في الحلقة الأولى أمس، شرح هذا التقرير كيف تتحوّل سوريا إلى عاصمة للكبتاغون. وكيف تورّط لبنان في تحوّله إلى واجهة لاستهداف دول الخليج، من خلال تصدير المخدّرات، من كبتاغون، إليها، عبر المعابر اللبنانية.
في الحلقة الثانية شرح لمدى تورّط القيادة السورية وحزب الله في هذه الحرب المعلنة على دول الخليج.
باتت الحدود اللبنانية السورية، خلال الأعوام الأخيرة، وتحديداً بلدة عسال الورد السوري، والطفيل اللبنانية، والبلدات المجاورة لها، عواصم صناعة الكبتاغون. وهي تحظى بإشراف مباشر من الطرفين الممسكين بأمن هذه المنطقة: نظام بشّار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان.
ومع تدهور الاقتصادين اللبناني والسوري، باتت تجارة “الكبتاغون” اليوم من بين أكثر القطاعات الاقتصادية ربحيّةً في البلدين، فليس هناك سبب للاعتقاد أنّ هذه التجارة ستتراجع في المستقبل القريب
تُعتبر الطفيل بلدة نائية. فهي تقع في عمق السلسلة الشرقية للبنان، وتتداخل فيها الأراضي السورية واللبنانية، وتبلغ مساحتها 52 كيلومتراً مربعاً، وتبعد 57 كيلومتراً من مدينة دمشق. وينتشر “حزب الله” منذ 2014 على جانبي الحدود السورية-اللبنانية في منطقة القلمون الغربي، وتنتشر معه في الجانب السوري قوات من “الفرقة الرابعة” التي يقودها اللواء ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وسبق أن أبلغت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية أعضاء في الكونغرس بشكل رسمي أنّها توصّلت إلى أدلّة تثبت ضلوع الحزب في أعمال ضخمة لتهريب وتجارة المخدّرات حول العالم، وهو ما يتقاطع مع تقارير إعلامية أميركية تفيد أنّ “حزب الله” اللبناني يشترك مع أكثر من دولة في العالم في تهريب المخدرات، وذلك لتمويل عملياته العسكرية في سوريا وشراء الأسلحة اللازمة.
وأوضح تحقيق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أخيراً، حمل عنوان “على أنقاض سوريا.. ازدهار إمبراطورية المخدّرات”، أنّ صناعة المخدّرات “التي يديرها شركاء أقوياء وأقارب الرئيس بشار الأسد، نمت على أنقاض الحرب التي دمّرت سوريا على مدار 10 سنوات”. ولفت التقرير إلى وجود شركاء رئيسيين أيضاً، من بينهم رجال أعمال تربطهم صلات وثيقة بالنظام السوري وحزب الله اللبناني.
ومع تدهور الاقتصادين اللبناني والسوري، باتت تجارة “الكبتاغون” اليوم من بين أكثر القطاعات الاقتصادية ربحيّةً في البلدين، فليس هناك سبب للاعتقاد أنّ هذه التجارة ستتراجع في المستقبل القريب.
حديث الصورة: عائلة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والمقربّون من نظامه، ضالعون في شبكات لتصنيع الموادّ المخدّرة وتهريبها وتصديرها إلى دول أخرى. (نيويورك تايمز)
مركز عالميّ لإنتاج “الكبتاغون” المخدّر
تشير دراسة صادرة عن مركز “COAR” للأبحاث (كوار)، في نيسان الماضي، إلى أنّ سوريا مركز عالمي لإنتاج “الكبتاغون” المخدّر، وأنّها أصبحت أكثر تصنيعاً وأكثر تطوّراً تقنيّاً في صناعة هذه المخدّرات من أيّ وقت مضى.
يمكن القول إنّ المعرفة القائمة بأنماط التهريب والبنية التحتية للتهريب المتاحة في لبنان وسوريا قد وفّرتا لمنتجي “الكبتاغون” أساساً يمكنهم من خلاله تهريب المخدرات إلى جميع أنحاء المنطقة.
ووفقاً لتحقيق نشره موقع الجريمة المنظّمة والفساد، في حزيران الماضي، فإنّ تجارة المخدرات ازدهرت في سوريا بالآونة الأخيرة على يد مرتبطين بعائلة رئيس النظام السوري. وأشار تقرير مجلة الشؤون الدولية إلى وجود تنسيق مركزي مسؤول عن غالبيّة عمليات تهريب “الكبتاغون” أو وجود تنسيق بين المؤسسات المرتبطة بعملية التهريب، وهو ما يعني أيضاً تورّط نظام الأسد.
وأنشطة النظام السوري في تصنيع المخدرات والاتّجار بها، ساهمت في مضاعفة كميّة المخدرات المضبوطة عالمياً عشرات المرّات. إذ تمّ ضبط أكثر من 250 مليون حبّة كبتاغون في جميع أرجاء العالم حتى الآن، أي أكثر من 18 ضعف الكميّة التي تمّ الاستيلاء عليها قبل أربع سنوات فقط.
وكانت أكبر كميّة تمّ ضبطها في ميناء ساليرنو، بالقرب من مدينة نابولي الإيطالية، في تموز 2020، تحوي 14 طنّاً من “الكبتاغون”، بقيمة تُقدَّر بمليار يورو.
وفي وقت سابق من هذا العام، أُحبِط تهريب 5.3 ملايين حبّة “كبتاغون” إلى السعودية، وقد عُرفت العمليّة باسم “رمّان الكبتاغون”. وفي آخر أيام العام 2021 أعلن وزير داخلية لبنان بسام المولوي عن توقيف شحنة كبتاغون مخبّأة في البرتقال كانت متوجهة من لبنان إلى الكويت، بكمية من 9 ملايين حبّة، بقيمة تقارب 16 مليون دولار.
ما هو سرّ الكبتاغون؟
تُعتبر حبوب “الكبتاغون” من مشتقّات مادة الأمفيتامين المخدّرة والمنبّهة للجهاز العصبي، وهي تمنح مَن يتناولها شعوراً بالسعادة والحيوية، لكنّه عاجلاً ما يتحوّل إلى الإدمان. ويصنّف مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدّرات والجريمة “الكبتاغون” على أنّه “أحد أنواع الأمفيتامينات المحفّزة”، التي تزيد من اليقظة، وتزيد من التركيز والأداء البدني، وتوفّر الشعور بالراحة.
إقرأ أيضاً: لبنان الحشيش وسوريا “عاصمة” الكبتاغون (1)
يجعل “الكبتاغون” متعاطيه يشعر بالحيويّة والسعادة، ولهذا السبب يُطلَق عليه اسم “الشجاعة الكيميائية“. ويشير الطبيب النفسي اللبناني رمزي حداد إلى أنّ الدواء ينتج نوعاً من النشوة، فيرغب متناوله في الكلام بكثرة، ويُبقي الذين يتعاطونه مستيقظين لفترات طويلة من الزمن مع انعدام الرغبة في الأكل. وأدرجت منظمة الصحة العالمية عام 1986 “الكبتاغون” في لائحة الموادّ الخاضعة للرقابة، جاعلةً منها غير قانونية من حيث الشراء أو البيع في معظم البلدان.
حديث الصورة: تختلف أسعار الأقراص المخدّرة بشكل كبير بناءً على الجودة والموقع الجغرافي، إذ تشير تقارير إلى انخفاض أسعارها في سوريا لتبلغ بضعة دولارات فقط، حتى قبل الأزمة المالية الحالية، فيما يرتفع السعر ليصل إلى 25 دولاراً للقرص الواحد في الخليج. (المصدر: EPA)
ويمكن لمستخدمي الأمفيتامين على المدى الطويل أن يعانوا من الآثار الجانبية مثل الاكتئاب الشديد، والحرمان من النوم، وتسمّم القلب والأوعية الدموية، وسوء التغذية، وفقاً للخدمة الوطنية للعدالة الجنائية المرجعية الأميركية.
في الجزء الثالث الأسبوع المقبل:
ما هي أسواق الكبتاغون ومكاسبه الماليّة؟