في الجزأين الأوّل والثاني، عرضنا كيف تحوّلت سوريا إلى عاصمة الكبتاغون، وعلاقة حزب اله وآل الأسد بهذه الصناعة، والتداعيات التي يتحمّلها اللبنانيون بسبب هذه الصناعة، ودورها الاعتدائي على دول الخليج، ليس كمخدّرات، بل كوسيلة للتسبّب بانهيار اجتماعي داخل هذه الدول العربية.
في حلقة اليوم، الثالثة والأخيرة، يكشف “أساس” عن أنّ نظام الأسد يربح 16 مليار دولار سنوياً من تجارة الكبتاغون. وهذا يقارب الدخل القومي السنوي في لبنان حالياً.
16 مليار دولار سنوياً هي قيمة الأرباح التي تدرّها تجارة الكبتاغون على النظام السوري. وذلك بحسب تقديرات “برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للتطوير البحري”، وهو مؤسسة بحثية مقرّها لندن. وذلك من خلال “تهريب المخدّرات من الموانئ السورية”، بناءً على تحليل شحنات المخدّرات التي غادرت الموانئ السورية بين حزيران 2019 وآب 2020، وصودرت في اليونان وإيطاليا والإمارات والسعودية ورومانيا. إذ أنّ المضبوطات من “الكبتاغون” السوري المصدَّر أصبحت تُهرَّب أكثر عبر البحر المتوسط.
حديث الصورة: السلطات السعودية تحبط تهريب نحو 5 ملايين حبة كبتاغون مخبّأة في شحنة رمّان مصدرها لبنان، وعلى أثر ذلك فرضت المملكة العربية السعودية حظراً شاملاً على واردات الفاكهة والخضراوات من لبنان لوقف تهريب الكبتاغون.
وكانت الشحنات ذات المصدر السوري واللبناني التي تمّ إحباطها، هي الأكبر عالمياً خلال السنوات الماضية. ففي كانون الأول من العام 2018، أوقف خفر السواحل اليوناني السفينة نوكا، بعد مغادرتها ميناء اللاذقية متوجّهة إلى ليبيا، وعلى متنها ما تزيد قيمته عن 100 مليون دولار من الحشيش و”الكبتاغون”.
في تموز 2019، أعلنت السلطات اليونانية أنّها صادرت 5.25 أطنان (نحو 33 مليون حبّة) من الحبوب المخدّرة قادمة من سوريا، وموضوعة في ثلاث حاويات، وتبلغ قيمتها نصف مليار يورو، وكانت متّجهة نحو المملكة العربية السعودية.
في شباط 2020 صادر مسؤولو ميناء جبل علي في دبي 35 مليون قرص من الكبتاغون، تزِن أكثر من 5 أطنان، وكانت مخبّأة في أسلاك كهربائية.
وأعلنت الشرطة الإيطالية، في تموز 2020، ضبط نحو 14 طنّاً (85 مليون حبة) من أقراص “الأمفيتامين” المخدّر قادمة من سوريا، ووصفت الكميّة المصادَرة بأنّها الأكبر على المستوى العالمي.
وكانت الشحنة مخبّأة في ثلاث حاويات تحتوي أسطوانات ورقية تُستخدَم في الصناعة، ويبلغ سعرها مليار يورو، وضُبطت في ميناء مدينة ساليرنو جنوب غربي إيطاليا، قبل توجّهها إلى شركة مقرّها في سويسرا في مدينة لوغانو.
وفي آذار 2021، صادرت السلطات الماليزية، نتيجة التعاون مع السلطات السعودية، 94.8 مليون قرص من الكبتاغون، تفوق قيمتها السوقية مليار يورو، وتزن 16 طناً. وفي نيسان من العام ذاته صادرت المملكة العربية السعودية أكثر من 3 ملايين ونصف مليون قرص مخبّأة في شحنات رمّان آتية من لبنان.
المنتوجات الزراعية في لبنان
وبات معروفاً أنّ لبنان دفع كلفة وقف تصدير منتوجاته الزراعية إلى دول الخليج بسبب تهريب الكبتاغون عبر حاويات تجارية لشركات مختلفة، تحمل موادّاً غذائية أو شحنات خضار وفواكه، مثل البرتقال، والرمّان، والليمون، والعنب، آتية برّاً أو من الموانئ البحرية، تُرسَل شحنات “الكبتاغون” من سوريا ولبنان إلى دول الخليج العربي والمنطقة.
يكشف “أساس” عن أنّ نظام الأسد يربح 16 مليار دولار سنوياً من تجارة الكبتاغون. وهذا يقارب الدخل القومي السنوي في لبنان حالياً
بُنيت هذه التجارة وكبرت إمبراطورية المخدّرات على أنقاض سوريا ومستقبل لبنان. وقد قُدِّرت قيمة شحنات “الكبتاغون” بمليارات الدولارات، متجاوزة حجم الصادرات القانونية السورية، ومُحوّلة البلد إلى دولة تعتمد على التجارة غير الشرعية للمخدّرات في العالم.
كانت آخر الشحنات تلك التي أعلنت عنها شرطة دبي التي تمكّنت من إحباط تهريب أكثر من مليون قرص “كبتاغون” أُخفيت في شحنة ليمون، بقيمة سوقية بلغت 58 مليوناً و25 ألف درهم. وعلى الرغم من عدم ذكر مصدر تلك الشحنة، إلا أنّ شريط فيديو مصوّر يُظهر تفاصيل الكشف عن حبوب “الكبتاغون” داخل شحنة الليمون، وتظهر عبارة “صنع في لبنان” على الصناديق المحجوزة.
سابقاً، كانت شحنات الفواكه والخضار اللبنانية تمرّ برّاً من لبنان إلى سوريا فالأردن فالسعودية، وتبقى داخل هذه الأخيرة أو تعبر إلى وجهتها نحو الدول الخليجية. أمّا بحراً فتمرّ من ميناء بيروت إلى ميناء جدّة أو ميناء ضباء. ولا تتجاوز صادرات لبنان عبر الجوّ 5%، مقابل 95% برّاً وبحراً، بحسب إحصاءات رسمية لبنانية.
وقال رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين، أنطوان الحويك، في تصريح سابق: “نحن ذاهبون نحو الخراب”، بعد القرار السعودي بوقف الواردات اللبنانية. فهي كانت تعود على لبنان بـ500 مليون دولار سنوياً، 250 مليوناً منها مصدرها الخليج وحده.
واستناداً إلى البيانات الجمركية اللبنانية الرسمية، فإنّ التبادل التجاري مع الخليج في عام 2020، الذي يتضمّن خضراوات وفواكه ومشروبات وحبوباً، كانت تتصدّره السعودية، وهو ما يشير إلى أنّ لبنان فَقَد عائداً ماديّاً مهمّاً بسبب استمرار تهريب المخدّرات.
أمّا النظام السوري فيرسل حتى اليوم شحنات “الكبتاغون” بطرق مبتكرة وتحت غطاء علامات تجارية. فقد تصدّرت صور متّة “خارطة الخضراء” وعلب حليب “ميلك مان” السورية المنشأ وسائل الإعلام في نيسان الماضي، بعد اكتشاف السلطات السعودية 19 مليوناً و264 ألف قرص مخدّر في علب المتّة، والسلطات المصرية أربعة أطنان حشيش مخدّر مخبّأة داخل علب الحليب في ميناء “بور سعيد”، مشحونة من ميناء اللاذقية.
وفق ذلك، ضُبِط أكثر من 250 مليون حبّة “كبتاغون” في جميع أنحاء العالم حتى الآن، أي أكثر من 18 ضعف الكمية التي تمّ الاستيلاء عليها قبل أربع سنوات فقط، بحسب خبراء المخدّرات.
600 مليون حبّة إلى السعودية
سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد البخاري، كشف عن محاولة تهريب 600 مليون حبّة من الموادّ المخدّرة من لبنان إلى المملكة العربية السعودية، إضافة إلى مئات الكيلوغرامات من الحشيش خلال الأعوام الستة الماضية.
وقال ثلاثة خبراء اقتصاد إقليميين، تواصل معهم “أساس”، إنّ النظام السوري اتّجه إلى تهريب المخدّرات إلى العالم بشحنات وكميات تحطّم بعضها الأرقام القياسية، إثر فشل سياساته الاقتصادية، وبسبب رغبته في كسب الثروات وحاجته إلى العملة الصعبة لتمويل آلة الحرب العسكرية التي يقاتل بها الشعب السوري، إضافة إلى حاجة النظام السوري إلى المال بعد عقوبات قيصر الأميركية من أجل دفع رواتب المسلّحين والعسكر والميليشيات المقاتلة إلى جانبه وشراء الأسلحة، وذلك في مسعى واضح من نظام الأسد إلى الحصول على مصدر تمويل لا ينضب ويحقّق له البقاء في السلطة أكبر قدر ممكن.
حديث الصورة: صادر ضبّاط إنفاذ القانون الإيطاليون 14 طنّاً من “الكبتاغون”، أي حوالي 84 مليون حبّة، في ميناء “ساليرنو” في عام 2020 (EPA).
أين تُستخدم أموال المخدِّرات؟
قد صادرت السلطات في اليونان وإيطاليا والمملكة العربية السعودية وأماكن أخرى مئات الملايين من الحبوب الآتية من موانئ لبنان وسوريا، وبعضها في عمليات شحن قد تتجاوز قيمتها السوقية مليار دولار، وفقاً لمسؤولي إنفاذ القانون.
وبحسب تحقيق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، يحاول النظام السوري وحزب الله كسب العملة الصعبة، والالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأميركية. واستغلّ شركاء الأسد، من المعاقَبين والضبّاط في قوات النظام وقادة الميليشيات، والتجار الذين ازدهرت أعمالهم خلال الحرب، وأقارب الأسد، تجارة “الكبتاغون” من أجل كسب الأموال. وتنتشر مختبرات “الكبتاغون” في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري و”حزب الله” على الحدود اللبنانية وحول مدينة اللاذقية.
بلغت قيمة صادرات سوريا من “الكبتاغون”، عام 2020، ما لا يقلّ عن 3.46 مليارات دولار أميركي، يستفيد من معظمها النظام السوري بعد توسيع نطاق سيطرته العسكرية على الأرض، وهو ما أتاح له ولحلفائه الإقليميين ترسيخ دورهم باعتبارهم مستفيدين رئيسيين من تجارة المخدّرات في سوريا.
إقرأ أيضاً: سوريا “عاصمة” الكبتاغون (2): ما علاقة الحزب؟
وأكّد باحث اقتصادي في جامعة إسطنبول، طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنيّة، لـ”أساس”، إنّ النظام السوري والمقرّبين منه ضالعون في شبكات لتصنيع الموادّ المخدّرة وتهريبها وتصديرها إلى دول الخليج بشكل مباشر. وتعود عليهم هذه التجارة بمبالغ ماديّة ضخمة، وتُعتبر الآن تجارة “الكبتاغون” غير المشروعة من أكثر الصادرات قيمةً في سوريا، وتتجاوز عائداتها ما تدرّه المنتجات القانونية بكثير. وكذلك الوضع بالنسبة إلى لبنان الذي باتت تجارة المخدّرات من ضمن أولويّاته لأنّها تحقّق له المزيد من المكاسب الماديّة.