فيينا تُزهرُ في لبنان واليمَن والعراق والرياض؟ (1)

مدة القراءة 6 د

الحبر السرّيّ لتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والغرب في فيينّا، بدا كأنّه أزهر حبراً سياسياً مبكّراً في أرجاء المنطقة أمس.

4 تغييرات كبيرة بدا أنّها ترسم ملامح انفراج كبير على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربي:

1- في لبنان: أصدر الثّنائي الشّيعي، حزب الله وحركة أمل، بياناً مُقتضَباً أعلن فيه عودة وزرائه الشيعة عن مقاطعة عمل الحكومة وتعطيلها، تحت عنوان “إنجاز الموازنة وخطّة التّعافي الاقتصادي”، من دون أن ينسى التذكير بضرورة “تطبيق الدستور عبر المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.

وتسلّمت الحكومة اللبنانيّة من السّفيرة الأميركيّة دوروثي شيا رسالة “تطمين أميركيّة” تستثني لبنان من “عقوبات قيصر” بشأن استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السّورية.
وعلمَ “أساس” من مصدر دبلوماسي أميركيّ أنّ المبعوث الأميركي لشؤون الطّاقة عاموس هوكشتاين سلّم الجانبيْن المصري والأردني رسالة مماثلة بعد زيارته الأخيرة للبنان في تشرين الثّاني الماضي.

وقال المصدر إنّ حصّة الجانب السّوري من الغاز المصريّ لن تتعدّى 10%، ومن الكهرباء الأردنيّة 8%، على أن لا يأخذ النّظام السّوريّ بدلاً ماليّاً مقابل استجرار الطّاقة إلى لبنان.

وكشف المصدر لـ”أساس” أنّ من المتوقّع أن يصل هوكشتاين إلى بيروت مطلع شباط المقبل بعد رعايته للتوقيع الإسرائيلي قبل وصوله إلى بيروت للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية.

2- في اليمن: طرحت إيران، من دون سابق إنذار، مُبادرة لوقف إطلاق النّار والذّهاب نحو حلٍّ سلميّ، بعدما كانَ عنوانها “التّعنّت” طوال عمر الاعتداء الحوثي على اليمنيين.

لم يكن قاسم سُليماني شخصاً عاديّاً. وبالتالي فإنّ غيابه لم يكن عادياً أيضاً. ولم يكُن قرار الولايات المُتّحدة اغتياله عبثيّاً وعشوائيّاً

والتقى رئيس الدّبلوماسيّة الإيرانيّة  حسين أمير عبد اللهيان المُتحدّث باسم ميليشيات الحوثي محمّد عبد السّلام في العاصمة العُمانيّة مسقط. وبحسب المعلومات التي حصلَ عليها “أساس” من مصدرٍ عربيٍّ مسؤول فإنّ عبد اللهيان أبلغ مُمثّل الحوثيين أنّ بلاده تتّجه لطرح مُبادرة لإنهاء الصّراع في اليمن. ولفت المصدر إلى أنّ لقاء عبد اللهيان بممثّل الحوثيين في مسقط وليسَ في طهران يُعَدُّ بحدّ ذاته مُؤشّراً إلى “تسوية” ما.

3- في العراق: بدأت مساعٍ حثيثة بعيداً عن الأضواء لمُحاولة تذليل الخلافات بين الكتل النّيابيّة لتسهيل ولادة حكومة جديدة، بحسب ما ذكر مصدر عراقيّ مسؤول لـ”أساس”. وهذا يعني أنّ الاتفاق بات قاب قوسين أو أدنى.

وعلم “أساس” أنّ وفداً من الفصائل الموالية لإيران توجّه إلى طهران لبحث ملف تشكيل الحكومة بعدما استدعاهم مسؤولون في وزارة الخارجية الإيرانيّة.

4- وفي طهران: كشف عضو لجنة الأمن القومي والسّياسة الخارجيّة في البرلمان الإيراني، جليل رحيمي جهان آبادي، عن استعداد بلاده والمملكة العربيّة السّعوديّة  “لإعادة فتح سفارتيهما في كلّ من الرياض وطهران”، وذلك في تغريدة قد تكون تاريخية.

كلمة السرّ: فيينا؟

قال مصدرٌ سعوديّ مسؤول لـ”أساس” إنّ تبادل فتح السّفارات بين المملكة وإيران مرهونٌ بمدى جدّيّة إيران في حلّ الأزمة اليمنيّة ومُمارسة “نفوذها” على ميليشيات الحوثي “الإرهابيّة” التي تُهدّد أمن المملكة والخليج والملاحة البحريّة.

ولم ينفِ المسؤول السّعوديّ التوجّه إلى إعادة فتح القنصليّات في البلديْن، واصفاً هذه الخطوة بأنّها “تتعلّق بتسهيل شؤون الزّيارات الدّينيّة لا أكثر”.

وتسير المُحادثات في فيينا إلى الأمام، على الرّغم من بعض العقبات التي تتعلّق بالمطلب الإيراني بشأن “ضمانات عدم الانسحاب”، إلّا أنّه تمّ تذليل أكثر العقبات. ويشير مصدرٌ أميركيّ مسؤول لـ”أساس” إلى أنّ المُحادثات مع إيران حقّقت تقدّماً ملموساً في الجلسة الثّامنة، إلّا أنّ عقبة “الضّمانات” تتسابق مع الوقت المُتبقّي المُفترض لإنهاء المُفاوضات والعودة إلى الاتفاق النّوويّ خلال 3 أسابيع حدّاً أقصى.

نشهد كلّ هذه التغييرات الإيجابية، والتقارب، والحلول السياسية، من اليمن إلى العراق ولبنان والرياض، بعد أشهر طويلة من التصعيد الإيراني العسكري والسياسي على كلّ الجبهات الذي جعل كلّ الملفات تبدو مقفلة، وتُوّج باختطاف سفينة إماراتية قبل أيام في ميناء الصليف اليمني.

فلماذا تراجعت إيران عن تصعيدها؟

قد تكون الإجابة الشافية هي في تقهقر إيران الذي أصاب جبهاتها كلّها، العسكرية والسياسية، فجعلها في ثوب الضعيف، إلى جانب الإفلاس المالي الذي حرّك أكثر من مدينة ومنطقة وإقليم داخل إيران، بسبب الجوع والعطش والبطالة وارتفاع الأسعار.

حدث هذا كلّه أيضاً بعد عامين من اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، الذي كان يمسك بمفاتيح اللعب في المنطقة، ويدير أحجار الشطرنج الإيرانية، من صنعاء إلى بغداد والشام وبيروت، وصولاً إلى غزّة.

وشيئاً فشيئاً بدأت أحجار الشطرنج تتحوّل إلى أحجار دومينو، وراحت تلقي الواحدة بثقلها على الأخرى، وبدأت تتهاوى منذ غاب صانع مفاتيح المنطقة، والخبير في فكّ أقفالها، سليماني. وبدأ المشروع الإيراني في المنطقة ينحني من ارتباك إلى تراجع. وراحت الأذرع الإيرانيّة في المنطقة تقترب من الهزيمة الكبيرة يوماً بعد يوم…

لم يكن رحيل “سردار سُليماني”، الباني الحديث لحلم الإمبراطوريّة الإيرانيّة، تفصيلاً عابراً.

إقرأ أيضاً: شهلائي.. سليماني اليمن: هل هو إيرلو؟

وللإنصاف، لم يكن قاسم سُليماني شخصاً عاديّاً. وبالتالي فإنّ غيابه لم يكن عاديّاً أيضاً. ولم يكُن قرار الولايات المُتّحدة اغتياله عبثيّاً وعشوائيّاً. فقد استطاعت واشنطن مطلع كانون الثّاني 2020 أن توجّه ضربةً قاصمة طويلة الأمد على مُختلف الجبهات بدأت نتائجها تظهر اليوم، على الرّغم من “أصوات تهشيم عظام وأسنان الأميركيين”، التي بقيَت كلاماً على لسان خليفته، الجنرال إسماعيل قاآني.

تدلّ مؤشّرات عديدة على التراجع الذي باتَ ملموساً على جبهات القتال في اليمن، وصناديق الاقتراع في العراق، وصولاً إلى التوتّر القائم في لبنان.

غداً في الحلقة الثانية:

تفاصيل الهزائم في بيروت وصنعاء وبغداد

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…