيطها.

تزامناً مع انكسار الهجمات الحوثيّة على مأرب، كانت ألوية العمالقة والقبائل وقوّات الشّرعيّة اليمنيّة تُنظّم صفوفها في الجنوب بالتنسيق مع قوى “التحالف العربي”، المدعومة من السعودية ودول الخليج. فباغتت الحوثيين في محافظة شبوة، لتتهاوى مديريّاتها واحدة تلو الأخرى.

بعد استعادة محافظة شبوة الاستراتيجيّة، جال المُتحدّث باسم التحالف العربيّ العميد تُركي المالكي في أرضها ليزيدَ من الإحباط الحوثيّ الذي وصلَ إلى أقصاه مع الغياب غير المُبرّر لزعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي.

يشير مطلعون إلى أنّ غياب سُليماني، ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشّعبيّ السابق أبي مهدي المُهندس، الذي قُتلَ إلى جانبه، أدّى إلى فقدان السّيطرة على الميليشيات العراقيّة

وعلى جبهات اليمن، علمَ “أساس” من مصادر التّحالف العربيّ أنّ العميد طارق محمّد عبد الله صالح، نجل شقيق الرّئيس الأسبق علي عبد الله صالح، بدأ يحشد قوّاته في مدينة تعز استعداداً لتحرير الجبال المُحيطة بها من الحوثيين، وذلك بعدما استطاع أن يجمع أكبر عدد من القوّات والقبائل الموالية للرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح، الذي قتله الحوثيون أواخر سنة 2017.

وقالت المصادر نفسها إنّه في حال تحرير الجبال المُحيطة بتعز تصير الطّريق إلى صنعاء سالكة أمام قوّات ألوية العمالقة وقوّات العميد صالح.

جاءَت حشود العميد صالح بعد أيّامٍ قليلة من إعلان التّحالف العربيّ انطلاق عمليّة “حرّيّة اليمن السّعيد” التي يدلّ عنوانها على مضمونها: “تحرير اليمن بالكامل من القبضة الحوثيّة، وبالتّالي الإيرانيّة”.

بدا الحجر الثاني من سلسلة الدّومينو الإيرانيّ يتهاوى…

3- التّوتّر في بيروت

وصلَ “دويّ” انقلاب “الحجر اليمنيّ” إلى بيروت. فاهتزّ الحجرُ الأساس: الحزب. هُنا، ارتفع منسوب التّوتّر لدى قيادة الحزب. فكان أمينه العامّ السّيّد حسن نصرالله يرفع منسوب “الحدّيّة” في خطابه ضدّ المملكة العربيّة السّعوديّة وقيادتها.

انتقلَ التّوتّر إلى نائبه الشّيخ نعيم قاسم الذي قال إنّ “ردّنا على السّعوديّة سيكون حاسماً”. ردٌّ جاءَ على شكل مؤتمرٍ ضمّ 3 “مُعارضين” سعوديين، لم يألفهم السّعوديّون ولا غيرهم من قبل، وبعض الشّخصيّات اللبنانيّة التي نُفِضَ الغبار عنها وتولّت مهمّة كيل الشّتائم والإساءة إلى المملكة.

علمَ “أساس” من مصادر التّحالف العربيّ أنّ العميد طارق محمّد عبد الله صالح، نجل شقيق الرّئيس الأسبق علي عبد الله صالح، بدأ يحشد قوّاته في مدينة تعز استعداداً لتحرير الجبال المُحيطة بها من الحوثيين

في “المؤتمر” كان رئيس الهيئة التنفيذية في الحزب السّيّد هاشم صفيّ الدّين يقول للولايات المتّحدة والسّعودية ولمُعارضي الاحتلال الإيرانيّ الذين وصفهم بـ”صيصانهم” في لبنان: “إنّكم لم تعرفوا قوّة هذه المقاومة، فهي قادرة على إنجاز وطن سيِّد حرّ مستقلّ من دون أيّ ارتهانٍ للخارج، وهذا هو عنوان المرحلة”، مؤكّداً أنّنا “في حزب الله يهمّنا أن يعرف العالم أنَّ الذي يستهدفنا بكلمة يجب أن يسمع الجواب أيّاً كان، ولن نسمح بتسميتنا بـ”الإرهاب” ونسكت، فهذا عداونٌ علينا”.

لم يكن كلام صفيّ الدّين سوى تهديد وابتزاز بأنّ الحزب سيتدخّل في الشّأن السّعوديّ في حال استمرّ معارضو الاحتلال الإيرانيّ بمُناهضتهم للهيمنة الفارسيّة على لبنان. وجاءَ كلامه في لحظة يسعى لبنان الرّسميّ إلى مُهادنة دول مجلس التّعاون الخليجيّ ومُحاولة تحسين العلاقات مع دول المجلس بشكلٍ عامّ، ومع المملكة العربيّة السّعوديّة على وجه الخصوص.

بعد صفي الدين وتكبّره على معارضية الذين وصفهم بالـ”صيصان”، كان رئيس كتلة “الوفاء للمُقاومة” النّائب محمّد رعد يُطلقُ من القصر الجمهوريّ، بعد لقاء الرّئيس ميشال عون عبارته: “نحنُ أسياد هذا البلد”.

تصريح النّائب رعد الذي استمرّ لـ120 ثانية، وعكسَ التّوتّر الذي يُهيمن على الحزب، اختار كلماته بدقّة وعنايةٍ ولفظها ببطءٍ وهدوءٍ لتأكيد كُلّ كلمة قالها، وشدّدَ فيه على “معاني الحوار وأهمّيّته في زمن الشّدّة والضّغط والمزايدات”. هويّة الـ”نحن” في كلام رعدٍ واضحة، وكذلك عبارة الـ”غير”، وإن لم يُصرّح بها. فما الـ”غير” سوى كلّ من يُعارض سياسة الـ”نحن” وسطوتهم وهيمنتهم.

ليسَ اليمن وحده من أصاب الحزب بالتّوتّر. إذ أنه يواجه صعوبةً في الاستعداد للانتخابات النّيابيّة المُقبلة، التي تشير أغلب الاستطلاعات إلى أنّ حليفه المسيحي الرّئيسي التّيّار الوطنيّ الحرّ سيخسر فيها أغلبيّته المسيحيّة، وبالتّالي الأكثريّة النيّابيّة التي فاخر بها قاسم سُليماني بُعيد انتخابات 2018. إضافة إلى استحالة جمع الرئيس نبيه برّي وزعيم “المردة” سليمان فرنجية في حلف واحد مع جبران والحزب…

إقرأ أيضاً: فيينا تُزهرُ في لبنان واليمَن والعراق والرياض؟ (1)

وهنا اهتزاز الحجر الأساسيّ من سلسلة الدّومينو الإيرانيّ.

مع رحيل قاسم سُليْماني، صانع الأقفال بوجه الخصوم ومالك المفاتيح، اهتزّ التوازن في العراق وانهارت جبهات القِتال في اليمن وتوتّر الخطاب القياديّ في لبنان، وكانَت كُلّ هذه السّقطات والاهتزازات مقدّمة للتّسوية التي تُطلّ برأسها من فيينا. والأيّام المُقبلة ستكون حُبلى بالانعكاسات المُستمرّة لغياب “الحاج قاسم” وتسارع وتيرة الحلول في كلّ مكان.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…